نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

ندوة: القدس محور زوال إسرائيل‏


أقام مركز الإمام الخميني الثقافي ندوة فكرية تحت عنوان "القدس محور زوال إسرائيل" استضاف فيها كلاً من الشيخ حاتم إسماعيل ضمن محور: "القدس في التراث الديني" والشيخ محمود كرنيب ضمن محور "زوال إسرائيل على ضوء سورة الإسراء" وقدم للندوة وأدار الحوار السيد علي فضل اللَّه، وقد حضر الندوة حشد من الشخصيات العلمائية والثقافية والمهتمين.

* الشيخ حاتم إسماعيل‏
مما جاء في كلمة الشيخ حاتم إسماعيل حول موقع القدس عند اليهود: "إنه من ناحية التاريخ الديني والاجتماعي لبني إسرائيل، والذي يبدأ مسيرته مع رحلة إبراهيم د، مروراً بمرحلة موسى د، وصولاً إلى عهد داود وسليمان د، فإن مدينة القدس لم تكن ذات أهمية تذكر، طيلة هذا التاريخ، كما تدل عليه أسفار التوراة...

أ- ففي زمان إبراهيم د نجد أنه لم يرد لها أي ذكر في كلامه، بل كان متجولاً في أنحاء فلسطين ومصر، وكان موطنه عند بلوطات، ممرا قرب حبرون(1)، أي الخليل، ويوجد فيها القبر المنسوب إليه د...
ب- كما أنه في زمان موسى د، وهو زمان نزول الشريعة، وبيان سائر المقدسات الموسوية لم ترد لها أية إشارة تدل على أنها كانت تحتل أي مستوى من القداسة والأهمية، رغم طول الفترة الزمنية التي رافقت دعوته من حين بعثته وإلى حين وفاته د.

إن أول ذكر لها ورد في التاريخ الكتابي كان في سفر يشوع، يقول الكاتب: "وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم"(2)... إلاَّ أنه في أوائل سفر القضاة يعود ويذكر أنهم قد أخذوها من أهلها عنوة، وضربوها بحد السيف وأحرقوها بالنار(3)... مع أن سياق الحديث في نهاية سفر يشوع وبداية سفر القضاة يدل على أن كاتبهما شخص واحد... هذا بالإضافة إلى أن ضربها بحد السيف وإحراقها بالنار ينافي أن تكون مدينة السلام والأمن بالنسبة إليهم، كما هو المستفاد من اسمها. وعلى فرض عدم المنافاة بين الأمرين: فإن جرأتهم على ضربها وإحراقها، تكشف عن عدم ائتمانهم على صيانتها والحفاظ عليها. ولكنه تبين في ما بعد، وفي سفر القضاة نفسه، أنها كانت لا تزال وثنية، لم يدخلها أحد من بني إسرائيل... وهكذا نقرأ ثلاث روايات متناقضة، رغم تقاربها في مواضع الأسفار، فلم يتضح إن كان قد حاربها بنو إسرائيل فعلاً وأحرقوها، أم أنهم لم يقدروا على أهلها فسكنوا معهم، أم أنه لم يدخلها أحد منهم... وعلى جميع التقادير فليلاحظ أنه عبَّر عنها بمدينة اليبوسيين، وهو يشير إلى أنها حتى ذلك التاريخ لم تكن تتمتع بأي انتساب لبني إسرائيل. والحاصل: أن مدينة القدس لم تكن ذات بعد ديني عند اليهود مطلقاً، وإنما اكتسبت أهميتها بالنسبة إليهم، من حالة الصراعات السياسية التي توالت عليها، حتى صارت عاصمة المملكة، أيام داود وسليمان م... مع أن الثابت تاريخياً أن مملكة داود لم تكن إسرائيلية بالمعنى القومي أو العنصري، وإنما كانت مملكة دينية إلهية، ولهذا كان أكثر جنوده من غير اليهود(4)...

وبناء عليه، فإن الزعم اليهودي لملكية المدينة يبقى بلا مبرر مقبول من الناحية المنطقية، بعد عدم كون المملكة إسرائيلية بالمعنى الذي يريدونه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أحكام التوراة لو فرضت دلالتها على ما يدَّعيه اليهود من حق استناداً إليها فقد نُسخت، ولم تعد صالحة للتنفيذ والإجراء بين اليهود أنفسهم، فضلاً عن الآخرين، بمقتضى ما ورد في سفر أشعياء، حيث يقول: "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه كل الأمم، وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلمّ‏َ نصعد إلى جبل بيت الرب، إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب، فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب فيما بعد"(5).

* الشيخ محمود كرنيب‏
ومما جاء في كلمة الشيخ محمود كرنيب:
"يقول تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا  ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا  عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (الإسراء/4 8) بعد معالجة الآيات على ضوء أقوال المفسرين والمباحث اللغوية والتاريخية نذكر عدة أمور حول الايات:

أ- هناك عناية خاصة لتأكيد حصول مضمون ما أخبرت به الايات بدءاً ب (قضينا) إلى شتى أنواع التأكيدات التي اعتبر بعضهم أنها تفوق العشرات، وذلك لتحويلها قضية يقينية ووجدانية ولعل ذلك لأنه عند حصول مقدمات الوعد خصوصاً ثانيهما مع العلو والتأييد والنصرة العالمية لبني إسرائيل، التي يدل عليها "أكثر نفيراً" والقدرة المالية "أمددناكم بأموال" يوهم ذلك اليهود من جهة بأن ملكهم إن لم يكن أبدياً فلا أقل من أن يكون ذا عمر مديد، فلا قدرة حينها لعدوهم على هزيمتهم وتحويل علوهم أنقاضاً. ومن جهة ثانية أن ذلك كلُّه مع ضعف من يتوقع منهم مواجهة ذلك، يوهم المسلمين والمؤمنين أن لا إمكانية لحصول الغلبة على بني إسرائيل ودولتهم، فالسياق الذي تسير فيه الأمور ينبئك بعكس ما يقرره القران ولذا احتاج إلى هذا العدد من التوكيدات.

ب- إن تحويل مسألة دمار دولة بني إسرائيل مع قوتها وقدرتها وعلوها، إلى مسألة يقينية وجدانية، لعل أحد أهدافه هو إيجاد الأمل عند المؤمنين بحتمية هزيمة هذا المشروع ودك كيانه ولإعطاء المؤمنين ثقة وأملاً ليتحركوا لتحقيق هذا الوعد وتحويله إلى واقع.

ج- استخدم المولى سبحانه لام العاقبة في إنفاذ الوعد الآخر ليسُئُوا وليتبروا ... التي تفيد حصول غير ما يؤمِّل ما قبلها، وغير ما يتوقع، ولعل ما يصاب به بنو إسرائيل إنما يعظم ويكبر بقدر ما يكون مخالفة للمرجو والمأمول التي توصي به المقدمات (الأموال البنون العلو كثرة النفير) لتصبح هذه الخيبة كما قال تعالى: ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ.

د- المولى عندما أشار إلى المبعوثين ذكرهم بصيغة النكرة المنونة "عباداً لنا" وهذا في مثال هذه الاستعمالات يظهر من أنهم قلَّة ومجهولون، ولعلهم غير متوقعين من قبل المعنيين بالإفسادين والعلو.

ه- إن المبعوثين هم مؤمنون وهذا ظاهر من جملة أمور منها أنه تعالى نسبهم إليه نسبة تشريف "عباداً لنا" ومنها أنهم بعث اللَّه "بعثنا" ولا يصح هذا النعت لأمثال بخت نصر الذين دمروا المسجد وجعلوا فيه القذارات.

و- إن من ينفذ كلا الوعدين هم أقوام قبل الإمام الحجة ب خصوصاً في المرة الثانية، لأنه بعد ظهور الإسلام على يد الإمام ب وأنصاره لا يصح أن يقول تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا. وقد ورد عن الصادق أنه قال في تفسير الآيات: "قوم يبعثهم اللَّه قبل خروج القائم، فلا يدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه". وعن الصادق عليه السلام: "أنه قرأ هذه الآية فقلنا (بعض أصحابه): جعلنا فداك من هؤلاء؟ فقال ثلاث مرات: هم واللَّه أهل قم، هم واللَّه أهل قم، هم واللَّه أهل قم" ؟


(1) سفر التكوين: 13- 18.
(2) سفر يشوع: 15 - 63.
(3) سفر القضاة: 1 - 8.
(4) يلاحظ مثلاً تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، ص‏44.
(5) سفر أشعياء: 2 - 2 - 4.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع