نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء الجنة: الشهيد حسن أحمد مشورب

نسرين إدريس‏

 



الشهيد حسن أحمد مشورب "يعيش درويش"
اسم الأم: زينب الشامي.
الوضع الاجتماعي: متأهل وله ابنة.
محل وتاريخ الولادة: النبطية 1966- 3 - 6.
محل وتاريخ الاستشهاد: جرجوع 1990- 7-24.

عندما كان يطل حسن مشورب بسحنته الجنوبية، تطل معه قرى الجنوب بسكينتها ووداعتها. تشعرُ بعبق التراب يفوح من تقاسيم كفَّيه العامليّتين. ما أحلى طعم مر أوراق التبغ الساكن في مسامهما، ما أحلى حديثه بلغة قروية تجذبك لسماع تلك الرنة التي تحملك بحنين إلى الدساكر التي قبعت آنذاك خلف شريط شائك زرع في القلب قبل الأرض، وكانت عيون المجاهدين ترمقها من بعيد، ورصاصهم يجدد العهد في كل صبح إنه بات قريب. كانت طيبته دفاقة كينابيع الجبال الشامخة، تهبط لتسقي الأودية، وهو بروحه المرحة على محاور المقاومة زيّن الكثير من اللحظات التي سكنها الموت.

لم تكن الأيام منصفة مع حسن، فقد واكبته بذكريات مريرة سكنت فؤاده. وخرج باكراً إلى دوامة العمل في قريته زفتا حيث رافق والده إلى ورش العمل لتتحول بنيته الطفولية إلى شابٍ رمق الغد بالكثير من التحدي. ذلك التحدي أولد في نفس حسن العزيمة والصبر، خصوصاً بعد أن تحولت حياته إلى قضية سامية مع انطلاقة المقاومة الإسلامية في العام 1982، ليكون من أوائل الملتحقين بصفوفها، فخضع للعديد من الدورات العسكرية التي أمكنته من المشاركة في مهام جهادية عديدة. صارت المحاور سكنه الدائم، وجبل صافي بثلوجه وبرده القارص الحصن الدافئ‏ والملاذ الوحيد وككل المجاهدين البواسل الذين أعاروا اللَّه جماجمهم، أبدى حسن شجاعة وتفانياً في سبيل تحرير الأرض من رجس الصهاينة. وعلى الرغم من مرضه الشبه دائم فإنه بقي في مركز عمله، يصبر على آلامه بصمت واحتساب.

وفي أحد الأيام طلبت قيادة المقاومة من الأخوة مغادرة المركز على وجه السرعة لإمكانية تعرضه للقصف المباشر، وكانت الطريق الوحيدة المؤدية إلى المنطقة الآمنة مزروعة بالألغام، فما كان من حسن إلا أن سار أمام المجموعة ليؤمن لهم عبوراً سالماً. ربما كان حسن كثير المزاح وسريع البديهة في تحويل أكثر المواقف حرجاً إلى مواقف ساخرة، لكن عينيه فضحتا ما عمد إخفاؤه، وغلب رنين الحزن على أفق ضحكته التي كان يداوي بها عذاب روحه، فعند ركونه إلى صديق مقرب سرعان ما تتحول نبرة صوته إلى كيثارة من الأسى يعزف عليها ما لم ينساه من مرارة الأيام. في هذه الشخصية المتعددة الخصائص، ولدت موهبة التمثيل، وصقلها بالتحاقه مع مجموعة من الأخوة في دورة فنية خاصة صار بعدها أكثر حرفة في التقليد وأداء الشخصيات. ومن البندقية الحديدية المذخرة برصاص حقيقي، إلى البندقية الخشبية التي حملها "درويش" في مسرحية "الجدار" ومع اختلاف الزمان والمكان، كان التصويب إلى عدو واحد "إسرائيل"، وكرر موقفه بصوت جهوري وهو يصرخ بوجه الضابط الإسرائيلي على المسرح النابع من موقف شيخ شهداء المقاومة الإسلامية راغب حرب: السلام اعتراف والموقف سلاح...

شارك حسن مشورب في العديد من المسرحيات التي أقامتها لجنة المسرح الإسلامي أواخر الثمانينات، منها: "موكب السبايا"، "مردُّ الرؤوس"، ثم انتقل للعمل في إذاعة النور في برنامج "يعيش درويش" مؤدياً تلك الشخصية التي رافقت الناس في أفراحها وأتراحها، وقال بالنيابة عنهم الكثير من المواقف التي وإن قيلت فقد أدير لها الأذن الصماء. أضحك الناس حيث ألهبت الدموع حياتهم، وخفف أحزانهم بصوته العذب الآتي عبر الأثير إلى قلوبهم. أسكن في ذاكرتهم صدى جميل لأيام مزجت بالدماء، كما تركت طيبته آثارها المجبولة بذلك التراب المقدس الغافي على المحاور في وجدان كل من سمعه وعرفه. اختصر حسن حياته بين الجهاد والتمثيل، ولم تشرق الفرحة الحقيقية في عينيه إلا عندما حمل للمرة الأولى بين ذراعيه ابنته "زينب" فأغدق عليها الحنان الذي حُرم منه، وعاش معها لأشهر قليلة الطفولة التي حملها بداخله ضحكات صامتة. كانت قرية جرجوع في العام 1990، محاصرة بحرب ضروس، وفوق جبالها يقبع العدو الصهيوني مترصداً كل حركة. وعلى الرغم من معرفة حسن لخطورة الوضع هناك، فقد حمل عائلته معه وتوجه لمشاركة إخوانه المجاهدين في مواجهة العدو الذي أطبق بقبضته الحديدية على المجاهدين الخُلّص. لم يكن مطلوباً منه التواجد هناك، ولكنه أصر على الإخوة في قيادة المقاومة على الذهاب مخبراً إياهم أنه يشعر أن الإمام الحسين عليه السلام ينتظره في جرجوع، وراح يوصيهم كواثق من الشهادة. قبل الانضمام إلى المجاهدين في المحور، مشى حسن بتؤدة صوب قبر أمه، وجلس هناك يناجيها، كان شوقه لرؤية وجهها يُلهب بداخله الحزن، ويده التي تسمح برفق بلاطها البارد تعدها بلقاء قريب. سمع أحد رفاقه يناديه من بعيد ملوِّحاً له بيده: "يعيش درويش".. فوقف حسن وارتسمت ابتسامة حقيقية على شفتيه ورد عليه: "لا، فاليوم يموت درويش".. وكمن يقطف وردةً صباحية ندية ليملأ رئتيه بأريجها، تنشَّق جسد حسن رصاصاً أسكت أنين قلبه الطويل، وأناله الأمنية التي قطنت روحه منذ التحاقه بصفوف المقاومة.

عاش درويش في صباحاتنا الحزينة بسمة رقيقة للحقيقة. واليوم يعيش درويش بداخلنا عهداً طويلاً بأن يبقى الموقف سلاح حتى تحرير آخر شبر من أرضنا العربية، وحتى يتم هدم الجدار الفاصل الذي شق وريد فلسطين، كما انكسر الشريط الشائك في الجنوب. من وصيته: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) إلى الأخوة المجاهدين في حزب اللَّه والمقاومة الإسلامية، أوصيكم بتقوى اللَّه والبقاء على العهد ومتابعة الطريق والمضي على طريق الجهاد.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع