نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تلك حدود الله

الشيخ حسن أحمد الهادي

إنّ رفع مستوى الأسرة أخلاقياً من الأسس الأولى التي اهتمّ بها الإسلام، لأنّ مستقبل النوع الإنساني في تقدّمه وسعادته متوقّف على حماية الأسرة وصيانتها من التلوّث والانحراف. وقد حرصت التشريعات الإسلامية على التماسك الأسري ولا سيما بين الزوجين، وذلك لأنّ تفكّك الأسرة بالطلاق وغيره من الأسباب يؤدّي إلى انعدام الروابط بين أبناء المجتمع، وانهيار الأسس الأخلاقية، وتدمير الحبّ والحنان الذي كان يكمن بين أعضاء الأسرة.

*أثر الطلاق على المرأة
ويعتبر الطلاق ظاهرة خطيرة تهدّد أمن المجتمع وسعادته لما له من آثار سيئة على الأفراد والمجتمع. ولذا نرى اهتماماً بمعالجة هذه المشكلة على كافّة المستويات. فكثرة الطلاق هي بداية الانحراف والسقوط في الهاوية المخيفة، حيث الفساد الأخلاقي والأمراض النفسيّة والضياع الشامل للأسرة. وإذا كان الجميع خاسرين في الطلاق، فإنّ المرأة تعتبر الخاسر الأكبر لأنّها العنصر الأضعف، فهي تحتاج إلى من يمنحها الشعور بالأمن والسلام، فضلاً عن الآثار النفسية التي تبتلى بها لأنها صاحبة العاطفة، والإحساس المرهف. ولذا، فإنّ على المرأة أن تكون أكثر وعياً لهذه المسألة، وأكثر صبراً وسعياً لاستمرار الحياة الزوجية التي عليها يتوقّف أمن أطفالها وضمان تربيتهم تربية صالحة.

*الحكمة في تشريع الطلاق
كره الإسلام الطلاق وتضافرت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أئمّة الهدى عليهم السلام في مبغوضيّته وذمّه، فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة، يعني الطلاق"1. وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من الطلاق.."2. وعنه عليه السلام: "تزوّجوا، ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش.."3. وبهذا المضمون وردت أخبار كثيرة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام تحذّر منه.
فالواضح من هذه الروايات وغيرها أنّ الأصل في الإسلام هو ديمومة العلاقة الزوجية واستمرارها. ولكنّ هذا لا يعني أن لا يضع الإسلام الحل المناسب عندما تتفاقم المشاكل بين الزوجين وتخرج عن الحدود والضوابط الشرعية والأخلاقية وتمس الكرامات وتهدر الحقوق ولا يبقى ما يمكن أن يصلح الأمر به.
ولهذا، فتشريع الطلاق في الإسلام لا يُلجأ إليه إلّا بعد أن تُستنفد كل وسيلة من وسائل الإصلاح، ويصبح الوئام بين الزوجين أمراً ميؤوساً منه، ويكيد كلّ منهما للآخر، فآثر الإسلام أخفّ الضررين. ولم يهمل، في نفس الوقت، شأن الأولاد بعد انحلال الرابطة الزوجية فأثبت أنّ للأم حقّ الحضانة على أولادها الصغار حتى يكبروا، وأوجب على الأب القيام بنفقاتهم، وأجور حضانتهم للأم.

*كيف نتخطّى مشاكل ما بعد الطلاق؟
إنّ ما ينتج عن الطلاق من آثار سيئة يطال -إضافة إلى طرفي العلاقة– أطرافاً عدّة تبدأ بالأولاد ولا تنتهي بالأقارب والأرحام والأصدقاء. ورأس تلك المشاكل والآثار السيئة السلوك العدائي الذي يبديه أحد الطرفين تجاه الآخر أو من قِبلهما معاً، والذي يتعدّى أحياناً الأخلاق، والآداب، والقِيم وقد يصل إلى ما حرّمه الله تعالى من هتك للحرمات والأعراض وغيبة ونميمة وبهتان... وكأنّ الانفصال بين الزوجين قد حوّلهما إلى عدوَّين متناحِرَين.

*احذر حدود الله
وأمام هكذا مشكلة اجتماعية خطيرة يجب أن يلتفت الطليقان إلى عدة أمور أهمها:
1 - أن الانفصال بالطلاق لا يبيح لأحدكما تخطّي حدود الشرع والأخلاق، إنْ في القول أو الفعل، وإنّ ما قد يصدر عنكما يدخل في إطار المحرّم الشرعي الذي يُعاقَب عليه صاحبه يوم القيامة، وهذا ما يجب أن يضعكما أمام خسارة الآخِرة بعد تحطّم وانهيار حياتكما الزوجية بالطلاق.

2 - الالتفات الجدّي إلى أنّ الطلاق تسريح بإحسان كما عبّر القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ... (البقرة: 229)، وأنّ المراد من التسريح بإحسان أن يؤدّي الرجل للمرأة حقوقها بعد الانفصال النهائي، ولا يسعى إلى ما يضرّها بعمل أو قول يعيبها في غيابها ويسقط شخصيّتها وسمعتها أمام الناس. وكما أنّ الصّلح والرّجوع إلى الزّوجة يجب أن يكون بالمعروف والإحسان والمودّة، كذلك الانفصال النهائي يجب أن يكون مشفوعاً بالإحسان أيضاً 4، ولهذا تضيف الآية الشريفة ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا (البقرة: 229).
وممّا يستجلب النظر في مورد الرّجوع والصّلح هو التعبير بـ(المعروف). ولكن في مورد الفرقة والانفصال ورد التعبير (بإحسان) الّذي يفهم منه ما هو أعلى وأسمى من المعروف، وذلك من أجل جبران ما يتخلّف من المرارة والكآبة لدى المرأة بسبب الانفصال والطّلاق 5.

3 - أنّ الطلاق يعني أنّ الزوجين قد اتخذا قراراً بعدم الاستمرار معاً في حياة واحدة، وهذا يعني أنّ كلاً منهما سينطلق نحو تأسيس حياة جديدة خاصة به بغض النظر عن شكل الانفصال وهل كان بعد خلاف واختلاف أم أنّه نتيجة عدم التوافق بينهما. فلماذا لا تنتهي هذه العلاقة بالحسنى؟ وهل يجوز نتيجة هذا الحل الشرعي (الطلاق) الذي اختاراه أو اختاره أحدهما أن تُفضح كل الخصوصيات والأسرار الزوجية؟ وحتى لو كانت الزوجة مظلومة فإنّ تعبيرها عن مظلوميّتها خارج الحدود الشرعية سيوقعها هي الأخرى في الظلم والمخالفة الشرعية.

*مسؤوليتكم أكبر
صحيح أنّ الطلاق يؤدّي إلى ابتعاد الزوجين عن بعضهما بعضاً وانفكاك الواجبات الزوجية بينهما، إلا أنّ هذا يضعهما أمام مسؤولية أخطر وهي وجوب حفظ الأسرة من الانهيار وتعرّض الأطفال إلى التسيّب والحرمان من عطف الأبوين، وإلى تمزيق حياة الطفل بين الأبوين ما يدفع الكثير من الأطفال إلى الجنوح والشذوذ، بل والجريمة أحياناً. وهذا ما أكّدته الدراسات وهو أن الأطفال الذين ينشأون في أسرة مضطربة قلقة يسودها النزاع لا بد وأن يصابوا باضطرابات نفسية، فلا تخلو عيونهم البريئة من إحساس بالرعب أو شعور بالحرمان.
ولذا، فإن أكثرهم عرضة إلى اقتراف الموبقات أو التسبّب بجرائم بعد تسيّبهم في الشوارع أو نقلهم إلى حضانة العوائل المتعدّدة والأحضان المصطنعة غالباً، ولا يشكّلون بذلك وبالاً على أنفسهم، وإنّما على المجتمع بأسره.

*أيها الأبوان العزيزان..
فأيّها الأب المحترم،
لا تفقد صبرك وتحمّلك فتقدم على الطلاق. ولا تظنّ أنّ مشاكلك قد انتهت أو أنّك وجدت الحلّ الجذري والنهائي لكل متاعبك. فهل فكّرت في المستقبل؟ وهل هذه الدنيا تستأهل التضحية بأطفالك الذين تتركهم يتلقون تلك الصدمة حيارى ينظرون إلى المستقبل بعيون قلقة وقلوب خائفة؟

وأيتها الأم المحترمة، هل تنسجم أمومتك مع تركك أطفالاً هم في أمسّ الحاجة إليك وإلى عطفك وحبّك؟ إنّ سموّ الأمومة وعلوّ مقام الأم هو أكبر من ذلك، أكبر من جميع الآلام والمصائب، من جميع المحن والمتاعب؛ فالأطفال ينظرون إلى أمّهم كحضن دافئ ينشدون فيه كلّ ما ينشدونه من المحبّة والعطف والحنان.

لذا، على المرأة أن تنهض بدورها متجاوزة جميع المشاكل والعقبات، لأنّ أمومتها هي المدرسة الأولى والمهمة في تربية الطفل وتعليمه المبادئ والأسس التي ينطلق منها نحو المستقبل المشرق.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة".


1- الكافي، الكليني، ج5، ص238.
2- م.ن، ج6، ص54.
3- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص9.
4- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي، ج2، ص160.
5- الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج2، ص234 ذيل الآية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع