نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في كتاب‏: تربية الطفل وفقاً لآراء ابن سينا والغزالي والطوسي‏

إعداد: محمود دبوق



الكاتب: محمد العطاران.
الناشر: الدار الإسلامية.
يُعدُّ هذا الكتاب من مجموعة الكتب التي لا يمكن أن يتجاوز المرء قيمتها، إذ أنَّ كثيراً من المؤلفات أو المحاضرات التي تتناول موضوع تربية الطفل تنحصر في تحليل هذه المشكلة، لكنها لا تقدّم حلولاً عملية تجمع بين القرآن والسنّة النبوية الشريفة إضافة لآراء المفكرين المسلمين وبعض الغربيين مثلما فعل هذا الكتاب.


* وجهات نظر المربين المسلمين حول الطفل:
يتضمّن هذا العنوان بعد المقدّمة تمهيداً للدخول إلى التفاصيل التي اعتمدها المربّون المسلمون كاستدلالات الغزالي المدعومة بالآيات القرآنية، وأفكار ابن سينا المرتبطة بالثقافة الإسلامية، والشيخ الطوسي قدس سره الذي اعتمد الآراء الإسلامية بما حمله الإسلام من شرائع، وأسماءٌ أخرى كالقابس وابن خلدون والشهيد الثاني وغيرهم.

* أهمية فترة الطفولة:
يتشعّب الحديث في هذا الموضوع لفقرات عديدة، منها ما يحدث عن التغيير من عالم الأجنّة إلى الطفولة ثم الصبا ثم الشباب فالشيخوخة، وهذا تطور ذو وجهين أحدهما عضويٌ والآخرُ معنويٌ، ويتركّز الكلام حول أهمية الطفولة التي تشكل أركان شخصية الطفل، أما في الفقرات المتبقية فيذكر الكاتب القدير نبذة عن الفلاسفة والمربين المسلمين ممن مرَّ ذكرهم فيسرد موجزاً لطيفاً عن حياة كل منهم بما يعطي للقارئ لفتة هامّة عن مقاماتهم العلمية أو الدينية، ويذكر بعض مؤلفاتهم التي تناولوا في بعضها الحديث عن تربية الطفل.

* الخواص النفسية للطفل:
تعالج هذه النقطة نظريات أربع تهتم بالطفل كإنسان منذ ولادته، ودراسة طبيعة السلوك والاستعداد الشخصي لهذا المخلوق المجبول على حب الخير تارة وميله باتجاه الشر أخرى.
* النظرية الأولى: تقول أن طبيعة الإنسان سيئة للغاية وأنانية وهو مستعدٌ للقيام بأنواع الرذائل في سبيل تحقيق رغباته.
* النظرية الثانية: تختلف مع الأولى من حيث الأساس، وتقول بحسن طبيعة الإنسان واعتباره موجوداً صالحاً وطاهراً.
* النظرية الثالثة: تقول بعدم وجود تباين في ذات الإنسان وأنه يميل بالتساوي إلى الحسن والقبح، وتقول بأن البشرية بأسرها أسيرة البيئة.
* النظرية الرابعة: تقول أن للإنسان فطرة خاصة ولا يمكن اعتبار الطفل صالحاً أو طالحاً بل أن لديه إمكانيات كامنة (الصيرورة) حيث أُودعَ في باطنه استعدادٌ لتقبُّل الخير والشر.

* الطفولة مرحلة نشوء العادات:
يُفردُ الكاتب لهذا العنوان مجالاً واسعاً إذ تشكِّل عناوينه الفرعية والتفصيلية ما يقرب ثلثَ الكتاب، ذلك لأهميّتهِ وما قدَّم فيه من آراءٍ للغزالي والخواجة الطوسي وابن سينا وبعض المفكرين الأوروبيين، حول كون العادات أساساً للتعليم فيما لو أصبحت ملكاتٍ في نفسِ الطفل فهي قادرةٌ على صقله في الاتجاه الصحيح، وأنَّ هناك ارتباطاً بين العادة والتربية إضافة إلى استعراض الرأي الآخر القائل "أن التربية هي فنٌ مهمتها منع إيجاد العادات لدى الإنسان". ويخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها أنه من المفيد أن نقدّم لأطفالنا العادات التي تمنحهم القدرة على التغلب على طبيعتهم وتقوّي إرادتهم وليس المطلوب إزالة الملكات والعادات بل المطلوب تعزيز قوى العقل والإرادة بشكل مستقل لتأخذ العادات الفعلية مكانها الصحيح.

* معارضو العقوبة البدنية ومؤيّدوها:
الحديث في النظرية الأولى "لمعارضي العقوبة البدنية للطفل" يتمحور حول أربع نقاط، ومن طروحات مناصري هذه النظرية "أن الألم شر والعقوبات هي بالضرورة شرور لأن ليس لها أثر سوى الألم". وتنتهي هذه النظرية بشرح مفصل تحدّد فيه ثمانية شروط للعقوبات البدنية مع التحذير من اللجوء إلى الضرب والتعذيب. أما النظرية التي تؤيد العقوبات فتعتمد على آراء المفكرين المسلمين المُؤيّدة بالآيات القرآنية وما جاء من الأخبار، مع شرح الأسس الفقهية للعقوبات التي تبيّن أن ضرب الأولاد هو للتأديب لا لإجراء الحد عليهم كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: "لا حدَّ على الأطفال ولكن يؤدّبون أدباً بليغاً"(1).

* عوامل التربية:
عدَّد الكاتب عوامل التربية بخمسة وهي: "الوراثة، والتغذية، والأسرة، والمعلّم والمدرسة، والأصحاب" فالوراثة تلعب دوراً هاماً في اكتساب الطفل للعديد من الصفات لذا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "تخيّروا لنطفكم فإن العرق دساس". وأمَّا التغذية فقد نبّه الإسلام إلى حرمة الأكل من المال الحرام، وأن الحلال منه يُنتجُ الرقّةَ والحبَّ والعلمَ والحكمة، وفي موضوع الأسرة فهي البيئة الأولى للطفل ولها الدور المهمُّ في نمو شخصيته وسلوكه، وقد أحاط الكاتب العلاقة القائمة بين الطفل ووالديه بعناية فائقة، وذكر رأياً للشيخ الطوسي قدس سره نقتطف بعضاً منه حيث يقول: "... إنَّ حقوق الآباء حقوقٌ روحية، ولأجل ذلك يصحُّ معاقبة أولادهم، وأمّا حقوق الأمهات فهي حقوق جسمية، ولأجل ذلك يميل الأولاد لأمهاتهم، فيجب على الأبناء أداء حقوق آبائهم بالإطاعة والدعاء وطلب المغفرة لهم، وأمّا حقوق أمهاتهم فذلك ببذل الأموال وتوفير مستلزمات الحياة والإحسان إليهن". أما بخصوص المعلم والمدرسة، ونظراً لاقتداء التلامذة بأساتذتهم لأنهم يصغون لكلامهم ويترقّبون حركاتهم ويحبّون ما أحبوا ويقبحون ما قبّحوا، فمن المفترض وكما بيّن المربون المسلمون أن يتمتّع المعلّم بخصائص عديدة نذكرُ منها: الشفقة، والجمع بين العلم والعمل، وحسن المظهر، والتديّن والإخلاص إضافة للوقار والسكينة. وفي أهميّة الأصحاب والدور الذي يلعبونه في مسلكية الطفل كصديق فقد ركَّز الدين الحنيف على اختيارهم لأنه اختيارٌ للدين واعتبارٌ للمرء باعتبار صاحبه فيقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "مثل الجليس الصالح مثل العطّار إن لم يعطكَ من عطرهِ أصابك من ريحه"(2).

* المواد التعليمية
يستهدف المسلمون من التربية والتعليم أموراً دينية، خصوصاً تعريف الأطفال على القرآن الكريم لأنه محور تعليمهم، ولا بدَّ من اتباع أفضل الأساليب لأجل الوصول لهذه الغاية، ومن المفيد أن يتعلّم الطفلُ الشعر وقواعد اللغة العربية إضافة لعلم الرياضيات وأمور أخرى، وبعدها يصار إلى تدريسه القرآن دون مواجهة صعوبات تذكر، ويتحدث الكاتب عن القصة كأسلوب من أفضل الأساليب، لما فيها من العبر، وتعتبر من الأساليب الناجحة التي اعتمدها القرآن الكريم حيث يقول تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" (يوسف: 111). ويختم الكاتب بالحديث عن العلوم الطبيعية ورأي المسلمين فيها إضافة للحديث عن مكانة الرياضة في المنهج التعليمي كونها توفر الفرصة اللازمة للأطفال لإيجاد التوازن بين نشاطاتهم الفكرية والبدنية كما تطرَّق لموضوع اللّعب الذي يساهم في إزالة تعب التعليم عن الطفل، وهو إذا ما أُجبِرَ على الدراسة دوماً ومنع من اللعب فإنَّ ذلك سيؤدي إلى موت قلبه وانخفاض نسبة ذكائه. الكتاب يقع في مئة وثمانين صفحة من القطع الوسط ويتضمن الكثير من الإرشادات والنصائح لمن يرغب بتربية ولده كما أمرت الشريعة الغرّاء.


 (1) تربية الطفل، ص‏88.
(2) وسائل الشيعة،ج‏14، كتاب النكاح، ص‏29.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع