نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء الجنة: الشهيد الشيخ تيسير بدران‏

نسرين إدريس‏

 



الشهيد الشيخ تيسير بدران‏ (الشيخ طارق)
اسم الأم: خيرية حديب‏
تاريخ الولادة: 17-7-1966
الوضع العائلي: متأهل وله ابنة
مكان وتاريخ الاستشهاد: الكفور 4-8-1997

بين أوراقه ودفاتره قنبلة يدوية.. بين عينه وقلبه حلمٌ واحد: "الحرية".. كم التهمت الأسئلة المبهمة عقله الصغير وهو ينظر إلى المدى البعيد؟ أية غيوم سوداء تجتاح زرقة السماء وتنفث بدخانها لتخنق الهواء؟! لماذا تحوّل الزمن فجأة إلى دائرة خوف تلاحقه وهو يركض في الحقول بحثاً عن الفراشات؟! لقد صارت أمه تضيّق عليه خناق الانطلاق مع رفاقه في الحقول خوفاً عليه من "إسرائيل"! ما عادت أمه تُرهبه ب"البعبع"، بل بذاك الجندي الآتي من خلف البحار ليمحوَ خارطة العالم ويرسمها بفوهة بندقيته السفاحة.. كان والده يعمل في بلاد الغربة ليؤمن لعائلته قوتها اليومي، والزمن الصعب استوطن بين الفقر والفزع ولات حين مناص!..

وتيسير فتى تائه التساؤلات التي بدأت دائرتها تصغر كلما كبر، وكلما تعرّف وأصدقائه على حقيقة هذا الكابوس الذي ألقى بخيوطه على الوطن.. بدايةً كانت المجازر تمتدُ رويداً من فلسطين إلى القرى المحاذية لها ثم بدأ السكينُ يقتربُ شيئاً فشيئاً ليقطع أوردة الحياة.. لا شك أن الجرح المتسع آلم الكثيرين، ولكنه أيقظ الناس من غفوة الضعف، وانتفض الوجع على الجرح. ورفض تيسير وأقرانه أن يبقوا رهائن العمر، فهم وإن لم يُسمح لهم أن يعيشوا طفولتهم بهدوء وسلام، فلن يقضوا عمر المراهقة في البحث عن وردة حمراء يلقونها قصيدة على شباك الحبيبة، بل اختاروا أن يزرعوا العبوات الناسفة ليحصدوا رؤوس الصهاينة المدنسين للأرض والحرمات.. عام 1982، في عمر السادسة عشر، كان تيسير يمشي صوب مدرسته ويخبئ بين كتبه قنبلة، ويترقب على الطريق اللحظة الحاسمة، حتى إذا ما مرت دورية إسرائيلية رماها عليها وأطلق قدميه للريح. وفي الليل؛ عوض السهر بين سطور الكتب، كان يفتح عينيه جيداً خلف جبّ من الشوك وقد ضمت أصابعه البندقية منتظراً إشارة واحدة ليمطر رصاصه على الصهاينة..

تلك كانت دروسهم، سطور من الجهاد، وحبر من الدماء.. كانت أسلحتهم خفيفة وقليلة، والكثير من العيون الخائنة تترصد بهم لتحصدهم، وفي المقابل كان الكثيرون يقبعون في زاوية المهادنة والمسالمة، وبقوا هم وحدهم يسمعون صوت الإمام الحسين عليه السلام وهو محاصر في كربلاء؛ "ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة.." فأطلقوا نداءاتهم؛ هيهات منّا الذلة.. وانتفضت شعلة المقاومة لتزرع الخوف على حفافي الطرقات.. لتقض مضاجع ليل الصهاينة، وليبزغ فجرهم من لهيبٍ قاتل. عبوات مصنوعة من مواد بدائية كانت أصابع تيسير بدران ورفاقه تصنعها بهدوء هزت صورة الأسطورة الإسرائيلية..

وتنبهت النظرات الخائنة لذلك الفتى ذي العينين الملتهبتين شجاعة وإيماناً ورفاقه، فتم اعتقالهم في شهر حزيران للعام 1983، فيما كان تيسير يهي‏ء نفسه لامتحان آخر السنة في الصف الثالث ثانوي.. وكان السجن الامتحان الأكبر والأهم، لكم أشعره المعتقلُ بحريته.. لكم كان الفضاءُ أرحب من الأسلاك الشائكة التي أحاطوا بها جسده.. سنة مرت في المعتقل، وهو يتحسر على الأيام التي مرت دون أن يقاوم بالرصاص. المقاومة بالصمود والصبر مقاومة فريدة من نوعها، ولا يقوى عليها إلا الذين عرفوا اللَّه حق معرفته، ولكن لمقاومة الرصاص شعوراً آخر، شعوراً يحمل المرء ويحلقُ به كأنه نغمة على وتر البندقية.. وعند خروجه من المعتقل استولى على قلبه شغفُ العلم الذي طار به إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليزاوج السلاح بالكتاب ويعود إلى لبنان عالماً مجاهداً، ولم يضع العمة البيضاء على رأسه، لأنه أراد للأبيض الأول الذي يلبسه أن يكون كفنه.. وفي كانون الثاني من العام 1987، أصيب الشيخ تيسير في عينه اليسرى إصابة بالغة، ولكنها لم تمنعه من مواصلة طريق الجهاد الذي اختاره عند الخطوة الأولى في طريق الحياة.. ومرت السنوات، بين مهمات الجهاد المتنوعة، وعادت دائرة القلق تتسع داخل قلبه، فكلما رفع أحداً من رفاق دربه شهيداً على كتفه خاف أن تفوته بركة الشهادة، وهو الذي اختصر أحاديثه بحديث واحد "الشهادة"!

 بعد زواجه، اقترن حلم الشهادة بأمنية أن يرزقه اللَّه ولداً يحمله بين ذراعيه ويربيه في أيامه المتبقية من عمره على حب الجهاد ومواصلة طريق الكفاح لتحرير الأرض من رجس الصهاينة الذين ذاقوا من ضربات المقاومة الإسلامية ما جعلهم يعيدون جدولة حساباتهم. ثمانية سنوات مرت؛ والحلم يتأرجح بين طفل وشهادة، والشيخ تيسير بين عقارب الزمن يقتات مرّ الانتظار.. واستجاب اللَّه له؛ وبشّره بمولودٍ أخذ يحسبُ الزمن حتى ولادته، وتغيرت الدنيا عندما أشرقت على جبهته المتعبة أنوار ابنته "سجى".. هي سُجى، أجمل أمنية داعبتها عيناه، هي أجمل لحن ترنمت به شفتاه.. شهر مرّ كأنه الحلم، كأنها طيف أنقذه من جبّ الحسرات.. شهر بين ولادة سجى ورحيل تيسير، بل ولادته الثانية والخالدة وأمنية عمره "الشهادة"..

استشهد الشيخ تيسير مع أربعة من إخوانه المجاهدين في المقاومة الإسلامية إثر انفجار عبوة ناسفة مموهة في بلدة الكفور تركتها قوة كوماندوس إسرائيلية تسللت للقيام بعملية استطلاع، وزعزعة الاستقرار الداخلي. اختصر الشيخ تيسير بدران الإنسان بما يحمله من مضامين عظيمة، وجميعنا يحمل في داخله الإنسان، ولكن هل كلنا نؤدي حق هذا الإنسان علينا! سؤال يبقى رهنَ مواقفنا، رهن قراراتنا، في زمن لمسنا فيه لمس اليد صعوبة وخطورة مواقف أناسٍ لم يبالوا بمواقفهم أَوَقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم لأن خطهم دائماً كان وسيبقى على حق.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع