نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تحقيق: هل العمل عبادة؟

إعداد: منهال الأمين‏



العمل في حياة الناس ضرورة وتُمتدح الشعوب بالنشاط والإنتاج وليس بكثرة العدد أو مساحة الأرض. لأن قيمة المرء كما ورد في ما يتقنه. ولا يمكن لنا أن نتصور إنساناً لا يعمل شاء ذلك أم أبى إلا ونرى أن خياراته قد اتخذت منحىً سلبياً في حياته، بعكس الإنسان العامل الكادح في سبيل عياله لرفع الحيف والعوز، من هنا فإن العمل اندرج تحت عنوان "العبادة". وإن جاز التعبير فإنه مصداق "للعبادة العملية"، لأن كل جوارح الإنسان قد تشارك في هذه "العبادة". هذا يعني أن قدرة الإنسان وطاقته لا تهدر، بل تستثمر فيما يعود عليه بالنفع مادياً ومعنوياً. ثم من جهة أخرى فهو من خلال العمل يستنزل الرزق من عند اللَّه تعالى. ومن ثم بتسلسل منطقي سيبادر إلى شكره وحمده على هذه النعمة. لذا نرى أن هناك ترابطاً بين العمل والعبادة، فإذا كان هناك عمل وكد ونشاط وجهاد في سبيل لقمة العيش، فإنه أيضاً سيكون في المقابل هناك عبادة حقيقية، يعتبر العمل أولى لبناتها الأساسية.

* العمل عبادة
للعمل وظيفة رئيسية تبرز نتائجها في الشعور الداخلي للإنسان العامل، فالعمل كما يراه "باسم" (30 عاماً - مهندس) يعطي لصاحبه الثقة بنفسه. ويعطيه طمأنينة داخلية تجاه المستقبل، ويجعل علاقته باللَّه عزَّ وجلَّ أكثر تماسكاً وتفاؤلاً. "صلاح" (25 عاماً - موظف بنك) يعد العمل نوعاً من أنواع العبادة فهو بالدرجة الأولى يؤمن مستقبل الإنسان وينمي فكره وعقله وكل حواسه. لأن الشخص القاعد الخامل دون عمل، تُطرح علامة استفهام كبيرة حول فكره وعقله، كما أن المستقبل يكون مبهماً أمامه وغير واضح المعالم. وعن علاقته بالعبادة يقول صلاح أن العمل بتأمينه مصدر عيش الإنسان ورزقه يجعله مستغنياً عن الناس. وإذا استغنى عن العمل فإنه سيضطر لمد اليد لهذا وذاك. وفي مرحلة متقدمة قد يسلك طرقاً غير شرعية لتحصيل المال، لذا فالعمل هو حصانة للمرء كي يظل سلوكه سوياً يقربه من اللَّه تعالى أكثر فأكثر.

اشتهر حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيه: "من اعتدل يوماه فهو مغبون" يجتذب هذا الحديث ليلى (27 عاماً - معلمة) لأنها تستمد منه الشعور بتحقيق المستحيل. فالعمل يشرع الآفاق أمام الإنسان، وأقل ما يُقال أنه يضع الإنسان على سكة تحقيق الطموح الذي لا نستطيع العيش بدونه. وببساطة ترى ليلى أن شعور المرء بأنه يأكل من "عرق جبينه ولوي يده" كما يُقال يبعث الشعور بالرضى في نفسه بأنه يرضي اللَّه عزَّ وجلَّ ويتنعم بنعمته التي اشترط فيها عزَّ وجلَّ إيجاد السبب وهو العمل والسعي. وانطلاقاً من هذه الفكرة فإن أبا عصام (50 عاماً - مزارع) يمثل ذلك بواقع معاش يصوره فيقول: "بحكم عملي في الزراعة، أشعر بعظمة اللَّه تعالى وحكمته وتدبيره وكيف يتوكل بشؤون عباده بكل تفاصيلها الصغيرة. فأنا أحرث الأرض وأبذرها وأنتظر رحمة اللَّه تعالى لكي تنزل علينا مطراً من السماء يحيي به الأرض من بعد موتها، وهذا يمثل قيمة الشعور بعظمة اللَّه عزَّ وجلَّ بالنسبة لي". هكذا يعبد اللَّه تعالى هذا الرجل الكادح. ويروي علاء (30 عاماً - مهندس كمبيوتر) أنه شاهد على الانترنت رسماً بيانياً يصور حياة الإنسان كمنزل مقسم إلى غرف عدة. تحتل غرفة العمل (المكتب) وغرفة العبادة المساحة الأكبر .... بينما لم تأخذ غرفة الاستقبال والطعام والتسلية إلا حيِّزاً بسيطاً. وهذه دلالة رمزية تهدف إلى الإشارة أن العمل مع العبادة هما أولوية في الحياة على حساب كل الأشياء الأخرى.

يبقى أن الإنسان المؤمن يظل لديه هاجس يرافقه طيلة حياته يتلخص في سعيه للتوفيق في العمل لبناء أسرة مؤمنة وتأمين تربية صالحة ومعيشة كريمة لعائلته، وبين أن يؤدي قسطه للعُلى مع ربه في العبادة والتفكر .... ولكن عزاء الإنسان أن عمله وسعيه واجتهاده في سبيل لقمة العيش هو بحد ذاته عبادة وجهاد واستنزال لرحمة اللَّه عزَّ وجلَّ. العمل هو رسالة سامية إذا توخَّى فيه صاحبه الرغبة في الدقة والنجاح والاتقان كما يقول صلى الله عليه وآله: "إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن" وحسب مؤهلات الشخص تختلف درجة طموحه. ولكن على الإنسان أن لا يتعيَّب من عمله إن كان حلالاً وشرعياً. وفي حال عدم وجود عمل يتناسب مع مؤهلاتنا فلنحذر أن يكون البديل هو البطالة. فالحل الأنسب أن نعمل حتى نصل إلى ما نطمح إليه.

* متى يكون عبادة؟
حسين ز (28 عاماً طالب حقوق) يعتبر أن العمل هو أفضل العبادة، حيث قيل أن الرسول صلى الله عليه وآله شاهد رجلاً في المسجد منكباً على الصلاة والدعاء والتهجد، فسأل من يعيله؟ قيل أخوه. فقال صلى الله عليه وآله: أخوه أعبد منه. فالعمل هو: "عبادة بحد ذاته، إذا كان فيما أحل اللَّه تعالى إذا ما مارسه الإنسان بإخلاص وتفانٍ. وراعى فيه الضوابط الشرعية، فلم يغش ولم يكذب ولم يضيع الوقت ولم يقم بما يؤثر سلبياً على استقامته". وعن علاقة ذلك بالعبادة يقول حسين: "الكسب الحلال" يزيد الإنسان قرباً من اللَّه تعالى". عباس (40 عاماً نجار) يرى أن العبادة في العمل تكون عندما يمارس الإنسان مهنته مهما كانت بأخلاقية مميزة، وهو بذلك سيبرز بين زملائه، وبالتالي يتحول إلى قدوة وعلامة فارقة، خاصة في ظل المعايير الخاطئة التي يسير بها أرباب المهن في أيامنا هذه.

* لماذا العمل؟
تشدد هدى (20 عاماً - طالبة) على أن العمل ضروري مهما كانت طبيعته وقيمته والمهم فيه أن يكون المرء جاداً، مثابراً. وترفض هدى الزواج بشخص لا يعمل حتى لو كان غنياً "فما يهمني في الشاب هو أن يتقن عملاً ما لأن هذه هي الضمانة". وهذا أيضاً رأي فاطمة التي تختار في شريك حياتها أن يكون صاحب مهنة، أما الباقي فتفاصيل. إذاً للعمل دور رئيسي في تأمين الاستقرار والزواج للشاب المؤمن، لأن الأهل يسألون طالب الزواج قبل كل شي‏ء ماذا تعمل؟ وينظر هلال (25 عاماً - عامل في مطعم) إلى هواجس الفتيات مؤيداً "مطالبهن". "لأنك بالعمل تأمل تحسن وضعك المادي والاجتماعي والثقافي، وتأمين متطلبات الحياة الزوجية؛ ليتقدم بطلب يد أخت مؤمنة تشاركه الحياة بحلوها ومرها. وبذلك يحصِّل نصف دينه وهو أحب عبادة عند اللَّه عزَّ وجلَّ. ويعلق محمود (28 عاماً - موظف) على ذلك بالقول: العمل هو تعب وسعي وجهد "لقد خلقنا الإنسان في كبد". وهو بالدرجة الأولى يحصِّن الإنسان في وجه المغريات الدنيوية، ويترفع به عن الصغائر، ويشعر من خلال التعب والجهد بقيمة الأشياء التي يشتريها والثياب التي يلبسها والطعام الذي يأكله. كل ذلك يصبح له طعم آخر. وهذا يبعث في نفس موسى (35 عاماً - عامل) الثقة، حيث يحصل على نتيجة مادية ومعنوية ترضي طموحه من خلال عمله الذي يخلص له كثيراً، وهو يشعر بتسديد اللَّه تعالى له. ويزداد شكره له. وبنظر موسى أن العمل يجب أن يحتل الجزء الأكبر من حياة الإنسان، لأن ذلك يعني أن عمر الإنسان بمعظمه، ينقضي في إنتاج واستثمار طاقاته ومواهبه التي أودعها اللَّه عزَّ وجلَّ فيه.

* العمل للفقراء والأغنياء
أبو صالح (50 عاماً - سائق) له رأي "غريب نوعاً ما"، إذ يمنّي نفسه بالوقت الذي يتحسن وضعه المادي، كي يتفرغ للصلاة والعبادة وكل ما يرضي اللَّه تعالى؛ لأن معظم أعمال الناس قائمة على قواعد غير مستقيمة، فالحل: "بالتقاعد ومن ثم تخصيص الوقت الكافي للتعبد والتفكر وارتياد المسجد".

-وهل من يملك المال لا يعمل؟
ليس الهدف من العمل فقط جمع المال، إنما التنمية والتطوير والازدهار. فصاحب المال برأي رامز (20 عاماً طالب) قادر على أن يوظف أمواله في مشاريع صناعية وتجارية وزراعية تؤمن العمل لكثير من العمال فيساهم في انعاش الوضع الاجتماعي في محيطه. فبذلك يتقرب إلى اللَّه تعالى ويزكو ماله. ولكن حتى الغني العاطل عن العمل لا يقل فتوراً، عن نظيره الفقير، لأنه سيكون أيضاً ضحية للفراغ والخمول والكسل، وسيحتار كيف يصرف أمواله ويبذرها، فيختار الطرق الملتوية "للترفيه والتسلية"! العمل هو الوسيلة التي يبحث بها المرء عن مستقبله ويحقق وجوده وكيانه؛ فيشعر بقيمته وانتمائه للمجتمع، وبأنه عنصر منتج فيه.

* عندما يعكر صفو العبادة؟
يواجه حسام (24 عاماً - موظف) هذه المشكلة فعمله كما يقول يحرمه من الصلاة في وقتها، أو أدائها جماعة في المسجد، وكذلك حضور الدروس الدينية والنشاطات الثقافية المتنوعة. لدرجة أنه غير قادر على أداء فريضة الحج بسبب ظروف العمل. أما حاتم فشعاره الأول "لا تقل للصلاة لدي عمل؛ بل، قل للعمل لدي صلاة"، فهو يحمِّل الإنسان مسؤولية التقصير في حق الصلاة والعبادة وليس للعمل نفسه. فإن الإنسان والكلام لحاتم يستطيع أن يصلي أينما وجد وكيفما كان. المهم أن لا يهمل صلاته أو يؤجلها، لأن في ذلك ضياعها. وفي رأي حاتم أن العمل هو وسيلة لاستنزال الرزق من عند اللَّه تعالى فإذا كان سبباً في منع الإنسان عن تأدية الفرائض فذلك محل إشكال بلا ريب. ولكن كيف ومتى يعبد الإنسان ربه حق عبادته؟

* ماذا عن البطالة؟
إذا كان العمل عبادة فماذا عن البطالة وكيف تتأثر العبادة بها؟

يوضح محمد أنه من الممكن أن يكون الفراغ فرصة لكي يخلو المرء بربه، فيتعبد ويتفكر ولكن، حتى هذا له حدود إذا تعداها المرء فسيقع ضحية "الفراغ" القاتل الذي يؤدي به إلى التهلكة. فتصبح عبادته خالية من أي جوهر، ويصبح هو عالة على المجتمع وعنصراً غير فعال فيه. توافق سلام (25 عاماً - خريجة علوم اجتماعية) على هذا الرأي ولكنها تميز بين عاطل عن العمل وبين من لا يجد فرصة عمل، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تمر فيها البلاد. مؤكدة أن: "حتى هؤلاء "المعذورين" في بطالتهم، قد يكونون عرضة لكثير من آفاتها ومصائبها. لأنهم سيلجأون إلى أساليب ووسائل "تنسيهم وتسليهم". وهي في الغالب وسائل مضرة ومؤذية، وفي أحسن الأحوال غير منتجة، كالتدخين والأرغيلة (نارجيلة) والسهر الطويل والعبث والفوضى في كل شي‏ء، دون أن نغفل الأخطر من ذلك كالمخدرات والكحول وغيرها من آفات". ويذهب أبو إبراهيم (50 عاماً - حلاق) أبعد من ذلك فيقول: "البطالة المقصودة، تدلل على خلل في عقيدة الإنسان مشيراً إلى أن تكليف العبد هو السعي والاجتهاد، والتوفيق على اللَّه تعالى، أما التواكل فإنه يناقض روح المؤمن العابد المتكل على اللَّه عزَّ وجلَّ في طلب الرزق". ويضيف أبو إبراهيم: "المهاجر في سبيل عياله ولقمة العيش إذا أدركه الموت في غربته فهو كالشهيد لأنه مجاهد حقيقي. وهذا مصداق للعمل العبادي. أما العاطل عن العمل فهو عب‏ء على المجتمع. وخاصة إذا كان رب أسرة فإنه إن تخاذل عن العمل حتى لو كان عابداً فإنه سيقصر في تربية أبنائه وتأمين احتياجاتهم، وهذا يقود إلى تفكك الأسرة ونشأة الأبناء نشأة غير سليمة".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع