نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

اعرف عدوك‏: طروحات وهمية لاقتطاع الوقت‏..السلام لمصلحة من؟

حسن زعرور

 



لماذا يتحوَّل معظم قادة جيش العدو الإسرائيلي إلى دعاة سلام مع العرب؟ ولماذا لا يحصل هذا التحوّل إلا بعدما تتلطخ أيديهم بدماء الأطفال والنساء والشيوخ؟ وما سرّ الهجمة الإسرائيلية على السلام؟ بعض المحللين يعتبرون أن هؤلاء القادة أتعبتهم الحروب، ورأوا أن أفضل الحلول هو السلام، والبعض يظن أن وجوه التطور فرضت نفسها على الذهنية الإسرائيلية، ودفعتها نحو مسالك مرنة وعصرية، وآخرون يعتبرون أن القضايا الاقتصادية تخلط مفاهيم العداء و(التفاهم) من منطلق احتساب الأرباح والخسائر. كل هذه المفاهيم جانبية في صناعة التاريخ لأنه لا يخضع للفردية والأمزجة والتأويل، إنما تصنعه الثوابت والأسس، وهذه تدلّ على أن العدو الإسرائيلي بعيد كل البعد عن المفاهيم الحقيقية للسلام وأنه يحاول اقتطاع الوقت لاستكمال تركيبته البشرية (المهاجرين) والمالية (الأسواق التجارية) ولأن وجود دولته محكوم بالعدد البشري والمال الاقتصادي، لذلك نراه يماشي طروحات السلام ضمن مفهوم أنها استسلام العرب له، بدليل استمراره في تحديث وتدعيم قوته العسكرية إلى مستوى لم تصل إليه من قبل، فما حاجته لمثل هذه القوة إن كان يسعى للسلام؟ وضد من سوف يستعملها إذاً؟.

* الوقائع والقرائن‏
إن مساحة فلسطين بالكاد تتسع اليوم لسبعة ملايين يهودي، من المقرر بحسب الخطط أن يصلوا إلى عشرة ملايين عام 2010، إضافة إلى ما يقرب من خمسة ملايين فلسطيني حينها، إن مشكلة الماء والأرض سوف تمثلان وضعاً من المستحيل تخطيه، ثم إن ثقافة الحرب القائمة داخل المجتمع العبري لا تزال تتسع باطراد وكره العرب يزيد يوماً بعد يوم في ظلّ الأحداث القائمة في الضفة والقطاع، وإن جوهر العقيدة الذي عبأ له الشعب اليهودي منذ قيام دولته حتى اليوم يقوم على مبدأين، تجميع اليهود وطرد العرب: "الأرض التي تنتزع من العرب يجب التمسك بها وعدم التخلي عنها لأنها رمز البقاء للقومية اليهودية"(1)، وعليه إن كان العقل اليهودي عدوانياً التوجهُ نحو العرب فكيف يمكن له ممارسة متطلبات السلام، إن مشكلة اليهودي في الأصل أنه يهودي، ومفاهيمه أن "لكل عملة وجهان"(2)، الوجه الأول للعملة يهودي، والوجه الثاني يهودي أيضاً، هذا المفهوم خلق العداوة لليهود بين الأمم منذ الأزل، غير أن اليهودي يعتبر عن قناعة أن سبب عداوة الآخرين له هو الكره والحسد، وان نجاحاته في جمع المال منهم جعله كبش فداء لشرورهم وانحطاطهم، وهذه المفاهيم جعلت من المستحيل إقامة سلام بين اليهود والآخرين، ولم نجد في التاريخ القديم ولا الحديث حدثاً واحداً يشير إلى إقامة سلام بين اليهود وأي من الأمم، فهل تغير اليهود فجأة؟

* الماضي ورفض السلام‏
إثر قيام الدولة العبرية مارست بريطانيا ضغطاً على أتباعها من القادة العرب بهدف إقامة صلح بينهم وبين الدولة العبرية ورسم الحدود، إلا أن بن غوريون ردّ على الطرح العربي بازدراء "للأسف جاءت مبادرتكم متأخرة"(3)، بعد ذلك بسنواتٍ قليلة ضغطت الولايات المتحدة على القادة الفلسطينيين فطرحوا مبادرة سلام "أعيدوا مائة ألف لاجئ مقابل تسوية النزاع"، ورد بن غوريون واصفاً المبادرة بالمهزلة لأن الأرض صغيرة ولا تتسع لليهود والعرب معاً "لقد أخبرنا الرب جيهوفا أنه إذا ترك هؤلاء القوم (العرب) هذه الأرض بسلام كان بها وإن لم يفعلوا يجب تدميرهم، عليهم إما أن يتهودوا عن إيمان أو أن يرحلوا إلى بلد آخر"(4).

* مفهوم السلام اليهودي‏
يفسّر لنا قاموس أوكسفورد معنى كلمة يهودي أنها "يمكر" و"يخدع"، إن مشكلة اليهودي مع الأمم الأخرى المفاهيم الخاطئة بين الطرفين، فالمحبة والسلام والعطف والوفاء والعون والرحمة موجودة لدى الشعوب كافة، غير أن اليهودي يفهمها على أنها أداء تعاملي بين اليهودي واليهودي فقط، أما الآخرون فلا تنطبق عليهم، لقد خلق الرب يهوه الأرض وخيراتها لشعبه المختار "وأتخذكم لي شعباً وأكون لكم إلهاً" (خروج إصحاح 6) وسرق الآخرون تلك الخيرات ويعمل الشعب اليهودي على استعادتها منهم ويعتبر أن كل الوسائل مشروعة لاستعادة ما هو له، هكذا أمره الرب يهوه "وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين" (خروج إصحاح 12) فاحتيال الشعب العبري على الشعب المصري وسلبه هنا أمرٌ طبيعي ومشروع لأن الرب في أحكامه "يميز بين المصريين وإسرائيل" (خروج إصحاح 11) وعليه فالأحكام الإلهية لا يمكن التعامل بها بين اليهود وبقية الشعوب، "عندما تجي‏ء إلى الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين... تبيدهم" (خروج إصحاح 23). هو شعب الله المختار، اختاره الرب سيداً على الناس الذين خلقهم الرب عبيداً له "وأما عبيدك فمن الشعوب الذين حولك تستعبدهم إلى الدهر" (لاويين 25) وعليه أن لا يقيم أي صلحٍ معهم "احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض" (خروج 34) أو حتى التعامل والعمل بمفاهيمهم "وكلم الرب موسى قائلاً كلم بني إسرائيل وقل لهم أنا الرب الهكم مثل عمل أرض مصر... لا تعملوا ومثل عمل أرض كنعان لا تعملوا" (لاويين 18) وأن التخلي لهم عن شبر من الأرض هو كفر لأنها أرض الرب "والأرض لا تباع البتة لأن لي الأرض" (لاويين 25). ورب قائل أن ذلك في الزمن القديم كان، غير أن اليهودي الحديث لا يزال هو نفسه. فالعدد الشرعي للصلاة أو المينان، وبركة التطهير، وقوانين الطعام الكاشير، وتحريم الزواج من غير اليهود، والختان، وعادات الدفن، والمحظورات المقدسة، لا تزال تتحكم بالمسلكية والفكر اليهوديين حتى اليوم بنفس الأداء والمستوى الذي كانت عليه أيام يوشع عليه السلام.

* يهود الحاضر
تلتزم الإيديولوجية اليهودية الحديثة (هحالوتسيوت) بالأسس الدينية القديمة بشكل مطلق نظراً لتأثيرها على بقاء الشعب اليهودي عبر الأعصر التاريخية، إن انفكاك اليهودي عن دينه وعن النظم الادائية التي وضعت له أيام موسى عليه السلام يميل به نحو الذوبان في المجتمعات الأخرى كما أنه لا يمكن لليهودي عصرنة وتطوير تلك المفاهيم لأنها مفاهيم قومية تتعلق بالفوقية اليهودية وعصرنتها تفقدها الكثير من خصائصها الوحدوية للشعب العبري. إن خلق يهودي جديد فشل مع الكثير من الأمم التي حاولت ذلك سابقاً، لأن تحديث اليهودية يعني القضاء على النظم والأداء اليهوديين. ورغم كل ما تعرض له اليهود في الدول الأخرى لم يتخلوا عن أدائهم الديني ونظمهم السلوكية ونراهم اليوم نسخة طبق الأصل عن أسلافهم الذين عاشوا منذ قرون، والدولة العبرية القائمة يتحكم بأدائها الإرشاد التوراتي وعليه يمكن فهم سبب قتل إسحاق رابين لمجرد محاولته تغيير المفاهيم التعاملية، وكل المقيمين اليوم في الدولة العبرية يفهمون معنى السلام بالمفهوم التوراتي وليس بمفهوم البشر الآخرين، فالسفارديم الشرقيين يكرهون العرب أشد الكره، والصباريم مواليد الدولة مؤمنون أن التخلي عن شبر واحد من الأرض للعرب هو كفر بيهوه وأوامره، وأما الاشكيناز ذوو الأصول الغربية فينضح منهم الحقد على كل ما هو عربي، وهم أصحاب المفردات اللغوية السارية في الدولة العبرية من مثال "استرجاع" بدل سلب، وتنظيف أرض إسرائيل، وتطهير بدل احتلال "أصبحت الأرض جزءاً من الحضارة واللغة والضمير الإسرائيلي ووجد الإسرائيليون عجلاً ذهبياً يعبدونه من جديد"(5). اليهودية قامت على العنصرية والدين، وبغير هذين لن يكون لها وجود، فكيف يمكن جمعهما والسلام معاً؟

* السلام لمن؟
لم يعد اليهود يعملون وحدهم الآن، قويت السيطرة واتسعت المصالح، وأدمغة القادة باتت في تبعيتها لهم كالببغاوات، تردد المقولات اليهودية الخادعة، من مثال "الحلول الوسط" و"المستقبل المشترك" و"التسوية العادلة" و"السلام العادل"، عادل لمن وكيف؟ للفلسطينيين الذين فقدوا أرضهم أم للمغتصب الذي يحتل الأرض؟. ذات يوم وقف بنجامين فرنكلين في الكونغرس الأميركي محذراً أمته وقال "هناك خطر عظيم يهدد أمتنا هو خطر اليهود، أيها السادة، في كل أرض حلّ بها هؤلاء أطاحوا بالأخلاق والذمم، وإذا لم يبعدوا من الولايات المتحدة بنص دستوري فإنهم سوف يحكمونها ويغيرون شكل حضارتنا، وفي أقل من مائة عام، ولن تمضي مائتا سنة حتى يكون أحفادنا عبيداً لبيوتات المال اليهودية"(6)، أما نحن العرب فلم نحتج إلا لخمسين عاماً فقط لنرهن أنفسنا وأولادنا لبيوت المال اليهودية تحت شعار السلام، السلام لمن؟؟....


(1) يوسي ميلمان، كتاب الإسرائيليون الجدد ص 56.
(2) عاموس عوز، كتاب في أرض إسرائيل ص 38.
(3) مذكرات بن غوريون عن 16 نيسان 1948.
(4) الرابي يعقوب أرئيل، كتاب الإيمان الديني والسلام ص 210.
(5) الإسرائيليون الجدد ص 90.
(6) مذكرات بنجامين فرنكلين، جلسة إقرار الدستور الأميركي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع