صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

الديمقراطية كنظام للحكم هل هي البديل الحضاري؟

موسى حسين صفوان‏

 



"يحاول البعض أن يزرع الوهم في الساحة الثقافية بأن الديمقراطية يمكنها أن تعمل بدون شروط أو بدون قيود، وأنها هي الحرية الحقيقية... وينتقد النظام الإسلامي لأنه يضع بعض القيود من خلال تشريعاته وقوانينه لكنه يبرر للقيود التي تضعها الأنظمة الرأسمالية أو الاشتراكي ة أو غيرها باسم الديمقراطية"(1)، وإزاء هذه الحساسية المفرطة لأي مشروع أو نظام إسلامي، تبرز مدارس متشددة ترفض عناوين الحداثة. وتمارس قطيعة حقيقية مع كافة المدارس الاجتماعية والسياسية المعاصرة. وفي المقابل هناك مدارس توفيقية بغض النظر عن دوافع أصحابها تحاول التوفيق بين المدارس السياسية والاجتماعية المعاصرة وبين الإسلام.

في مقابل ذلك هناك مدرسة معتدلة تدّعي أن هناك تقاطعاً أو ربما تشابهاً بين النموذج الإسلامي والنموذج الديمقراطي دون أن تفقد أي منهما خصوصيتها ف"القول بنموذج الحكومة من أجل الشعب يعني أن هذه الحكومة تكون مسؤولة أمام الشعب أي أنه يلعب دوراً في منح المشروعية للحكومة، ويتطابق هذا الرأي مع النموذج الديمقراطي"(2) ولعل أصحاب هذا النهج يقصدون الإشارة إلى قيم الحرية الموجودة في النظام الإسلامي والتي تحكمها ضوابط تفتقد إليها الحريات الفردية التي يتأسس عليها النظام الليبرالي الغربي، لذلك يذكرون أن "ثمّة فئتان تعرِّضان الشعب إلى الخطر في هذه المرحلة الحسّاسة، إحداهما أولئك الذين يعارضون الحرية، والأخرى هي التيار الذي يعارض الدين(3)... والسؤال الآن، ما هي الديمقراطية؟ وهل يمكن التوفيق بين الديمقراطية والإسلام؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نتعرف بإيجاز على الديمقراطية وأهم القيم التي تمثلها نظرياً وعملياً... ثم نعرض ذلك على قيم ومبادئ‏ الحكم في الإسلام...

* ما هي الديمقراطية؟
ظهرت كلمة الديمقراطية في أوروبا في الفترة اليونانية (أثينا) وتعني (ديمو Demo) أي الشعب، والأدق أنها تعني قطعة من الأرض التي تعود إلى جماعة معنية، و (قراط Grate) وتعني الحكم أو بشكل أدق "الماسك بالسلطة" أو شكل الحكومة. ثم ظهرت في العهود اليونانية (الأخرى) وبعض العهود الرومانية، ثم اختفت لتعود إلى الظهور مع العصور الحديثة خصوصاً مع الثورة الفرنسية(4). أما بالنسبة لمفهوم الديمقراطية الاصطلاحي الذي اكتسبه المصطلح من خلال الممارسة العملية، فهي تتلخص بأن "الشعب هو مصدر السيادة، ومصدر الشرعية (كما يعبر مونتسكيو)(5) وبالتالي فإن الحكومة مسؤولة أمام ممثلي المواطنين، وهي رهن إرادتهم، وتتضمن مبادئ‏ الديمقراطية ممارسة المواطنين لحقهم في مراقبة تنفيذ هذه القوانين بما يصون حقوقهم العامّة، وقيام تنظيم الدولة وفق مثال "حكم الشعب لصالح الشعب بواسطة الشعب"(6).(كما يقول إبراهام لنكولن)(7) ويدعي أنصار الديمقراطية أنها تحفظ حقوق الفرد والتي تشمل حق التجمع، وحق الاقتراع والترشيح للمناصب العامة، وتضمن حرية الكلام والتعبير والاعتقاد. لم تستطع الديمقراطية أن تشكل قواعد وتشريعات للحكم فهي مجرد سلطة تعبر عن حاكمية الشعب سواء مباشرة كما كان يحصل في (أثينا)، أو غير مباشرة، سواء عن طريق الحكم الرئاسي القائم على انتخاب الشعب للسلطات التنفيذية، أو التمثيلي، القائم على انتخاب ممثلين ليشكلوا (البرلمان) الذي يمثل الشعب... لذلك طرحت الديمقراطية دائماً مع شريك يمثل المضمون التفصيلي التي تتكفل مؤسسات ومجالس الديمقراطية بتطبيقه، فهي تارة الديمقراطية الاشتراكية، وأخرى الديمقراطية الليبرالية، وأحياناً الديمقراطية الدستورية، أو الديمقراطية الموجَّهة، وفي كل مرّة كانت مؤسسات الديمقراطية لا تعدو كونها إطاراً لتلك النظم التي تختلف وتتباين باختلاف وتباين الأيديولوجيات التي تتبناها... فالدستور مثلاً في الديمقراطية الليبرالية، القائم على مبادئ‏ العلمانية والنظام الاقتصادي الحر، (نظام السوق) يختلف كلياً عن الدستور المعمول به في النظام الديمقراطي الاشتراكي القائم على أسس أيديولوجية واقتصادية اشتراكية، وكذلك بالنسبة للنظم الموجهة الأخرى... غير أن هذا التفاوت في تطبيق الديمقراطية لا يسجل نقطة لصالح هذا النظام الذي يعتمد على قوة الرأي العام وتأثيره، لأنه من ناحية يتضمن الكثير من المعضلات التي لم تفارقه منذ نشأته الأولى، ومن ناحية أخرى يفتقر بذاته إلى قيم ومبادئ‏ خاصة في الحكم بحيث يسمح لمفاهيم خاطئة بالتسلل إلى أذواق الرأي العام، وبالتالي تنحرف مسيرة المجتمع نحو الأسوأ.

* معضلات الديمقراطية:
منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها الديمقراطية، يمكن القول، بدأت بخطوة عاثرة، حيث سمحت هذه الديمقراطية بمحاكمة الفيلسوف العظيم "سقراط" والحكم عليه بالإعدام... وما ذلك إلا لإمكانية تسلل المفاهيم الخاطئة وربما المفاهيم التي تدمر الإنسانية، وقد سجل المراقبون جملة من المعضلات التي شابت النظم الديمقراطية، حتى ليمكن القول أن الديمقراطية لم تكن في يوم من الأيام خالية من تلك الشوائب المميتة، ومن تلك المعضلات:

أ- امتلاك القلَّة الغنية لوسائل الإعلام والتأثير على الرأي العام لأن الأكثرية في هذه الحالة تصبح منفعلة متأثرة بالنظام السياسي أكثر من كونها مؤثرة فيه وصانعة لقراراته.
ب- الطبقات الفقيرة في المجتمعات الرأسمالية تكون (في الغالب) أقل وعياً وأقل حماساً وقدرة على المشاركة في الحياة العامة، وأضعف إمكانية في توفير المصادر الضرورية والكافية لممارسة حقها في بناء التنظيمات السياسية.
ج- نشوء النظريات النخبوية داخل الأطر الديمقراطية والتي تنهي حاكمية الشعب باسم الشعب.
د- الإنقسامات الأقليمية والعشائرية التي تعمل ضد التصرف العقلاني للمواطن، وتمنع وصول الأكفاء إلى السلطة.
ه- تدخل الدول الأجنبية، خاصة في البلدان التي تتمتع بثروات طبيعية، وممارسة الضغط على المؤسسات الديمقراطية.
و- تأثير وسائل الإعلام والمال السياسي، والرشاوى التي أصبحت من سمات النظم الديمقراطية، وتمثل مادة دسمة للفضائح الإنتخابية(8)...

ويكفي ملاحظة ما أدّت إليه النظم الديمقراطية الليبرالية في البلدان الغربية من تفكك أسري وأمراض اجتماعية وتشريعات شاذة ومنحرفة، للحكم على هذا الإطار الذي يحاول بعض المثقفين تسويقه والترويج له، وتحاول ثقافة العولمة طرحه باعتباره النظام العالمي الجديد، والقيم الحضارية للإنسان الأخير. ولعله يكفي في إعطاء حكم شبه نهائي حول الديمقراطية أن نذكر أن ماركس "لم يخجل (وكذلك) أنصار المدرسة الماركسية، من تسمية نظامهم بديكتاتورية البروليتاريا أو ديكتاتورية العمال والفلاحين، بل اعتبر ذلك من باب العلمية وتسمية الأمور بأسمائها وهذه التسمية لم تأتِ اعتباطاً أو تفاخراً بالانتماء إلى الديكتاتورية، بل جاءت بعد تحليل ومتابعة طويلة للمجتمع الليبرالي أو (البرجوازي الرأسمالي) لتؤكد في النهاية أن ديمقراطية البرجوازية هي في الحقيقة ديكتاتورية"(9). والسؤال اليوم هل نقبل الديمقراطية كنظام للحكم بعد أن نسبغ عليها من لباس القيم والضوابط الإسلامية، أم إن علينا أن نقوم بطرح النظام الإسلامي بديلاً حضارياً لمعالجة أزمة الديمقراطية المعاصرة؟ ؟


(1) د. عادل مهدي، الديمقراطية والثيوقراطية، مركز فلسطين للدراسات والبحوث.
(2) محمد خاتمي، الديمقراطية وحاكمية الأمّة، ترجمة سرمد الطائي، دار الفكر 2003، ص‏18.
(3) المصدر السابق، ص‏29.
(4) د. عادل مهدي، الديمقراطية والثيوقراطية، المقدمة.
(5) مونتسكيو Montesquieu (1689 1755)، كاتب فرنسي له مؤلفات اجتماعية سياسية أهمها (روح الشرائع) الذي كان له تأثير كبير في تطور الدستور الفرنسي إبان الثورة و"الرسائل الفارسية". (المنجد للغة والإعلام).
(6) د. عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2. 1991، ج‏1، مادة الديمقراطية، ص‏75 وما بعدها.
(7) رئيس أميركي يعزى إليه قانون تحرير العبيد.
(8) بتصرف عن موسوعة الكيالي.
(9) عادل مهدي، الديمقراطية والثيوقراطية، ص‏17.


في العدد القادم: الإسلام والديمقراطية

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع