نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

اليهود والمسيح عليه السلام في السينما الأميركية: جدل وانقسام‏

زينب الطحّان

 



"إنه الليل يخيم على حديقة هادئة شبه مهجورة في القدس. رجل يؤدي الصلاة، أصدقاؤه نائمون على مسافة قريبة منه. نحن نشهد الساعات الأخيرة في حياة السيد المسيح. الناصرة في ربيع العام ثلاثين تقريباً، أثناء عيد الفصح اليهودي البلاد يهودا القرن الأول، وإسرائيل بداية القرن الحادي والعشرين...". ربط مدهش أتقنه كاتب المقال جون ميتشام في صحيفة "News week" في عددها الصادر في 24 شباط 2004 بين وجود اليهود في فلسطين القديمة أيام الحكم الروماني وبين وجودهم اليوم كحكام لها. وهذا الربط لا يأتي عبثاً عندما تعرف أن هذه البداية المؤثرة للمقال إنما موضوعها نقد فيلم يجري حوله الكثير من الجدل والاتهامات ولا سيما الاتهام الأول وهو "معاداة السامية" في فيلم "THE PASSION OF CHRIST" (آلام السيد المسيح) للممثل والمخرج الأميركي ميل غيبسون الذي تحمّل نفقات إنتاج فيلمه بعدما رفضت أضخم شركات الإنتاج السينمائية الأميركية تبنيه. هذا الفيلم المؤثر يعيد أحد الأسئلة الأكثر إشكالية وتعقيداً، في ما يقوله التاريخ حول ساعات المسيح الأخيرة ومسؤولية اليهود في صلبه. ويثير الفيلم إنقساماً حاداً في أميركا بين مؤيد ومنتقد ومتهم.

* الاتهام بتقويض مساعي اليهود
ليس مستغرباً إصرار غيبسون على إنتاج الفيلم رغم كل الإنتقادات والإتهامات الموجهة له مذ كانت فكرة الفيلم مجرد مشروع ينوي تنفيذه، عندما نعرف كما يصفه ميتشام في مقاله أنه روماني كاثوليكي محافظ جداً، ووالده "هاتن غيبسون" يرفض أيضاً الانحرافات البابوية الثانية وأهمها تبرئة الشعب اليهودي من دم المسيح، ولا يتوانى عن نعت المحرقة اليهودية الشهيرة بأسطورة "الهولوكست" بأنها كذبة. وهذا كان كافياً لأن يعلن اليهود الحرب عليه بمجرد إعلانه القيام بإخراج هذا الفيلم، لا سيما أنه قدّم مشروعه في إطار "الرواية الحقيقية" المنبثقة من رواية الأناجيل الأربعة. والتي يقول ميتشام، ناقد الفيلم عنها، قبل عرضه: "الروايات المسيحية حُرّفت أحياناً لتلقي بمسؤولية إعدام المسيح على أقدام الشعب اليهودي. وهو تحريف ما انفك يوقد منذ وقت طويل نيران معاداة السامية". ويتهم ميتشام غيبسون بأن اختياره لطريقة وصف الشعب اليهودي والرومان في حكاية آلام المسيح "بأنهم الأشرار الذين يطالبون بموت المسيح مرة بعد مرة، من شأنه أن يقدم للمشاهدين صورة مضللة لما قد يكون قد حدث قبل زمن طويل في تلك الساعات الأخيرة الملحمية"... من الملفت أن يتهم ميتشام غيبسون بتضليل الرأي العام. ولكن على ما يبدو أنه مسيحي بروتستاني حداثي من اتباع ومؤيدي نصوص العهد الجديد. وهو إنجيل دمج مخطّوه نصوص التوارة بالأناجيل الأربعة وفيه تم تبرئة اليهود من دم المسيح، وهم الطائفة التي تعرف بالمسيحية الصهيونية. من هنا تنشأ حرب إعلامية وثقافية حادة في الولايات المتحدة الأميركية بخصوص ما يثيره الفيلم من إشكاليات يحاول اليهود محوها من ذاكرة الغرب المسيحي، وهي تهدد ما يسعى إليه اليهود منذ قرون باعتراف ميتشام نفسه "بأن الكثير من الزعماء وعلماء اللاهوت اليهود يخشون أن الفيلم بتشخيصه لشيوخ الشعب اليهودي ولرئيس الكهنة قيافا، وهو يقود حشداً غاضباً قد يبطى‏ء أو ربما يعكس 40 عاماً من العمل الذي يشرح الروابط المشتركة بين اليهودية والمسيحية".

* عقدة الذنب المسيحية
ودافع غيبسون عن الفيلم بقوة ضد إتهامات معاداة السامية. وكي يتقي شر اليهود، وهو الذي يعرف حجمهم في بلاده وما يقدرون عليه صرّح للشبكة الكاثوليكية العالمية قائلاً: "لا أريد أن أعلق أحداً من اليهود.. إنني أحبهم، وأنا أصلي من أجلهم..". إنها أيضاً عقدة الذنب التي يعيشها الغربي المسيحي من إضطهاد المسيحيين لليهود تاريخياً بسبب ما فعلوه بالمسيح.. والاعتقاد الذي يحاول اليهود تجذيره بأن الكتب المقدسة فُسّرت بشكل خاطى‏ء منذ فترة طويلة لتبرير العنف ضدهم وبذلك هي معادية للسامية دون أن تقصد، وهذا ما يحاولون تصحيحه.. وهذا هو التحريف بعينه للمسيحية من قبل اليهود حتى منذ العهود الرومانية الأولى وليس بعد نشوء الصهيونية وأساطيرها فحسب. ولكن الرواسب الدينية، المرتبطة بأصول المسيحية التقليدية والتي يمثلها غيبسون تدل بوضوح على إشارات تمرد على هذا الثقل التاريخي الذي تحمله اليهودية للمسيحية والمسيحيين. على أي حال هناك آمال معقودة على هذا الفيلم أن يعيد الناس إلى الارتباط بالدين مجدداً من خلال التأمل والتبصر بآلام السيد المسيح التي أعطاها غيبسون حيزاً مهماً في فيلمه بلغت خمساً وأربعين دقيقة. ولكن من يراقب حجم الاعتراضات والاتهامات ضد الفيلم وحجم الاقبال عليه بعدما رفضت كل الصالات الأميركية عرضه، رغم إطلاع البابا عليه والموافقة على نصه وأدائه، ثم عرضه في أكثر من أربعة آلاف صالة، يدفعنا إلى التأمل قليلاً لنقول أنه قد يتمكن هذا الفيلم والجدل الثقافي الإيديولوجي الذي يثار حوله أن يساهم في إعادة التفكير ملياً في مسألة تبرئة اليهود من دم المسيح، إذ بدأت الجموع من الشعب الأميركي بالقراءة حول تاريخ المسيح وآلامه، خصوصاً أن هذا العصر يشهد ارتداداً ملحوظاً بإتجاه الأديان على مستوى العالم..

* المسيح عليه السلام والرؤية الإسلامية في السينما لأول مرة:
هنا يدعونا المقام للتساؤل حول فيلم "عيسى المسيح" للمخرج الإيراني طالب زادة، والذي يعمل عليه منذ خمس سنوات تقريباً ولم يرَ النور بعد. فهذه الرؤية من الإنتاج الإيراني تحمل إيديولوجية الإسلام وتصويره الواقعي والوقائعي لملحمة النبي عيسى عليه السلام، وخيانة أحد تلاميذه له وخذلان اليهود عموماً ودورهم الحقيقي في العمل للقضاء عليه وعلى رسالته، مع فارق أن مسيحنا رفع إلى السماء ولم يصلب. من المعروف أن المسيحية والإسلام يلتقيان حول الكثير من الأمور والمسائل المشتركة ومنها هذه القضية خذلان اليهود للسيد المسيح وتكذيب دعوته واضطهاد أتباعه. فماذا نتوقع عندما تبدأ عروض الفيلم الإسلامي الإيراني، وهو الرأي الآخر لهذه الواقعة القضية التاريخية؟!! حتماً ستقوم قائمة اليهود، وسيُتهم الإيرانيون بمعاداة السامية وأنهم يقوضون فرص السلام بين الشرق والغرب وإلى آخر قائمة الاتهامات.. فهل يمكننا التفاؤل حول وحدة الموقف المسيحي والإسلامي إثر عرض هذا الفيلم، حول ما مارسه اليهود من تحريفات بحق المسيح ورسالته أم أن إعتراض المسيحيين سيكون أقوى حول الرؤية الإسلامية لحياة السيد المسيح وآلامه، وأنه ولد من دون أب، ولم يصلب أو تدق المسامير في جسده الطاهر؟!! وربما سيلعب اليهود دوراً مهما في استغلال هذه الفوارق لإشعال حرب إيديولوجية بين أتباع الديانتين!! التوقعات كثيرة والأيام القادمة وحدها ستحسم الموقف العالمي حول الرؤية الإسلامية لحياة المسيح عليه السلام.
اليهود المتنفذون في الغرب يدركون حقيقة دور السينما العالمية وما يمكن أن تؤديه من أثر وتغيير في تشكيل الرأي العام. من هنا تأتي محاربتهم للعديد من الأفلام التي تنهج الدين رسالة لمصلحة الإنسان وبقائه نحو الأفضل. وفي المقابل هم يدعمون ويموّلون كل الأفلام التي تتناول قضية المسيح اليهودي المخلص وفق الرؤية التوراتية، حيث يقلبون بها كل القيم والمعايير ويرسمون أمام العالم الراهن رؤية واحدة لنهاية التاريخ وبأنهم صانعوها.

* في الحلقة القادمة: الأفلام التوراتية حول المسيح اليهودي المخلص في تاريخ السينما الغربية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع