نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تحقيق: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة المعطّلة


م.أ


كيف ينظر الناس في أيامنا هذه إلى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أو بالأحرى ما هو مفهومهم أصلاً للمنكرات وماذا يعرفون عنها؟ يلفتنا أن الكثيرين لا يبالون بمحيطهم، صالحاً كان أم فاسداً، على قاعدة "كل من على دينو اللَّه يعينو". ولكن من يعينني على ديني إن جرفني التيار ولم أكن محصناً بما فيه الكفاية؟ فهل يجوز أن نجلس ونتفرج من بعيد ونقول: "يا رب السترة". لقد استبق القرآن الكريم هذا "التخاذل" الاجتماعي الذي أصيب به الناس، فامتنعوا عن الأمر بالخير والنهي عن الباطل، حيث يقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر (آل عمران: 104). من هنا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخل في غيبوبة منذ مدة طويلة، وصار الناس استناداً إلى التواكل يحيلون الأمر على علماء الدين، وصار يطلق على هذه الفريضة مجازاً لا يخلو من حقيقة ودقة في التعبير، اسم "الفريضة المعطلة".

* المنكرات الشائعة
من المنكرات المنتشرة بين الناس اليوم تحت عنوان الموضة، "الثياب المبتذلة جداً والتي لا تمت إلى الحشمة والذوق بصلة"، حسب ما يقول يوسف (معلم رياضيات / 35 سنة). أما أبو فادي (50 عاماً) فإنه يتحدث عن المنكرات التي باتت "عادات وتقاليد" بالنسبة للبعض، ذلك أنه يعتبر أن هذا الجيل يستورد من الغرب أسوأ ما فيه، ويقلده تقليداً أعمى مضيفاً: "لا أدعي أننا كنا أكثر التزاماً، ولكن كنا محافظين أكثر، نستمع إلى كبار السن ونجل ونحترم آراءهم. أما اليوم، فإنك تفاجأ بالشباب وقد شعروا بالحرية التامة في كل شي‏ء". ويتناول أبو فادي موضوع الاختلاط الذي وقع الناس حتى المؤمنون منهم في فخه. ويؤيد ذلك إبراهيم (30 عاماً) قائلاً: صار الناس يبتكرون أساليب "غير تقليدية" في الأعراس والحفلات والسهرات. فمثلاً بعض الموالد في الأعراس لا تختلف عن الغناء بشي‏ء، ومع هذا يدعي أصحابها أنها شرعية لأن الكلمات تغيرت! ويضيف سمير (33عاماً) على ما قاله زميله: بتنا نلاحظ في بعض الأماكن العامة نساءً محترمات يدخنّ الأركيلة، وهذا من الأمور المحزنة جداً. ويأخذ أحمد بالأمور إلى منحىً آخر، حيث يلفت النظر إلى مسألة خطيرة كما يقول، وهي الانترنت والستالايت، وقد دخل كل منهما كل بيت تقريباً، وصار الفتيان والفتيات مأخوذين كثيراً بالتسلية والترفيه الذي يتوفر لهم من تلك الوسائل. ولكن أين المشكلة في ذلك وهي من وسائل التعلم والمعرفة والاطلاع الواسع؟ يوافق أبو حسن (أب لـ4 أولاد) بالتأكيد على ذلك، ولكنه يستدرك باتهام جهات دولية عالمية بالسعي إلى تخريب مجتمعاتنا من خلال النش‏ء الطالع فيما يعرف بثقافة العولمة! أما حسان (27عاماً) فإنه يعتبر أن المنكرات هي جملة أمراض تغزو بيوتنا وأحياءنا، لا نستفيق عليها إلا عندما تداهمنا جريمة ما تفضح هذا الخطر الكامن بين شبابنا وفتياتنا بدءاً بالمخدرات والخمور والانترنت والفضائيات غير المحدودة واللباس غير المحتشم والقيادة الجنونية للسيارة والدراجة، وصولاً إلى التدخين والأركيلة واللسان البذي‏ء. ومن تلك الأمراض، يقول سليم: الكذب، وخاصة لدى التجار، فيعد عندهم "شطارة". ثم الغيبة المنتشرة بين الناس بشكل كبير، والنميمة والقيل والقال، وهذا ما كان الرسول صلى الله عليه وآله يخافه على أمته.

* بين المبادرة والتطنيش‏
كيف يتصرف المرء تجاه هذا الواقع؟ هل عليه أن "يطنش" كما يرى البعض، أم أن عليه المبادرة لمنع أي منكر باستطاعته منعه؟ كما يفعل بلال الذي لا يجد حرجاً من إبداء النصيحة لمن يخطئ أمامه، حتى لو كان غريباً عنه. بينما يخالفه علاء في ذلك معتبراً أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتطلب ظروفاً مؤاتية، وإلا فلا يقدم المرء عليه. وعن هذه الشروط يقول علاء: أولاً يجب أن يتأكد الشخص من التأثير على من ينصحه، ثانياً: يجب أن لا يؤدي ذلك إلى الضرر به (الناصح)، والأهم من ذلك كله أن لا يوبخ أو يهين من يريد نصيحته. ويرى علي (موظف/30 عاماً) أن من الحصانة أن لا يترك المرء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه قد يصبح عما قريب ضحية لهذا المنكر الذي سكت عنه. ولكن لعباس وجهة نظر أخرى حول هذا الأمر، إذ أنه من خلال التجربة وجد أن الدعاء ربما بالقلب للمذنب أفضل بكثير من التنبيه، لأن البعض قد يصر على فعلته "نكاية". نعم يبقى أن الأصدقاء لهم على بعض حق النصيحة ولكن بالرفق واللين. لأن "من نصح أخاه علناً فقد شانه ومن نصحه سراً فقد زانه" كما ورد في الحديث الشريف. وفي نظر يوسف أن المطلوب أن يهتم كل منا بأقرب الناس إليه، وهذه هي الخطوة الأولى على طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حسام أيضاً يعتبر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون متاحاً للمرء بل ويصبح ملزماً به تجاه الأقارب كالوالدين والأخوة والأخوات والأبناء والبنات، لأنهم مسؤولون منه، وبالتالي هو مطالب بتصرفاتهم أمام الناس.

* هل نتقبل النصيحة؟
من خلال محيطه يستنتج سامر (25 عاماً) أن كبار السن عادة لا يقبلون النصيحة من الصغار، ولذا يصرون على أخطائهم كنوع من "عزة النفس"، وهنا تكمن الخطورة. إذ يرى سامر أن الإنسان يجب أن يتحلى بشي‏ء من التواضع للاعتراف بخطئه والرجوع عنه، مهما كانت هوية الشخص الذي يردعه وينهاه عن المنكر، أو حتى يأمره بمعروف. وفي نفس الوقت يجب أن لا يتمادى الإنسان المؤمن الذي حمل على عاتقه هذه المهمة، فيؤذي الآخرين من حيث لا يدري. ونسأل عصام إن كان يتقبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيجيب أنه على استعداد دائم لتقبل النصيحة من أي أخ مؤمن، مستشهداً بالحديث الشريف "رحم اللَّه من أهدى إلي عيوبي". فـ"المؤمن مرآة أخيه المؤمن"، وبناءاً عليه فإننا ملزمون بأن نصغي لنداء من يردعنا عن المنكر، وأن نلبي دعوة الداعي إلى الخير. أما حنان، فإنها تتحفظ نوعاً ما على من سيأمرها بالمعروف وهل هو حقاً من أهل الخير والمعروف أم أنه كما قال تعالى ممن "يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم". أما دلال، فإنها تقول: صحيح أن فاقد الشي‏ء لا يعطيه، ولكن هذا لا يمنع من أن يأمر الناس بالبر وينهون عن الشر. طالما أننا غير معصومين. وهذه النقطة في نظر وائل هي محفز رئيسي للمؤمنين بالخصوص، لكي يظلوا دائماً حذرين من الإقدام على أي فعل مسي‏ء لهم ولشخصيتهم المحترمة أمام الناس. فيصبح ذلك وازعاً من أنفسهم يكفهم عن المنكرات.

* الوسيلة الفضلى لأداء "الفريضة"
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "كونوا لنا دعاة صامتين". تفسر سلام (20 عاماً) هذا القول على أنه دعوة من الإمام عليه السلام لكي يكون المؤمن قدوة في الفعل قبل القول، وهذا أبلغ أثرًا من كل المواعظ. لأن الالتزام بتعاليم أهل البيت عليهم السلام تقتضي أن يبادر المرء إلى عمل الخير واجتناب الشر، وقد لا يحتاج أصلاً لأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، لأنه قد أوصل الرسالة بأفضل الطرق، فالإمام علي عليه السلام يقول: "إحصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك". ويحدد فادي شرطين أساسيين لنجاح هذه العملية، أولاً أن يبدأ المرء بنفسه، ويحرص على أن يتنزه عن كل ما يسي‏ء للنفس الإنسانية، حيث روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتأديب نفسه قبل تأديب غيره". الأمر الثاني والذي يحدد مسار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الأسلوب الذي يتبعه المؤمن في أدائه لهذه الفريضة، لأنه إن كان قاسياً ومنفراً، فهناك احتمال كبير أن يصر الشخص المستهدف على غيه.

* من أين نبدأ ؟
لأيمن رأي في هذا الموضوع، إذ أنه يقسم المهمة حسب درجة العلاقة بالشخص "المستهدف"، ابتداءً بالأبناء، فإن الأهل يجب أن يكونوا حازمين في تربيتهم، وإلا فإن الأمور ستفلت من أيديهم. ولكن هل هذا معناه أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعصا!؟. يقول أيمن أن هذا وارد، في مراحل متأخرة، لأن هناك أنواعاً من الانحراف لا علاج لها إلا بالقسوة. ومن أبرز أسباب الانحراف المبكر كما يسميه عماد هو الإهمال المنزلي، ويضيف: المسؤول الوحيد عن التربية الصالحة للأسرة، هم الوالدان، الأم والأب مجتمعين، من خلال اطلاعهما على كل أحوال الأولاد، وخاصة الشباب منهم. وهل يستطيع الأهل أن يمارسوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أولادهم؟ في رأي أم صالح أن هذا من أهم موارد تطبيق تلك الفريضة، لأنه "إذا تفرَّغ كل منا لأهل بيته يحرص على تأديبهم وتنشئتهم تنشئة سليمة، فإن كثيراً من مشاكلنا ستحل".

* المسؤولية الشرعية
يعتبر سماحة الشيخ محمد خاتون وهو من العاملين في مجال التبليغ والإرشاد أن "النظرة إلى فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأيام ينطبق عليها قول الإمام الباقر عليه السلام: "ويكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون فيتقرؤون ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا آمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير". ولكن لا شك أن هذا الأمر وصلت إليه الأمة بالتدريج وليس دفعة واحدة. فالتخاذل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوصل الأمة إلى ما هي عليه من سكوت عن الحق وغض عن الباطل. ويضيف الشيخ خاتون: وإذا ما وصلت إلى هذا الحد فإن هناك عقاباً إلهياً سوف يصيب الجميع، كما نفهم من قول أمير المؤمنين عليه السلام: "لتأمرن بالمعروف ولتنهُن عن المنكر أو ليسلطن اللَّه عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم". ويرى الشيخ خاتون أن "مرد هذا التخاذل هو إيهام المرء نفسه بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس واجباً عينياً، وبالتالي فإنه لا يجب عليه المبادرة لهذا العمل، وهذا وهم وخيال". وعن هذا الموضوع يؤكد سماحته: "إن هذه الفريضة الإلهية ليست واجباً عينياً، وإنما هي واجب كفائي في الأحوال الاعتيادية. ولكن إذا كانت المنكرات أكثر من أن تحصى كما هو في زماننا فإن الأمر يتغير. ثم لو كانت واجباً كفائياً، فإن على المرء في الواجب الكفائي أن ينظر هل قام غيره به ليسقط عنه أم لا، فإن لم يقم به أحد أثم الجميع". ولكن على عاتق من تقع مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ يجيب الشيخ خاتون: "لا يجوز هنا تحميل المسؤولية إلى جهة بعينها، بل إن هذه الفريضة هي مسؤولية الجميع. نعم، هناك بعض الناس قد تكون كلمتهم ذات أثر أكثر من الآخرين، كالعلماء مثلاً، لهذا يكون الأمر بالنسبة إليهم أشد وآكد. ولكنه لا يعفي الآخرين من المسؤولية الشرعية". وفي هذا الزمان الذي يتميز بسهولة وسرعة التقاط المعلومة بالصوت والصورة، فإن المسؤولية لا تعفي أحداً: "فإذا نظرنا إلى تطور الحياة التقنية وتعدد وسائل الاتصال والنقل الصوري لكل ما يحدث في العالم، وسهولة إيصال البرامج والأفلام و"النقل الحي" إلى داخل البيوت، فإننا ندرك أن حصوننا مهددة من الداخل". ويوجه الشيخ خاتون نصيحة إلى كل الآباء والأمهات ليسألوا أنفسهم دائماً: "ماذا يفعل أولادنا في محلات الكمبيوتر ومقاهي الانترنت؟! ماذا يفعل أولادنا في الشارع؟! ماذا يفعل أولادنا في البيوت، وجهاز التحكم بين أيديهم، يتيح لهم مشاهدة عشرات إن لم يكن مئات المحطات، والبث مفتوح على جميع الاحتمالات؟! كل هذه الأسئلة من مسؤولية الأهل الإجابة عليها والتنبه لها". ويرى الشيخ خاتون أن الأخطر من ذلك أن يرانا أولادنا نشاهد ما نمنعهم من مشاهدته، ونحن قدوتهم "الحسنة" بطبيعة الحال، وهنا تكمن مشكلة كبرى."على أي حال يجب أن ينطلق الإنسان في التكليف من هذه اللحظة، بمعنى أن لا ينتظر أحداً ليقوم بوظيفته، ولا ينتظر المستقبل لتتحسن الظروف. لأن الظروف في كثير من الحالات هي صنيعة البشر. ثم إن الظرف الذي أنتظره للقيام بأي عملية تغيير قد لا يحصل لي. إذ قد يدركني الموت وأنا على هذه الحال، فما هو مصيري"؟!

* الحصن الحصين
يتكافل الناس فيما بينهم اجتماعياً لجهة دفع الحقوق الشرعية، فيكون للفقير نصيب مما رزق اللَّه تعالى الغني. وكذلك فإن الناس مكلفون بالتواصي بالحق، وبالتنافس على فعل الخير و بالتناهي عن فعل المنكر. وكذلك فإن من يستقيل من مجتمعه، لن يبقى بمعزل عن الفساد الذي ينتشر فيه. وأيضاً، من يشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، يوجّه الآخرين بشكل غير مباشر إلى الإصلاح، وإن احتاج إلى وقت طويل ليحصد النتائج.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع