نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

آخر الكلام: مشهد مؤثر

إيفا علوية ناصر الدين

 



كانت أقدامهما المتثاقلة تحفر خطواتها على إسفلت الطريق ببطء شديد، وهي تحكي عن عمر ثمانيني يكتنف في طياته ذوبان الصحة، وضعف النظر، ورقةَ العظام، ووهن الأعصاب، وجمود الحركة، وخمود الطاقة، وتلاشي النشاط. كانا يمشيان جنباً إلى جنب، يتعكزان على بعضهما، يسبقها بضع خطوات فيتوقف منتظراً لوصولها، يتعب فتقف معه برهة لشحذ الهمة من جديد، يومئ لها بالاستعجال وهو يمدّ ذراعه المرتجفة في إشارة صريحة وحاسمة لسائق السيارة المقبلة بطلب التوقف فوراً ليتمكنا من قطع الطريق، يجف ريقه فينتشل من جعبته قنينة الماء ليعب منها حصته ويوافيها بها للارتواء بجرعة تبث فيهما ومضة من العزم والانطلاق.

يكملان المسير في مشوارهما المتأني الذي لا ينطق عن وجهته وهدفه، لكن التوقع يفضي بأنهما قد يكونان ذاهبين لزيارة أولادهما أو أقربائهما، أو لمراجعة للطبيب، أو ربما أراداه مجرد نزهة في الهواء الطلق لتنشق روح الحياة قبل أن يقتنصها منهما الأجل، وقد أراداه كما يبدو سيراً على الأقدام، وعن قصد وتصميم. مشهد تعبيري رائع شعرت بقوة تأثيره وأنا أتابع طيفهما قبل أن يغيبا عن ناظري لدى وصولهما إلى نهاية الشارع.

مشهد يؤجج حرارة الشعور بقيمة دفء الحياة المشتركة بين الأزواج، وعبق المحبة، وعظمة المودة والسكينة والأنس في القلوب التي تتآلف، والعيون التي تتلاقى، والأيادي التي تتشابك طيلة عمر بحاله، مقتسمة حلوه ومرهن، متلقفة أفراحه وأحزانه، متخطية كل العقبات والمصاعب للوصول إلى خاتمة مرضية، إن لم نقل سعيدة. مشهد فيه أمثولة وعبرة لكل الأزواج الذين ما زالوا في بداية أو منتصف الطريق، لكن تضج أفواههم بالشكوى والتذمر، أو تنضح قلوبهم بالنقمة والقسوة، وقد شرّعوا عتباتهم للمشاكل والخلافات، وأرخوا العنان لأنفسهم لتغليب سلطة الأنانية، وحفروا بأيديهم هوة البعد والنفور، ورسموا أسواراً من أشواك جارحة، تمزق حبائل الوفاق، وتدمي عيون الأمل البراقة، وتخطف من إشراقتها وميض الحب والحنان، وتغرقها في بحور الألم والفراق. مشهد ينطق بدعوة صارخة للأزواج أن عودوا إلى أحضان الحب والرحمة، وتدثروا بلباس السكينة والمودة، وتفيئوا بظلال الأنس، وشرّعوا قلوبكم لإشراقة الأمل التي تتكسر عند أبوابها ألوان المشاكل والنزاعات.

وتذكروا دائما أن لا شيء يستحق أن ندمر من أجله حياة بنيناها.. وأن هذه الحياة لن نعيشها مرتين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع