نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المقاومة في شعر عاشقها سميح حمادة: عروس القصيد، نوّارة القوافي

ولاء إبراهيم حمود

 


 

نامت، والغفو بعينيها

صحوٌ وسؤال

وصحت والنوم يؤرِّقها

هزَّ الأوصال

ومشت والدرب يسائلها

 أَين الأبطال

هجرت والأرض تعاتبها

وبكى الشلال

والخيمة تشكو فرقتها

 جنَّ العرزال

والدار تسائل

 هل ترجع للدار دلال


ـ وحده الشعر يجتاز حدود التاريخ والجغرافيا، دون هوية، لأن الإنسان، كرامةً وقيمةً وعقيدة، هو هدفه، سرُّه، وهويته، وقد اختزله "أبو مجدي" بديوانيه "بقاعيٌّ من الجنوب" و"جنوبيٌّ من البقاع".  هذا ما أحسسته، عندما سمعته يلقيها "دلال والأرض" في منزله في العام 1980 إثر استشهاد دلال المغربي... إذاً، سميح حمادة يعشق الشعر والمقاومة منذ أن اختلجت في أعماقه، في طفولته قوافي الحنين لأمة عربية يحيا فيها الإنسان كريماً عزيزاً كما أراده الله، الشعر والمقاومة في وجدانه، شريكا حب ورفيقا جهادٍ وهو بينهما عاشِقٌ، لا يرتدُّ عن أداءِ فريضة هذا العشق، ففي ديوانه الأول تصريحٌ:
 

أحبُّ الشعرَ أكثر من وجودي

فجودي يا ليالي الوحي جودي

إذا ما قلت قافيةً تراني أَهيم

 كطائر الأَيكِ الشَّرودِ

فبيت الشعرِ ربَّاني صغيراً

وأَنشأني وثبَّتَ لي وجودي


وفي الديوان عينه، يوظف سميح حمادة لأميرة مشاعره وشعره كل ميادين الحياة. فلمعلِّم راحل وفيٍّ بعض وفاءٍ لذكراه، تبْدو المقاومة حبيبة، لأجلها يحب كل من أحبها، فمعلمه صاحب فضل لأنه :
 

علمتني أن الحياةَ عقيدةٌ

ما نالَ عزاً في الحياة ذليلُ

علمتني معنى الكفاحِ فثرتُ

 في وجه الحياة مع الجراحِ أجولُ

أَرْوِي البطولة للرجولة كلما

 فتحٌ بدا فوق الرؤوس جليلُ

إن البقاع منارةٌ في أمتي

 والأرز فوق جبينه إكليلُ

وكذا الجنوبُ علا على آلامه

 فعلا به التكبيرُ والتهليلُ


يعلن "أبو مجدي" عشقه لموطن المقاومة الميداني، للجنوب، فهو في مواجهة الموت، حياةٌ للأجيال، ويعنيه كثيراً أن توافيه منيته في الجنوب الذي أحب، والذي فوق ثراه الطاهر، نال مبتغاه في نهاية المطاف:
 

أنا لا روحي ملكي

 لا ولا عمري طويل

أنا إنْ متُّ سأحيي

 في جنوبي ألف جيل

وبحسبي اليوم أن أمضي

 إلى الحرب قتيل

أصنع المجد بإيماني

 أذلُّ المستحيل


يرقُّ شعرُ هذا البقاعي الثائر، عندما يعلن الجنوب دياراً له، يصيح بوحه همس سنبلةٍ وشوشتها مياه نهرٍ جارٍ:
 

جئت أحكيك يا جنوب دياري

 ومنار الهدى وتاج الفخارِ

يا جنوبي الحبيب يا جنة الأرض

 ومغنَّى الأحباب والأخيارِ

يا جنوبي الحبيب يا مهبط الوحي

ونبعَ الأفكارِ والأشعارِ


يقرع سميح حمادة بقبضة هذا الحب، باب الثورة الحسينية من جنوب العز، منارة القيم في عالمٍ حكامه صعاليك وتجار:
 

أما ترى في جنوب العز كيف غدا

دم الحسين بوجه الظلم ينفجرُ

مقاومون مشوا في درب عزتنا

أرواحهم في سبيل الله قد نذروا

مقاومون وسيف الله في يدهم

 يغري الرقاب وللتاريخ يختصر


ولهؤلاء المقاومين قادةٌ يستحقون معهم كل الحب، لأنهم يحملون النور في أفكارهم وكربلاء في ضمائرهم:
 

مقاومون ونصرُ الله قائدهم

في كفه السيف بل في سيفه القدرُ

مقاومون وموسى الصدر سيدهم

 من فكره النور في الأرجاء ينتشرُ

فخطُّه نفحةٌ من كربلاء وهل مِنْ غيرها

 أحدٌ في الناس ينتصر؟


يتابع هذا العشق تصاعده من أعماقه، في خط بياني مستقيم، تُرْسمُ نقطته الأخيرة في القلوب مباشرة دون مقدمات، فهو يرى مواطن المقاومة أمكنةً مشرِّفةً حتى لأخصِّ مشاعره، فلا يطيب لقاء الحبيبة إلا في ربوعها.
 

أترومين لقائي؟ فلقائي في أراضي الضاحية... زرع الليل شموساً في العيون الغافية.

أترومين لقائي؟ أنا جيلٌ من بقاعِ يتخطى المستحيل

أترومين لقائي؟ أنا جيلٌ من جنوب... أنا شعرٌ وقتال... عند خط النار من قدس بلادي... أسمع الأقدار... أجتاح البوادي، جيلنا الإعصارُ بالثأر ينادي.. في فلسطين الأبية، فوق بركان دمائي.


يُبحر هذا العشق في مراكب زينب سرِّ علي عليه السلام إلى أعماق لجته. ومن تلك الأعماق،يصرخ شاعرنا رابطاً وجدانه ووجداننا بفاجعة كربلاء صرخة الحب المقاوم:
 

آه يا زينب يا أقوى من الموتِ وأصلب

 أنتِ في الطفِّ شراعٌ لبقاء الدين يوهب

أبحري ما شئتِ في الأرزاء فالأمجادُ

 تكتب إنزلي كالوحي في ذاكرة الرمل المعذّب

يا ابنة الزهراء لو عاينتِ ذا الجمع المهذَّب

 إنه حبٌّ تلظَّى صارخاً زينبُ زينبْ

إنه حبٌّ ينادي زينبٌ زينبٌ زينبْ



يعزف سميح حمادة شوقه الكبير لربوع العراق الجريح على ألحانه الحزينة، ففيها إنسانٌ يتوجع ويقاوم.
 

كلني صرت اشتياقْ

لثراكِ يا عراق

أين خالي أين عمي؟

 أين أهلي والرفاق؟

طال دربي، ملَّ قلبي

 ذاب حبي في المآق

هاجني الوجد لأمي

 كلني صرت اشتياق

أنا في لبنان أحيا

وفؤادي في العراق


يضيق هذا العرض عن الإلمام بكل جوانب هذا العشق النبيل في قلب شاعرنا وشعره، ويعجزني السؤال أيهما كان وليد الآخر لديه الشعر أم المقاومة؟ أبا مجدي: في صوتك، قامة الريح إنْ غضبت لحقّ. في قوافيك ألحان نهر، يشارك المقاومين أناشيد انتصارهم. في شعرك بقاعٌ ينصهر جنوباً ومعاً يقاومان. وجنوبٌ يفرش للبقاع قلبه ومعاً بدمٍ واحدٍ ينتصران. في قلبك مقاومة، وفيها أنت وأنت قامة الشعر التي ما هوت إلا لتحضن في فعل عشق لا متناه، لا محدود أرضها التي اخترتها معراجاً لروحك في غدير علي عليه السلام(1)، ففُزْتَ بها عروساً في قصائدك، نوَّارةً في قوافيك.. وفازت بك شاعراً سيبقى في وجداننا وشعرنا المقاوم حضوراً يتحدى الرحيل ويضيء ظلمات الغياب.
 


(1) في يومه الأخير اتصل الشاعر بشقيقته وأخبرها في سياق حديثٍ طويل، أنه لم يعد يستطيع الحياة دون أحبته وأنه سيحيي في "ذاك اليوم" 23/3/2007 أمسية عيد الغدير في الجنوب وأنه يسأل الله أن يلقى وجهه الكريم عاجلاً. وفعلاً وافته المنية وهو في طريقه إلى إحياء آخر أمسياته الشعرية في عيد ولاية أمير المؤمنين وعلى أرض الجنوب، التي تمنى دائماً الشهادة فوق ثراها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع