نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شرعة حقوق الإنسان في النصوص الإسلامية

موسى حسين صفوان

 



من حيث المبدأ لا ينبغي دراسة المسائل الفكرية الإسلامية من منطلق متابعة الحركة السياسية العالمية، لتتخذ المداخلات الحوارية أسلوباً تبريرياً دفاعياً. فالإسلام ليس بحاجة لاستنطاق النصوص بهدف مجاراة التطور الفكري والثقافي العالمي. فهو يملك الأصالة ليس فقط لإثبات قدرته على إدارة الحركة الفكرية الإنسانية بفعالية، بل أيضاً يستطيع أن يحاكم نظريات ومذاهب الفكر الإنساني على قاعدة راسخة من مبادئه الأصيلة التي انطلقت أصلاً من فهم عقائدي كامل وشامل ومحيط بكافة جوانب وتفاصيل الحياة الإنسانية. وهو أثبت في الماضي، وما زال يثبت، علو كعبه وهيمنته على الفكر الإنساني، وتصويبه الكثير من الانحرافات المعرفية والسلوكية التي انزلقت البشرية في مهاوي أحاجيها.

قال تعالى:
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون (المائدة: 48). وللأسف، لم تعد هذه الحقيقة واضحة بما يكفي نتيجة الضوضاء الإعلامية والثقافية التي تحدثها قوى الاستكبار العالمية تحت عناوين حضارية برَّاقة. ومن هنا، نحاول قراءة جملة من النصوص الإسلامية العريقة، التي تتناول أمهات المسائل التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من كانون الأول سنة 1948م، لنكتشف أصالة الفكر الإسلامي وريادته.

وبما أن الدخول في تفاصيل هذه المواضيع يحتاج إلى مساحة أوسع مما هو متاح، فسوف نكتفي بالإشارة إلى هذه النصوص ونترك مسألة تحليلها على عاتق القارئ اللبيب. بشكل عام، ركز إعلان حقوق الإنسان في ديباجته ومواده الثلاثين على جملة من المبادئ، أهمها:

1- أصالة الكرامة الإنسانية:
جاء في كتاب الله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء: 70). وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً... (البقرة: 30).

2- المساواة:
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة حجة الوداع: "يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فليس لعربي على عجمي فضل ولا لعجمي على عربي فضل، ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود فضل، إلا بالتقوى"(1). وقال صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "كلكم لآدم وآدم من تراب"(2). وقال صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "الناس سواسية كأسنان المشط"(3). ويتميز الإسلام بأنه وضع مقياساً سلوكياً لتأكيد الكرامة والمساواة، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات: 13). وفي هذا النص القرآني الكثير من المعاني التي لم تَرْقَ إلى بعضها كافة نصوص المواثيق الدولية.

3- حرية المعتقد:
وفي هذا المجال، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 256)، وقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا... (الكهف: 29)، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ  (يونس: 99). وتظهر النصوص القرآنية بشكل عام تأكيداً على الحرية، دون أن يعني ذلك ترك الحبل على الغارب، فالحرية تقترن دائماً بالمسؤولية، ولذلك أحكام يطول شرحها.

4- العدل:
وفي هذا المجال يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل: 90) وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (النساء: 135)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (النساء: 58) وقال سبحانه: ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة: 8)، والشنآن العداوة.

5- المودة بين الشعوب:
وفي هذا المجال يوجد الكثير من الشواهد، قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت: 34) وقال صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(4). وقال صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "إنما بعثت رحمة للعالمين"(5). وقال صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"(6). وقد شهد العالم على رحمة المسلمين ببني الإنسان، حتى قال أحد المستشرقين: "لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب". وفي سائر النصوص الإسلامية العشرات بل المئات من النصوص التي تتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق الفرد والجماعة، وروح الإخاء بين المسلمين من جهة وبينهم وبين سائر الناس من جهة أخرى، وتنبذ الرق والتمييز العنصري وتقدس الحقوق المدنية للإنسان، مثل حق الزواج، وحق السفر، وحرية التملك، وحرية القيام بالنشاطات الاجتماعية، بل وتحض على عمل الخير وعلى الانتماء إلى جمعيات خيرية مثل حلف الفضول.

وقد أفاض علماؤنا من المتقدمين والمتأخرين بذكر ميزات الشريعة الإسلامية الغراء في مجال رعاية حقوق الإنسان، بما هو إنسان وبما هو حامل عقيدة دينية إسلامية أو غير إسلامية. ولو أنه يتاح للمسلمين تعريف العالم بصورة نظرية وعملية إلى لباب الفكر الإسلامي لكان للكثير من المثقفين في العالم مواقف مختلفة عما تحرض عليه الصهيونية من اعتداءات على الرموز الإسلامية المقدسة.


(1)الطبراني: المعجم الكبير، دار احياء التراث العربي، ج18، ص13.
(2 و3) السيد الصدر: اقتصادنا، ص327 نقلاً عن تحف العقول، ص387، وكنز العمال ج3، ص699.
الطبرسي: مكارم الأخلاق، ص80.
(5 و6) الخراساني: منهاج الصالحين، ج1، ص114.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع