نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سياحة الجهاد في نهج البلاغة

السيد علي عباس الموسوي‏

 



السياحة هي مفارقة الأوطان والأمصار والذهاب في الأرض والسكون في الجبال والمغارات، وكانت من العادات الجارية عند النصارى. ورد في رواية أن عثمان بن مظعون قال: قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله إن نفسي تحدثني بالسياحة وأن ألحق بالجبال، فقال: يا عثمان لا تفعل فإن سياحة أمتي الغزو والجهاد. لقد سعى التشريع الإسلامي بكل ما يحمله من أحكام هادفة تدخل إلى تفاصيل حياة الإنسان لكي يحوّل حياة الإنسان هذه في كل عمل يقوم به إلى عمل في سبيل اللَّه. فاعتبر لكل عمل يقوم به الإنسان وينوي به التقرب إلى اللَّه ثواباً في الآخرة. وبهذا تمكن الإسلام من أن يرتفع بالإنسان عن الأهداف الشخصية المحدودة إلى آفاق أوسع وأرحب وأهداف كبرى حيث تكون ثمرة عمله في الحياة الأبدية الباقية التي لا زوال لها ولا اضمحلال.

وإذا كانت طبيعة الإنسان تدعوه أحياناً إلى الفرار من المسؤولية والتخلف عن أداء الواجب، ويسعى هذا الإنسان ليلقى على عمله هذا مسوح الأهداف الإلهية فإن الإسلام يصدّه عن ذلك وينهاه. تتحول السياحة في مفهومها الإسلامي من عمل غير هادف إلى عمل يحمل هدفاً كبيراً، بل إذا كان السائح يسعى ليقترب إلى نيل الفوز العظيم فعليه بترك السياحة والالتزام بالجهاد في سبيل اللَّه ولذا يقول الإمام علي عليه السلام: "الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه اللَّه لخاصة أوليائه". تتحول السياحة في مفهومها الإسلامي من عمل يعود بالنفع على الفرد ولا يرى السائح في الأرض في هذا العمل سوى شخصه، إلى عمل يعود بالنفع على الأمة كلها، لأن السياحة متى تحولت إلى الجهاد في سبيل اللَّه كانت عملاً يهدف إلى حماية الأمة الإسلامية جمعاء وإلى إقرار عزتها ولذا يحث الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة أصحابه على الجهاد محذراً إياهم من عقوبة التخلف عنه والتي هي المذلة "اغزوهم قبل أن يغزوكم، فواللَّه ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا". تتحول السياحة في مفهومها الإسلامي من عمل لا يعود بالنفع على أحد إلى عمل يحمل الرحمة لغير المسلمين ممن يعيش ظلام الشرك والكفر فيحمل المجاهد نور الإسلام ورسالة الدين لتصل إلى مسامعهم. والجهاد في الإسلام ليس هدفاً لذاته بل هو لإعلاء كلمة الحق وإيصال النداء الإلهي للناس كافة.

* كيف وصف الإمام علي عليه السلام الجهاد في نهج البلاغة؟
يشير الإمام علي عليه السلام في كلمات قصيرة له وردت في نهج البلاغة إلى هذه الفريضة الإلهية ويبين في كلماته آثار هذه الفريضة. إذا كان الإسلام قد جعل ميزان التفاضل هو التقوى فقال تعالى: "إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم" فإن الجهاد في سبيل اللَّه هو لباس التقوى، إنه المظهر الخارجي للإنسان المتقي، فالمجاهد في سبيل اللَّه يحمل التقوى في داخله ويرتدي ثوب الجهاد، وما لم يصل الإنسان إلى مراتب التقوى فإنه لن يتمكن من أداء فريضة الجهاد. وإذا كان الإنسان يرغب في اللجوء إلى قوة تحميه، ويتمسك بقوة أقوى منه تغيثه عند الشدائد فإن عليه أن يؤدي فريضة الجهاد لأن الجهاد هو وقاية إلهية تحفظ هذا الإنسان ولذا يصفه الإمام بقوله: "ودرع اللَّه الحصينة وجنته الوثيقة". وإذا كان الإنسان يريد في سعيه الوصول إلى اللَّه، وقد ينزوي عن الناس بحجة العبادة والخلو بالنفس لتربيتها والتقرب بها إلى اللَّه عزَّ وجلَّ فإن الإمام عليه السلام يرشد هذا الإنسان إلى الطريق الصحيح لهذا السير إلى اللَّه: إنه الجهاد ولذا حث أصحابه على الجهاد قائلاً: "الجهاد الجهاد عباد اللَّه، ألا وإني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى اللَّه فليخرج" نهج البلاغة خطبة 318. ويتجاوز الإمام عليه السلام كل هذه الأوصاف لهذه الفريضة ليدخل في الحديث عن بعض الآثار المباشرة لها والتي قد تصيب الإنسان في هذه الدنيا. إن أعظم هذه الآثار يتمثل في الذل، ويعطي الإمام وصفاً دقيقاً لهذا الذل الذي يصيب الإنسان المتخلف عن أداء فريضة الجهاد حيث يشبّهه الإمام عليه السلام بالثوب إذ أنه يحيط بالإنسان ويلتصق به بنحو يكون التجرد عنه أصعب من التلبس به، إنها قمة الدناءة التي يصل إليها الإنسان. ولا يزال صوت الحسين عليه السلام مدوياً هيهات منا الذلة... الموت أولى من ركوب العار... ومن آثار التخلف عن أداء فريضة الجهاد حالة العجز التي تصيب هذا الإنسان والتي يصفها الإمام بقوله: "وضرب على قلبه بالأسداد"، إنه الضعف في الشخصية، والفشل في كل شي‏ء، وإذا كان الضرب على القلب فلا فرار لهذا الإنسان منه لأنه سوف يدخل إلى عمق هذا الإنسان وإلى باطنه ليجعله شلوةً لا يملك قدرة على القيام بما فيه صلاحه. والأسداد هو ذهاب العقل. وإذا كانت حالة العجز ستصيب هذا المتخلف عن الجهاد فإنه سوف يحتاج إلى من يقوم بإصلاح أمره ولكن من سيقوم بذلك شخص ظالم متسلط يذيق هذا الإنسان الذل ولا يعطيه حقه... "وسيم الخسف، ومنع النصف". ولكن النهاية ليست هنا إذ يبقى العقاب الإلهي، إن كل ما تقدم كان من الآثار التي لا بد منها وهي آثار تكوينية طبيعية للتخلف عن الجهاد ولكن يبقى أن يقتص الحق منه. إنه تخلف عن أداء أمرٍ إلهي وواجب كفائي فيه مصلحة الأمة فجنى على الآخرين وأذلهم وهذا لا بد وأن يعاقب عليه.

* من هم المجاهدون؟
يصف الإمام عليه السلام في نهج البلاغة المجاهدين بأوجز العبارات وأرقاها فهم:

حصون الرعية: إنهم الذين يؤدون واجب حماية الناس عبر تقديم أرواحهم في سبيل أن يبقى الناس في أمن وأمان ولذا كان تبشير الإمام لهم بالحصون. زين الولاة: إنهم الهيبة التي تعطي للحاكم الإسلامي مكانة ورفعه فيصبح أمره مطاعاً وجانبه مرعياً. وعز الدين: إنه ارتباط بصميم الهدف الذي يسعى إليه المجاهد، إنه عزة الدين. ولا يرتبط بأشخاص بعينهم بل هو يرتبط بهذا الدين الذي بذل النبي والأئمة عليهم السلام كل ما يملكونه حتى الأرواح في سبيل بقائه واستمراره.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع