نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله‏: تأثير اللباس في نفس الإنسان‏


لا بد للإنسان الطالب للحق والارتقاء الروحاني أن يحترز في انتخاب مادة اللباس وهيئته مما يكون له تأثير السوء في الروح، ويخرج القلب عن الاستقامة، ويغفله عن الحق ويجعل وجهة الروح دنيوية، ولا يتوهم أن تسويل الشيطان وتدليس النفس الأمّارة بالسوء إنما هو في اللِّباس الفاخر الجميل فقط، وفي التجمل والتزين فحسب، بل باللباس الخَلِق الذي لا قيمة له الذي ربما يسقط الإنسان عن درجة الاعتبار، ومن هذه الجهة لا بد للإنسان أن يحترز من لباس الشهرة، بل من مطلق المشي على خلاف العادة والمتعارف، كما أنه لا بد أن يحترز عن الألبسة الفاخرة التي تكون مادتها وجنسها قيِّمة وتكون هيئتها وخياطتها جالبة للأنظار ومشاراً إليها ... لأن قلوبنا ضعيفة وغير ثابتة، فبمجرد الامتياز والتعين يزلّ وينحرف عن الاعتدال. فالإنسان المسكين الضعيف العاري من جميع مراحل الشرف والإنسانية وعزة النفس وكمال الآدمية والبري‏ء منها وما يتفق أنه بواسطة أذرع من الثوب الأبريسم الحرير أو من الصوف وقد قلّد في خياطته الأجانب مع أنه تمكن منه بقيمة هي بيعه شرفه وارتكابه أنواع العار، ينظر إلى عباد اللَّه بنظر الحقارة والكبر ولا يعطي لموجود قيمة وهذا ليس إلا من كمال ضعف نفسه، وقلة ظرفيته، حيث يتوهم أن فضلات القز الحرير ولباس صوف الغنم موجبة لاعتباره وشرفه.

أيها الإنسان المسكين، ما هذا الضعف؟ وما هذه المسكنة فيك؟ فشأنك أن تكون فخراً لعالم الإمكان وخلاصة للكون والمكان، أنت ابن ادم، وشأنك أن تكون معلماً للأسماء والصفات، أنت ابن خليفة اللَّه، وشأنك أن تكون من الآيات الباهرات، ومن هذه الجهة قال أمير المؤمنين عليه السلام كما رواه القطب الراوندي "من لبس ثوباً غالياً فلا بد من التكبر، ولا بد للمتكبر من النار". كذلك في هيئة وكيفية قصِّه وخياطته آثار ربما يحصل للإنسان الذي شبّه لباسه بالأجانب عصبية جاهلية للأجانب، ويتضجر ويتنفر من اللَّه ورسوله، ويكون أعداء اللَّه وأعداء رسوله محبوبين عنده، ولذا ورد في الرواية عن الصادق د: "إن اللَّه تبارك وتعالى أوحى إلى بعض أوليائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تأكلوا كأعدائي ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي". فكما أن للألبسة الفاخرة جداً في النفوس تأثيراً كذلك للألبسة الدنيّة جداً من حيث المادة والجنس، ومن حيث الهيئة والشكل في النفوس تأثيراً، وربما يكون فساد هذا اللباس أشد بمراتب من تلك الألبسة الفاخرة لأن للنفس مكائد دقيقة جداً، فمجرد أن يرى السالك نفسه من النوع الممتاز بأنه لبس اللباس الخشن والكرباس، ولبس سائر الناس الألبسة اللينة اللطيفة، فبواسطة حب النفس يغفل هو عن عيوبه ويحسب هذا الأمر العرضي وغير المربوط به سبباً لافتخاره، وربما يعجب بنفسه ويتكبر على عباد اللَّه، ويحسب سائر الناس مبعدين عن ساحة القدس للحق، ويرى نفسه من المقربين ومن خلص عباد اللَّه وربما يبتلى بالرياء وسائر المفاسد العظيمة فالمسكين اقتنع من دون جميع مراتب المعرفة والتقوى والكمالات النفسانية باللِّباس الخشن، ولُبس الخَلْق، وغفل عن الآلاف من عيوبه التي من أعظمها هذا العيب الذي حدث فيه من سوء تأثير هذا اللباس، وحسب نفسه من أهل اللَّه مع أنه من أولياء الشيطان، وحسب عباد اللَّه لا شي‏ء وبلا قيمة وكذلك أيضاً ربما توقع هيئة اللباس وكيفية الإنسان بمفاسد مثل أن يرتب اللباس على نحو يشتهر بالزهد والقدس.|

وبالجملة لباس الشهرة في جانب الإفراط أو في جانب التفريط من الأمور التي تزلزل القلوب الضعيفة وتخلِّصها من مكارم الأخلاق وتوجب العجب والرياء والكبر التي كل واحد منها من أمهات الرذائل النفسانية والموجب للركون إلى الدنيا، وعلاقة القلب بها هو رأس كل الخطيئات، ومنبع جميع القبائح. وفي الأحاديث أيضاً أشير إلى كثير من الأمور المذكورة كما في الكافي الشريف عن الصادق عليه السلام: "إن اللَّه يبغض شهرة اللباس". وعنه أيضاً: "الشهرة خيرها وشرها في النار" وعنه عليه السلام: "إن اللَّه يبغض الشهرتين، شهرة اللباس وشهرة الصلاة" وقد روي عن رسول اللَّه ا ما معناه "من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه اللَّه ثياب الذل يوم القيامة". عن مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام: "أزين اللباس للمؤمنين لباس التقوى وأنعمه الإيمان". وقال اللَّه عزَّ وجلّ‏َ: "وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ " وأما اللباس الظاهر فنعمة من اللَّه بستر عورات بني ادم وهي كرامة أكرم اللَّه بها عباده من ذرية ادم بما لم يكرم غيرهم، وهي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض اللَّه عليهم، وخير لباسك ما لا يشغلك عن اللَّه عزَّ وجلّ‏َ بل يقربك من شكره وذكره وطاعته، فلا بد لك أن تحترز في مادة اللباس وهيئته مما يوجب الغفلة، والبعد عن ساحة قدس الحق، وتعلم أن في اللباس بل في جميع الأمور العادية أموراً تُغفِل الإنسان عن الحق وتُشْغِله بالدنيا وتبتليه بالعجب والرياء والتزيين والمفاخرة والخيلاء فإنها من آفات الدين ومورثة لقسوة القلب. وليكن باطنك في ستر الرهبة وظاهرك في ستر الطاعة ؟

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع