نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإنسانية جوهر المساواة بين المرأة والرجل‏

زهرة بدر الدين

 



كانت المرأة في عصر الجاهلية محرومة من مزايا المجتمع الإنساني، وما يتمتع به من إرادة وحرية فلم تكن تملك إرادة خاصة بها، ولا عملاً مستقلاً، ولا ميراثاً ولا مالاً، وكانت يُتعامل معها كموجود خالٍ من حقوق الإنسانية، إلى أن جاء الإسلام وأرسى أسساً وقواعد، وأنظمة للحياة والكون، وبيّن حقوق الإنسان كما أعطى للمرأة حقوقها، وميزاتها الإنسانية، وجعل لها مكانة اجتماعية، ورفع شأنها فكانت أول آية قرآنية تتحدث عن المرأة قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير: 9 - 8)، إشارة إلى نبذ تلك العادات السيئة التي تعمل على إماتة الإنسانية من خلال وأد المرأة.

ومع ذلك، لم تخرج تلك الأفكار الجاهلية من عقول الكثير من الناس، حتى المثقفين منهم وأهل العلم، معللين ذلك بحجج واهية لا تمُتّ إلى الإسلام بصلة، سوى أنها تبريرات تُعبر عن أهواء نفسية وشخصية، متأثرين بالعقول الغربية التي تأثرت بطريقة تفكير القرون الوسطى، هادفين إلى إرساء السلطة، والأسر الجسدي والفكري. لكن مع مرور الزمن وإشراق القرن العشرين، أخذت هذه الأفكار تضمحل شيئاً فشيئاً. ثم برزت حركة الدفاع عن حقوق المرأة، والتي رفعت مجموعة من المظالم، والمطالبة بحقوقها الإنسانية، إلاّ أنها جلبت لها مآسي أخرى. فالمرأة الغربية رغم مساندة المنظمات الدولية لمناصرة حقوقها، كانت محرومة أيضاً من أبسط حقوقها حتى مطلع القرن العشرين. وقد أَطلقت هذه الحركة عدة من المصطلحات بُغية المطالبة بحقوقها، والتي تمحورت حول "الحرية والمساواة"، غافلة عن أن هذين الشعارين هما ظاهرتان مرتبطتان بعلاقات الناس فما بينهم بمقتضى الإنسانية التي تجمع كلاً من المرأة والرجل. فالمرأة باعتبارها إنساناً، شأنها شأن كل إنسان في كونها خُلِقت حرة، وتتمتع بالحقوق الإنسانية الكاملة، ضمن خصوصيات معينة، كما أن للرجل حقوقه الخاصة ضمن خصوصيات معينة أيضاً. نعم هما سيَّان في الإنسانية، لكنهما يختلفان في المواصفات العضوية والنفسية، وهذا ليس ناشئاً من جراء عوامل تاريخية أو اجتماعية أو جغرافية أو حتى دينية، وإنما قائم على اختلافٍ في التكوين والخلق الذي يقتضي اختلافاً وتفاوتاً في الحقوق والواجبات. ماذا تُقدم هذه الإنسانية للجنسين من مزايا وخصائص وحقوق؟ وهل المرأة تعني الجنس أم الفرد؟ ثم هل يكون الكلام عن المرأة كلاماً عاماً يشمل جميع النساء، أم أن هناك من خَرج بالتخصيص؟

* إنسانية المرأة:
في الحديث عن إنسانية المرأة وبنظرة متمعنة إلى القرآن الكريم نجد أنه عندما يتناول الحديث عن الرجل والمرأة، يشير إلى أن مسألة الخلق والتكوينِ ترجع إلى طبيعة واحدة. فقد استغل الفرصة، ولم يفوتها في كثير من الآيات لأجل دحض الشبهات والآراء الفاسدة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة.

1- تساوي المرأة والرجل في أصل الخلقة وجوهر الإنسانية (الروح): يشير القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً (النساء: 1). لا نجد في القرآن الكريم آية تدل أو تشير إلى أن خلق المرأة هو أَدوَن من خلق الرجل، أو أنها مخلوق هامشي أو ثانوي في الحياة، أو أنها خلقت من ضلع آدم، وإنما هي اجتهادات شخصية وأفكار تَمسك بها البعض دون التحقق منها، ودون الرجوع إلى المصادر والمنابع الأساسية لتنقيح المدسوس والإسرائيليات منها عن غيرها. لا شك: "إن اشتراك المرأة والرجل هو في القيمة الإنسانية ومساواتهما في الاعتبار الإنساني يلزمه اشتراكهما في الحقوق الإنسانية"(1). كما أن القرآن الكريم جاء لأجل تهذيب الروح، والروح لا مذكر ولا مؤنث كما عبر عنه الآملي بأن: "الإنسان لا هو رجل ولا امرأة، لأن إنسانية الإنسان هي بروحه والروح منزهة عن الذكورة ومبرّأَة عن الأنوثة"(2). وفي الحديث عن الخلق يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (الحجرات: 13). يشير الآملي عقيب هذه الآية إلى أنه إذا أراد الإنسان أن يفتخر بالبدن: "فإن الرجل خُلق من امرأة ورجل، والمرأة أيضاً ولدت من امرأة ورجل، لا أن خلق بدن الرجل أفضل من خلق بدن المرأة ولا العكس..."(3). فالأصل في الإنسان هو روحه والفرع هو البدن ولم ينظر القرآن إلى الذكر والأنثى إلا من الجهة الإنسانية، وقد خاطب روح الإنسان التي تشكل حقيقته؛ ولم يخاطب البدن. فإنسانية الإنسان إنما تتحقق بروحه لا بجسمه، ولا بمجموع الروح والجسم. ويشير الآملي ويؤكد من خلال الآيات على أن روح الإنسان منزهة عن الذكورة والأنوثة... والتمايز والاختلاف بين الجنسين الذكر والأنثى ليس قائماً على البدن وإنما على القيم والفضائل، ومعيار القيمة منزه عن الذكورة والأنوثة(4).

2- التساوي في الوصول إلى أعلى مراتب الكمال:
يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (النحل: 97)، فلم يقل تعالى: (من عمل منكم) بل فَصّل والتفصيل ضروري لرفع الشبهة وبيان الإنسانية لكل منهما فعبر ب"ذكر أو أنثى" وقَرن العمل بالإيمان، ولم يُقرنه بجنسٍ وجعل معيار التفاضل والتفاوت بينهما هو التقوى والإيمان. وجاء عن الطباطبائي إشارته إلى ذلك بقوله: "إن النظرة المتكاملة هي التي تشمل المجتمع ككل متشابه الأجواء لا تقدم فيها للبعض على البعض، ولا تفاضل ولا تفاخر، ولا كرامة، وأما التفاوت الذي تستدعيه القريحة الإنسانية ولا تسكت عنه إنما هو في التقوى وأمره إلى الله سبحانه لا إلى الناس"(5). واليه أشار تعالى بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات، 13).

3- مشاركة النساء والرجال في المسؤولية الاجتماعية:
يقول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (التوبة: 71): "أي يتولى بعضهم أمر بعض ويدبره، ولذلك يأمر بعضهم بعضاً بالمعروف وينهى عن المنكر، فولاية بعض المجتمع على بعض ولاية سارية في جميع الأبعاض، لها دخل في تصديهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بين أنفسهم"(6). إذاً، المرأة والرجل يتحملان مسؤولية اجتماعية قامت عليها سائر الفرائض الأخرى وكلاهما ولي للآخر.

4- الاستقلال الاقتصادي للنساء والرجال:
بيّن القرآن الكريم أنّ لكلٍ من الرجل والمرأة الحق في العمل، والاقتصاد، والإنتاج، وليس للغير الحق في الاستيلاء عليه وأخذه أو غير ذلك. فللمرأة الحق في العمل والكسب والإنتاج والاستقلالية في ذلك وذلك من جهة كونها إنساناً، تتمتع بكل ما للإنسان من حقوق، يقول تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ (النساء: 32). فهذا قانونٌ عام لحقوق الإنسان، وقد منحه القرآن الكريم للمرأة قبل أوروبا بثلاثة عشر قرناً، إلا أنه عندما منح المرأة استقلالاً اقتصادياً لم يطرحه إلا بعد أن طرح الحق الإنساني والإلهي وحبه للعدالة، ولم يهمل حفاظه على الأسرة ولم يزلزل أسسها، ولم يدفع النساء للتمرد على الأزواج أو الآباء بل أوجد ثورة هادئة دون ضرر وبلا خطر(7). إذاً، أعطى الإسلام للمرأة الاستقلال والحرية على أتم الوجوه فصارت مستقلة بنفسها منفكة الإرادة والعمل عن الرجال وولايتهم وقيمومتهم واجدةً لما يسمحُ لها به في الدنيا في جميع الأدوار وإليه أشار قوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة: 234).

5- التساوي في الجزاء والعقوبة:
وهو من جملة الحقوق الإنسانية التي يتساوى فيها كل من الرجل والمرأة، وهو جزاء العمل والعقوبة الناتجة عنه فلا فرق بين الرجل والمرأة في إجراء الحد، أو التعزير عند حصول إحدى المخالفات الشرعية، يقول عز وجل: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا (المائدة: 38). نرى من خلال هذه الجولة القرآنية عدم التركيز على الجنس ولم يُعتمد ملاكاً للأفضلية قط، بل الأفضلية جُعلت لمعايير أخرى كما مرّ معنا. والآيات الآنفة الذكر تكشفُ بوضوح تساوي الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية كافة، ولا فرق بين أصناف النساء، فالمرأة بطبيعتها الأنثوية لها حقوق إنسانية كاملة، سواء كانت هذه المرأة معصومة أم لا، حرة أم أمة، ابنة أم زوجة.. وغيرها من التسميات المتقابلة لأن الاستثناء غير وارد وهو يحتاج إلى مخصص إن وُجد، والكلام هنا عن الإنسانية، والإنسانية لا تتخصص بجنسٍ على آخر بل تشمل كلاً من الذكر والأنثى. فالرجل والمرأة كلاهما مسؤولان أمام الله في حمل الأمانة الثقيلة، وليس الكلام عن المذكر أو المؤنث وإنما عن الإنسان.


(*) مديرة معهد السيدة الزهراء العالي للشريعة والدراسات الإسلامية
(1) مطهري، مرتضى، نظام حقوق المرأة في الإسلام، الدار الإسلامية، بيروت، ترجمة حيدر الحيدر، ط1991 /2، ص‏109.
(2) آملي، جوادي، جمال المرأة وجلالها، دار الهادي، بيروت، ط1994 /1، ص‏93.
(3) الآملي، م.ن، ص‏84.
(4) أنظر: الآملي، ص‏61و 65.
(5) محمد حسين ، الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، (لا.ط)، جامعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، (لا.ت)، ج‏4، ص‏124.
(6) الطباطبائي، الميزان، ج‏9، ص‏338.
(7) أنظر: مطهري نظام حقوق المرأة، ص‏201.
(8) أنظر: الآملي، ص‏111.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع