نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الطفل الوحيد كي لا يتحوَّل من نعمة إلى نقمة!

هنادي سلمان‏

 



هل يختلف الطفل الوحيد عن غيره من الأطفال الذين يعيشون في بيئة تضم عدداً من الأولاد؟ وهل أن وحدة الطفل قد تحكم عليه بأن يكون شخصاً غير متجانس اجتماعياً، أم أنها سبب تميزه وتفاضله؟ أسئلة كثيرة قد تقطعها عبارة تصدر من بعض الأمهات لتلخص كل ما نريده: "أنا أحبه كثيراً فليس لي أحد غيره في هذه الدنيا، لذا أخاف أن يصيبه أدنى مكروه"، إن هذه العبارة تحمل في طياتها الأسباب التي تعرض الطفل الوحيد، أو غيره من الأطفال، للإخفاق في حياته، فيكون السبب في ذلك أسلوب التربية وليس وحدة الطفل، على أن للطفل الوحيد في الأسرة الكثير من المزايا والحسنات وإن كان هناك بعض المساوئ والمخاطر فبالإمكان تجاوزها وتخطيها بأساليب تربوية متوازنة.

* مزايا الطفل الوحيد:
إن هناك حقيقة قد لا يختلف عليها اثنان، وهي تلك المزايا التي يتمتع بها الطفل الوحيد في أسرته، وفي مقدمة هذه المزايا تركيز كل حب الوالدين واهتمامهما على هذا الطفل الذي لا يشعر بأن أحداً سواه يشاركه فيهما(1). والحب والحنان هما ما يحتاج إليهما أي طفل لكي ينشأ نشأة سليمة غير معقدة، لأن هذا سيكون له الأثر الكبير على حياته المستقبلية. كما إن هناك مزايا أخرى كثيرة يتمتع بها الطفل الوحيد، ومن بينها العناية الفائقة التي يلقاها في أكله وشربه ولبسه وتعليمه فهو محور تفكير الأسرة ومورد اهتمامها بحيث لن تضطر إلى تحويل هذا الاهتمام إلى ولد آخر. ولكن وأمام كل هذه المزايا لا بد من الانتباه إلى أنها قد تحمل في طياتها العديد من المخاطر التي تؤثر سلباً على شخصية الطفل الوحيد، فما هي المساوئ التي تحيط بالطفل الوحيد؟

* من الناحية النفسية:
إن المساوئ التي تترتب على كون الطفل وحيداً هي عديدة، فكما أن الحرمان من المحبة يهدد سلامة الشخصية، كذلك فإن الإفراط في إعطائها يؤدي إلى خلل في توازنها. ولقد حذرت الشريعة الإسلامية من الإفراط في المحبة في تربية الأطفال. فعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "شرّ الآباء من دعاه البر إلى الإفراط"(2) وكل ذلك لأن العواقب السيئة التي يلاقيها الأطفال نتيجة الإفراط في المحبة تجاههم مهمة جداً وخطيرة. وهي تظهر من خلال الرقابة الفائقة والعناية القصوى التي يحيطونه بها. فيعيش الأهل في قلق مستمر عليه خشية أن يصيبه مكروه. لذلك فهم يقدمون له كل شي‏ء ولا يكلفونه بشي‏ء ولا يحرمونه من أي شي‏ء.

ومن خلال هذا الحنان المفرط والحرص الشديد على تلبية رغباته يتولد عنده شعور بأنه:
1- محور حياة الأهل ومثار قلقهم، فيحس بزهو داخلي ورضا نرجسي يدفعانه للسيطرة على مواقفهم وتصرفاتهم.
2- محور العالم، فكل ما في الوجود خلق لأجله وبهدف سعادته لذلك فهو يريد من الآخرين كل شي‏ء ولا يُطلب منه تقديم شي‏ء.
وهذا الشعور الذاتي يجعله يعيش في مأزق اجتماعي(3) حيث سيشعر بصدمة قوية حينما يجد أن الواقع مغايرٌ تماماً لما يظنه من كونه محور هذا العالم. فالمجتمع لن يستجيب لكل ما يريده فيكبت ذلك في نفسه ألماً وغيظاً وتعاسةً.

* من الناحية الاجتماعية:
إن لعب الكبار معه لا يكفي لإشباع طفولة الطفل رغم أهميته، فيشعر الطفل الوحيد بأنه يفتقد إلى المتعة التي يشعر بها غيره من الأطفال بعضاً مع بعض. وهي متعة تنبع من تصرفاتهم التي تتسم بعدم الشعور بالمسؤولية وعدم المطابقة لما يمليه عقل الكبار وهناك الكثير من التجارب في لهو الأطفال ولعبهم وهي أشياء لا يستطيع الكبار أن يروها أو يشعروا بها حتى ولو فهموها. إن الأسرة التي تضم عدداً كبيراً من الأطفال تتمتع بميزة حيث يستطيع أطفالها أن يقوموا بجميع الأدوار المختلفة في هذا المجتمع الصغير بعضهم تجاه بعض وهذا من شأنه أن يعدّهم للحياة في المجتمع الكبير فيما بعد، بينما الطفل الوحيد، وخاصة إذا لم يكن له أقارب في سنه، يجد صعوبة في التعرف إلى أترابه وصعوبة أكبر في عقد علاقات صداقة طارئة معهم. مما يجعله يخشى الصداقات التي تظهر فجأة في حياته ويحاول دائماً أن يبتعد عنها(4) كما إن هذا الطفل لن يستطيع أن يمارس أي عمل بمعزل عن ذويه. لذلك فإن أي مشكلة سيتعرض لها سيهرب من مواجهتها لأنه لم يعتد على حل مشاكله بنفسه دون اللجوء إلى أهله. مما سيجعله غير متكيف مع مجتمعه وبيئته. حرمان الحرية: إن الوالدين اللذين لم ينجبا سوى طفل واحد سيمنحانه الحب والحنان والرعاية ويبذلان جهدهما لذلك. ولكنه إذا غاب عنهما لحظة واحدة انتابهما الشعور بالقلق والانزعاج(5) وإذا تأخر عن موعد عودته إلى المنزل قليلاً عاش الأهل في حالة خوف لا مثيل لها رآها الطفل في عينيهما متى عاد إلى البيت وهذا الخوف سيدفعهما إلى منع وحيدهما من المشاركة في أي نشاط مع أطفال في مثل سنه أو في أي رحلة تقيمها المدرسة خوفاً من الحوادث التي قد تطرأ. وهذا سيحرم الطفل الوحيد من حريته ومن حاجته إلى فوائد هذه النشاطات والرحلات وهم بذلك يتناسون قول اللَّه سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (التوبة: 51) كما أن الحرمان من الحرية لن ينتهي عندما يبلغ الطفل رشده، بل إنه سيكبر ويتفاقم إلى حد لا تحمد عقباه. التوازن هو الحل: إن هدف كل أب وأم هو أن يعيش ولدهما حياة هانئة وسعيدة، ونظراً للمخاطر التي قد يتعرض لها الطفل الوحيد وخوفاً من أن تؤثر على حياته وعلى شخصيته لا بد للوالدين من الانتباه إلى أسلوبهما في تربيته. ويبقى التوازن في المحبة وعدم الإفراط الذي دعانا إليه الإسلام هو الحل الأمثل لتفادي هذه المخاطر "وخير الأمور أواسطها". ولا بد من اعتبار الطفل الوحيد كأي طفل آخر من حيث العناية والمعاملة.

أهم التدابير التي تقي الأسرة من مساوئ وحدة الطفل:
1- تعويد الطفل على القيام ببعض شؤونه بنفسه وذلك كي يشعر بنوع من الاستقلالية والثقة بالنفس.
2- خلق بيئة، حول الطفل، تقاربه في السن من خلال الأقارب إذا وجدوا، أو من خلال الأصدقاء، حتى يعتاد على الدخول في معترك الحياة الاجتماعية بصورة طبيعية.
3- إشراكه في المخيمات الكشفية ذات المبادئ الإسلامية وهذا من شأنه أن ينمي شخصيته، ويحثه على الشعور بكونه فرداً من مجموعة وليس فرداً مسيطراً على الآخرين.
4- الحذر من المبالغة في تدليل الطفل الوحيد ومن المبالغة في الخوف عليه والحرص على أموره حتى لا نقضي على حريته وشعوره بالمسؤولية، وهنا ينبغي على الوالدين الاتفاق على قاعدة ثابتة أثناء التعامل معه، فمن الخطأ أن يتشدد أحدهما في المعاملة ليأتي الآخر ويتساهل إلى أقصى الحدود.
5- عدم تلبية بعض طلباته كي يتعود على وجود الممنوعات في الحياة التي لا يستطيع الحصول عليها، وعلى كونه كباقي الأطفال يستطيع الحصول على بعض الأشياء دون بعضها الآخر.
6 - ينبغي أن نعلم بأن طفلنا يملك حياة مستقلة تماماً لذلك يجب أن لا نكون أنانيين فالطفل ليس شيئاً نملكه نتصرف به كما نشاء لنضعه هنا أو هناك. وبالتالي يجب منحه قدراً من الحرية ولو كان ذلك على حساب مخاوفنا ومشاعرنا.
إن الأطفال هم زينة هذه الحياة وهذا ما يذكره القرآن الكريم ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (الكهف: 46) فلنسعَ إذاً كي لا نلطخ هذه الزينة بتربية خاطئة قد تفسد حياتهم.


(5) (4) (1) سيكولوجية الطفل، باسمة كيال، ص‏227 226 225.
(2) تاريخ اليعقوبي، ج‏3، ص‏53.
(3) المعلم والتربية، د. محمد رضا فضل اللَّه، ص‏382.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع