نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عيد المجاهدين‏: ابتسامات الوطن على الثغور

منهال الأمين‏

 



الأوقات تمر علينا متشابهة تقريباً، فلم نعد نشعر بخصوصية الأيام والليالي والساعات، ولكن المجاهدين ليسوا كذلك، يحيون المناسبات حسب ما تقتضيه الحاجة و"الجهوزية"، وليس كما تهوى الأنفس. لأنهم باختصار طلقوا الدنيا، ونذروا أنفسهم للدين، كبر الخالق في عقولهم فصغر ما دونه في عيونهم. ما رأيكم لو نقضي العيد هذا العام في ربوع الجهاد والمقاومة، بين ظهراني المجاهدين الذين حرموا من فرحة العيد بين الأهل والأحباب، ليحرسوا أحلام الأطفال ويبعثوا الطمأنينة في كل القلوب، بأن حدودنا وثغورنا بألف خير فاهنأوا؟؟

* العيد.. ودعاء النصر
أكثر ما يفتقده مجاهد يوم العيد كما يقول هلال (22 عاماً، أعزب) هو الصلاة صبيحة العيد في مسجد البلدة، حيث أكبر اجتماع لأهالي البلدة والأصدقاء والأقارب، يتبادلون فيه التهاني ويرددون ذلك الدعاء الذي حفظوه عن ظهر قلب، ويشعرهم بالخشوع والاطمئنان: "اللهم أهل الجود والجبروت، وأهل الكبرياء والعظمة نسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخراً وكرامة ومزيداً، أن تنصر المجاهدين في سبيلك...". ويعلق هلال على ذلك بالقول: "إن ترداد هذا الدعاء جماعة، يشعرني بأن الأمة كلها معنا وبأن اللَّه جمع شملنا على الحق. وعندما تفرض عليَّ ظروف العمل الغياب عن هذه المراسم فإني أفتقد هذا الشعور الجميل. ولكني على يقين بأن الآلاف صبيحة العيد يدعون للمقاومة وللمجاهدين".

* عيد مميز في كل شي‏ء
أبو خليل (أعزب، 24 عاماً) يقول عن "عيده المميز": ليس في العيد فقط نعيش ظروفًا استثنائية، بل كل حياتنا كذلك. حينما ترقد الناس ليلاً يبدأ العمل بالنسبة لنا. الناس تعدّ موائدها وتجتمع للأكل ونحن نتحلق حول طعامنا المتواضع وأشيائنا البسيطة. أما في الليالي الباردة فلا مجال للمقارنة بين المتحلقين حول المدافئ في جلسات السمر والأنس، ومن لاذ بسلاحه يضمه إلى صدره فيأخذ منه أكثر مما يعطيه. أما بالنسبة إلى هلال فإن لعيد المقاومين نكهة خاصة على أي حال: نحن على الرغم من أننا نقضي هذه المناسبة السعيدة بعيداً عن الأهل والأصدقاء، حيث تعودت الناس أن تتبادل التهاني صباح العيد، وأن تولم الولائم احتفاء بهذا اليوم العظيم. إلا أن للأمر "نكهة خاصة" عندنا حيث أن الواحد منا يشعر بأنه يدفع ضريبة عن الجميع لأننا نذرنا أنفسنا لهذا الخط وعاهدنا الله أن نبذل في سبيله كل غالٍ ورخيص.

* العيد على طريقة المقاومين‏
ويقول عصام (40 عاماً) وهو أب لولدين: صحيح أن قضاء يوم العيد على الثغور وفي المحاور، يعد أمراً "غير طبيعي" لنا ولعائلاتنا، إلا أننا ابتكرنا أسلوباً يخفِّف من معاناة الإخوة، إذ اعتمدنا أسلوب المناوبة، كما في الحراسة والأعمال الجهادية المتنوعة، كذلك في العيد. فيقتضي الأمر بأن الذي يصبح في بيته مع أهله، يبقى بينهم إلى ما بعد الغداء ثم يلتحق بمكان عمله، ليذهب مكانه مجاهد آخر فيبيت ليلته في منزله ليعود كذلك في الوقت نفسه، وهكذا دواليك. وتلاقي هذه الخطوة استحساناً كبيراً من الشباب ومن عائلاتهم أيضاً. ويوم العيد مميز جداً على الثغور والمحاور، إذ تحرص قيادة المقاومة على أن تكون مع المجاهدين في يوم العيد من خلال الأجواء الحميمة التي تحيطهم بها. فمنذ الصباح تبدأ المراسم بأداء صلاة العيد بإمامة أحد العلماء الأفاضل. ومن ثم يتبادل المجاهدون التهاني كأسرة واحدة يجمع بينهم الكثير الكثير من الروابط التي لا تفوقها أية روابط أهمية. وتوزع الحلوى وبطاقات المعايدة على المجاهدين. ويسعى شباب المقاومة لبث جو من الفرح والسرور في صفوفهم لكي يعيشوا هذه النعمة بكل معانيها. لذا تراهم يعقدون حلقات التواشيح والموالد النبوية التي تمجد ذكرى أهل البيت عليهم السلام ال. ويستقبلون وفودًا متعددة من العلماء وآباء الشهداء والأسرى المحررين فلا يعرف الشعور بالوحشة طريقه إلى قلوبهم.

* هدية العيد .. سيد المقاومة
وينقل لنا موسى (30 عاماً أعزب) بعض الذكريات عن العيد على الجبهة: كنا نفتتح نهارنا كالمعتاد بالاستيقاظ عند الفجر لأداء صلاة الصبح وقراءة دعاء العهد وما تيسر من القرآن الكريم ضمن برنامج محدد لتحسين القراءة والتجويد لدى الإخوة. وبما أنه يوم عيد فإنه إضافة لما تقدم فإننا نتوقع زيارة من أحد العلماء العاملين ليؤم بنا صلاة العيد جماعة، ثم يلقي علينا خطبة من وحي الزمان والمكان. بعد ذلك يتبادل الإخوان التهاني ثم يبدأ العمل لإعداد وليمة غداء بمواصفات عالية لا تقل أهمية عن أهم وليمة تُعد في مطبخ مجهز بالوسائل كافة. ويردف محمود (40 عاماً) وهو من الرعيل الأول في المقاومة: في أحد الأعياد وعندما أشرقت شمس الصباح فوجئنا بالأمين العام السيد حسن نصر الله يدخل علينا مرتدياً الزي العسكري وقد تغيرت بعض ملامحه التي تعوَّد أن يطل على الناس بها فصافحنا وقبَّلنا واحداً واحداً... بالنسبة لي كان هذا أجمل عيد في حياتي!. ويضيف محمود: ليس هذا غريباً على قادتنا وعلمائنا، فلطالما عوَّدونا أن يكونوا مع المجاهدين في خندق واحد، يشاركونهم أفراحهم وأتراحهم . ولا يفوتني هنا أن أذكر سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي الذي كان رفيق المقاومين وعينهم التي لا تنام ولا يزال ملهمهم وقدوتهم في كل الملمات.

* تعويض غربة العيد
لا يخفي أبو جعفر(32 عاماً، أب لثلاثة أولاد) صعوبة الغربة عن الأهل والعائلة في هذه المناسبة المباركة، مستذكراً الآية الكريمة: "كتب عليكم الجهاد وهو كره لكم". إلا أنه يؤكد: نحن نؤمن بدور المقاومة في حفظ أمن الناس، ولكن من ناحية إنسانية أريد أن أشير إلى مسألة غاية في الأهمية وهي أنني كثيراً ما أتمنى أن أستيقظ صباح العيد في منزلي وبين أطفالي الذين ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر وحتى أنهم يستيقظون باكراً ويوقظون كل من في البيت. نعم فهذا ما يهم الأولاد أن يجدوا آباءهم معهم صبيحة العيد... ولكن "أبا جعفر" يستدرك فيقول: أحمد الله تعالى على كل شي‏ء، وهنا لا بد أن نذكر أيتام الشهداء، الذين يقضون عيدهم على أي حال "بعيداً عن آبائهم" الذين أعطونا العزة والكرامة ووهبونا الحياة وقدموا أرواحهم فداءً لهذا النهج، فلهم حق علينا أن نتأسى بهم وبأيتامهم. نعم نحن نشعر بالغربة عن أهلنا وعيالنا وبخاصة في هذا اليوم السعيد، يقول أبو رضا (28 عاماً، أب لطفلين) ويزيد بأن زوجته تعتبر أن حلول العيد عليها وعلى طفليها وهو غائب عنهم لا يعنيهم على الإطلاق لأن سبباً رئيسياً يجعل الفرحة ناقصة وهي أن رب البيت بعيد عنهم. ويستدرك أبو رضا معلِّقاً على رأي زوجته: أنا أحمد الله على أي حال لأنني في نهاية المطاف سأعود إلى عائلتي وسيكون أمامي متَّسع لتعويض ما فاتنا. إلا أن أكثر ما يخطر في بالي يوم العيد هم إخواننا الشهداء الذين سبقونا، نتذكر ماضيهم والأيام الجميلة التي قضيناها معاً، وأتحسر إذا ما رأيت ابناً لشهيد فارقه أبوه إلى غير رجعة. ويدفعني ذلك لأقول للناس الذين يعتبرون العيد لهواً وعبثاً أن يعيشوا حقيقة العيد، لأن كل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد. وختم أبو رضا كلامه بعد أن مسح دمعة فرَّت من عينه ببيت من العتابا التي يجيدها، ولطالما رددها للشباب أيام العيد وفي جلسات السمر وكلما سمح الوقت: (قالوا إجا العيد قلت العيد لأصحابو شو بينفع العيد اللي مفارق احبابو) عيد المجاهدين هو عنوان لتضحية هو محطة إضافية للمجاهد يتخلى فيها عن كثير من رضا نفسه ليشتري به رضا الله تعالى، وليذود عن ثغور الأمة. فنحيا نحن في هناء ورخاء، وهناك غير بعيد عن إغماضة جفوننا، عيون لا تنام وقلوب حالمة بيوم الخلاص وحرَّاس الحاضر والمستقبل‏.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع