نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء الجنة: الشهيد القائد محسن علي مظلوم‏

نسرين إدريس

 



اسم الشهيد: محسن علي مظلوم‏
اسم الأم: صبحية مظلوم‏
محل وتاريخ الولادة: بريتال 3/2 /1971
الوضع العائلي: عازب‏
محل وتاريخ الاستشهاد: تومات نيحا 17/7/1991

وهمست شفتا السيد عباس الموسوي رضي الله عنه بالشهادتين في أذن محسن المسجى في المثوى بثيابه العسكرية المضمخة بالدماء: "الله ربي.." ففتح عينه ونظر إلى السيّد نظرة أخيرة قبل أن يطبقها ثانية عن الدنيا، لتزيد شهادته ميزةً وهو يعطي آخر دروس الحقيقة المطلقة بين الحياة والشهادة.. وأمام منزل ذويه في قرية بريتال، عُلّقت سترة عسكرية لضابط إسرائيلي قُتل برصاص محسن وهو يتصدى لقوة صهيونية متسللة إلى المناطق المحررة في البقاع الغربي.

كانت أصابع الفجر تزيح برفقٍ ستائر الليل، عند مدخل المغارة الصغيرة حيث يجلسُ محسن وحيداً مع رشاشه يحرسُ هدأة الصبحِ من ذئاب الليل حين أزاح الصمت حفيف يزحفُ كأفاعٍ فحيحها السام يميت ورود الصباح، همّ محسن ليستكشف الأمر، وفي لحظاتٍ مزقت الرصاصات هدوء الفجر؛ حوالي خمسة وسبعين جندياً إسرائيلياً مجهزين بأكثر الأسلحة تطورًا في مواجهة مباشرة مع رجلٍ واحد يحمل رشاشاً ويستبسل في الدفاع عن أرضه مؤدياً واجبه الجهادي ببطولة رصّعت تاريخ المقاومة الإسلامية بوسام الشجاعة النادرة والإقدام الذي لا مثيل له، وقد اعترف العدو بالهزيمة النكراء التي ألمت به مثبتًا مقتل ثلاثة جنود بينهم جنرال عدا الجرحى.

ويصدح صوت السيّد عباس الموسوي رضوان الله عليه في البقاع ليخترق الصوت المكان والزمان: "لولا شهادة المجاهد محسن مظلوم لاهتز كيان حزب الله في البقاع الغربي"، فيتزين البقاع، بل كل لبنان، لعرس محسن الذي قامت والدته لتستقبله برش الزغاريد والورود، وكيف لا تفعل ذلك، وهي التي استيقظت ذلك الصباح على دموع فاضت من عينيها بعد أن رأت ولدها في المنام يركعُ أمام قدميها ويخبرها أنه الآن في جوار الإمام الحسين عليه السلام ويخبرها بتفاصيل شهادته مشيرًا إلى موضع إصابته في الرأس، موصيًا إياها بالصبر والتأسي بالسيدة الزهراء عليها السلام وال البيت. لقد عاد محسن إلى قريته بريتال بعد طول تجوال بين محاور البقاع الغربي ومحاور الجنوب، بصورته التي لم تفارق مخيلة رفاق الدرب؛ وبسمته التي لم تفارق وجهه، والتواضع النابع من خلق نبيل، والمحبة الممزوجة بطيبة أنس بها كل من تعرف عليه، فقد درج محسن منذ صغره على الأخلاق الإسلامية السامية في بيتٍ يملأه الإيمان والطهارة، وأكثر ما تميّز به منذ صغره المبادرة والهمة العالية، فهو منذ عمر الثانية عشر كان سندًا لعمته وأولادها بعد وفاة زوجها فقد تكفل بتأمين احتياجاتها، وبقي حتى آخر يوم في حياته يتصرف على مبدأ انه المسؤول عنهم.

مع أصدقائه في كشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه بدأ محسن الخطوة الأولى على طريق الجهاد، وكلما طوى صفحة من أيام عمره، ضخ فؤاده حبّ الجهاد، وصار هدفه الوحيد الالتحاق بصفوف المقاومة الإسلامية.. وتطور اللعب بالأسلحة الخشبية ليتحول إلى مسؤولية في حمل السلاح الذي يجتث الظلم دون خوفٍ أو وجل، وقد رأى محسن بأم عينه العديد من الشبان، أبناء قريته والقرى المجاورة، كيف قدمّوا زهرة عمرهم في خريف الزمن المر المحاصر من كل الجهات لينتصر الحق مع فئة قليلة يمدّها الله بالنصر الأكيد. مع سماحة السيّد عباس الموسوي مشى محسن في طريق المقاومة، وتأثر بشخصيته المختزنة الكثير من المعاني الإنسانية النادرة، فتعلم منه ما صوّب مسيرته الروحية في علاقته مع الله، ومشى بقلبٍ مطمئن في درب الإمام الخميني العظيم الذي أراد للإسلام أن يبقى في القدسية التي خلقه الله عليها.

عرف محسن أن البر ليس أن يولي وجهه قبل المشرق والمغرب، ولكن البر أن يتقي الله، فيمم وجهه صوب الله، واصطفى روحه من حدود جسده ليكون كما أراد الله، فصار رجلاً من مجاهدي المقاومة الإسلامية، سكن المحاور في الليالي الباردة، وقطع الجبال والأودية في قيظ الظهيرة، حوّل فصول عمره إلى فصل جهاد متواصل، والأمنية واضحة: "شهادة مباركة".. خضع للعديد من الدورات العسكرية التأهيلية وتدرج في صفوف المقاومة الإسلامية، وشارك في العديد من العمليات العسكرية تعرّض في بعضها لإصابات طفيفة، وقد عرف بدقته وفكره العسكري المتميز، وكان من الجنود الذي واجهوا كل التحديات الصعبة لتستمر المقاومة بصلابة وقوة.. وبالرغم من غيابه عن منزل ذويه لفترات بحكم عمله، إلا أنه ما أن يعود حتى يبادر لمساعدة والده ويسكّن من شوق والدته ليستقي من كفيها الرضا والدعاء، ويسارع لتفقد عمته وأولادها، ويجتمع مع الإخوة والأصدقاء ليطمئن عن إخبارهم وأحوالهم ويساعد من يحتاج إلى عونٍ .. ألزم محسن نفسه ببرنامج عبادي زاد من صفاء روحه، وألقى عليه نقابًا من الهيبة، وحبًا لا يفقه أحد سره في قلوب كل من عرفه، فواظب على ختم القران الكريم كل ثلاثة أشهر، وقراءة الأدعية التي رفدته بالعزيمة الحيدرية الحسينية.. ولطالما أظهر شجاعة في مواقف عديدة، وإيثارًا في أكثر المواقف حرجًا، فيأبى التراجع من خطوط النار تاركًا جريحاً دون أن يحمله على كتفيه حتى لو عرّض نفسه لقذائف العدو، ولم يأبه بتعبٍ ما دام في إطار "أداء تكليفه الشرعي"، وفي بعض الأحيان حين تنقطع المؤونة عن المجموعات المتقدمة، كان يتنقل بين الإخوة المجاهدين يسألهم عن احتياجاتهم ويسعى إلى تأمينها بأسرع وقت ، حتى اشتهر بأنه الرجل الذي تجد عنده كل شي‏ء في مكانٍ لا يوجد فيه شي‏ء!

قبل استشهاده بيوم واحد، وبعد أن تناول الفطور أعطى والدته مسدسه الشخصي وأوصاها بالمحافظة عليه، استغربت والدته طلبه الذي سرعان ما تراجع عنه ليعطي مسدسه إلى أخيه وليؤكد عندها على وصيته بالمحافظة عليه، والسير في طريق الجهاد والمقاومة.. وحانت اللحظة التي عاش عمره لأجلها، تهيأ لملاقاة حبيبه أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فشدّ حيازيمه للموت، وتوجه إلى مركز عمله حيث كان يحرس بقلبه وعينيه وأبى إغماضهما حتى النزف الأخير من الرصاص والدماء.. وفدت جموع المباركين والمهنئين إلى بريتال ليشاركوا في عرس محسن، وليروا سترة الهزيمة الصهيونية التي طلبها شخصيًا سماحة السيد القائد علي الخامنئي ليحتفظ بها كذكرى، بعد أن أرسل وشاحًا هدية لأهل الشهيد.. وهنأ محسن شهيد المعركة في روضته البهية المرصعة بأمجادٍ وتسبيحات. لقد أرادت إسرائيل من عملية التوغل إلى المناطق المحررة أن تستعيد بعضًا من هيبتها التي تحولت إلى مهزلة بعد الضربات الموجعة والمركزة من مجاهدي المقاومة الإسلامية، فإذا بها تُنهي هذه العملية بخسارة فادحة تُعلّق هيبتها الممزقة برصاصات مجاهدٍ مغوار كتب بدمه أن الشهادة هي ميثاقُ الخُلّص، والنصر المؤزر هو ثمرة ميثاق الدماء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع