نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام: ثقافة الحياة... شعوب تستحق الحياة... لا النخب

الشيخ يوسف سرور

 



تؤكد الوثائق التاريخية أن الحركة الصهيونية عندما وضعت نصب أعينها أن تجمع شتات اليهود الموزع في أربع جهات الأرض، وبعدما قرّ الرأي على اختيار فلسطين من قبل دوائر صنع القرار في دول الغرب الكبرى، وبعد بدء الحركة سعيها باتجاه العالم الإسلامي لاستدرار عطف الحكومات والحركات السياسية ـ، استشعرت النخب في بلادنا الخطر الصهيوني المحدق ببلادنا عموماً، وبفلسطين على نحو الخصوص. ومما تؤكده الوثائق أن السيد جمال الدين الحسيني الأسد آبادي (المعروف بالأفغاني)، نبّه السلطان العثماني إلى هذا الخطر.
وعندما قام وفد من الحركة الصهيونية بزيارة الآستانة وطلب من السلطان مساعدته في ذلك، كانت الصورة واضحة لديه وكان جوابه واضحاً وحاسماً، رافضاً أصل الفكرة على الرغم من الترغيب السخي المقدم من قبل الدول الغربية عبر هذا الوفد. وكان جواب السلطان عبد الحميد لوفد آخر من الحركة أكثر قاطعيةً، إذ قال: "أن يعمل المبضع في جسدي، أهون عليّ من أن أقتطع فلسطين التي هي جزء غالٍ من هذا الجسد الإسلامي وأقدمه لكم". والدولة العثمانية يومذاك كانت في أواخر أعوامها وفي ذروة ضعفها.


الجو العربي والإسلامي العام كان يوفر مناعة لحماية فلسطين، والبيئة النخبوية في بلادنا كانت تؤمن حصانة، وترفع من السدود أمام هوس الحكام، مما كان يسهم في تقوية المزاج الشعبي العام ومدِّه بعناصر القوة والاندفاع، في وجه أي خطر يَدْهم هذه القطعة الغالية من جسد العالم الإسلامي. وعندما حصلت الفاجعة الكبرى المتمثلة بإهداء فلسطين للصهاينة من قبل دول الاستكبار بعد انهيار السلطنة العثمانية، وفرض نتائج الحرب العالمية الأولى نتائجها، ثم تكريس الحرب العالمية الثانية لهذه النتائج وسرقة القرار الدولي ليصبح بأيدي وحوش العالم بعد هذا التغير الهائل الذي حصل على مستوى العالم عموماً، والعالم الإسلامي والعربي خصوصاً أُعلنت "دولة إسرائيل" وسارع الشرق والغرب إلى مدَّها بإمكانات البقاء والصمود في محيطٍ هي غريبة عنه، بل هي منبوذة حدَّ نفور الرأي العام والنخب والمزاج الشعبي الذي لا يحتاج إلى غير القيادة الشجاعة والحكيمة، التي يمكنها استثمار المخزون الوجداني والقيمي الهائل عند هذه الشعوب لتقتلع هذه الغدة السرطانية من الوجود.

الحراك الثقافي في عالمنا العربي والإسلامي باتت مساراته محكومة إلى ما ينبثق عن المجتمعات التي أعلنت نفسها منتصرة على بقية العالم، ونصبت قياداتها وأنظمتها نفسها زعيمة على العالم، تفرض خياراتها فيما تفرض على مجتمعاتنا؛ وصارت والحال هذه مسارات النخب تنحرف شيئاً فشيئاً عن المنظومة القيمية والثقافية، عن الأعراف والتقاليد، عن المزاج العام للشارع العربي والإسلامي التي بلغت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم حد القطيعة. تكرست مع هذا المسار فجوة هائلة تفصل بين خيارات والشعوب وطموحاتها، معضودة بقيمها وتقاليدها وأعرافها، مؤازرة بتاريخها وتجاربها، وحقها في أرضها وحريتها وسيادتها واستقلالها من جهة. وبين جهة أخرى من النخب المفلسة التي صارت تجترّ بقايا الأفكار والثقافات المستدفعة من خلف البحار، معضودة بأنظمة بالية مستبدة بالخيارات، أقالت نفسها من قضايا الأمة، ومن حقوقها وخياراتها؛ بل، من ثقافتها وأعرافها وتقاليدها وقيمها. أصبحت هذه الأنظمة وهذه النخب مستلحقة بمشاريع وثقافات ما وراء البحار.

أكثر من ذلك، نشأت عندنا في الآونة الأخيرة طبقة من النخب والمثقفين تعيب على الأحرار من أبناء الأمة خياراتهم، وتتهم مجاهديهم، تقذف رموزهم وقاداتهم بل وشهداءهم بالاستلحاق إلى مشاريع غريبة وخيارات مريبة. بات فعل العدو واغتصابه للأرض، وتشريده للشعوب، وتدميره للمدن والقرى، وارتكابه للمجازر التي تقشعر لها أبدان الآدميين بات كل ذلك مشروعاً ومبرراً لدى هؤلاء. وبات فعل المجاهدين والدفاع عن الحقوق، والقتل في سبيل استرداد الحقوق ودفع المحتل الغاصب، بات مغامرات غير محسوبة، ومحوراً للشر. وصار هجاؤه والتشنيع عليه، ورميه بشتى الأباطيل، فعلاً محموداً لدى هذه النخب، وصار ذلك مغنماً يتقاضون عليه عائدات خيرات بلادنا، وصارت وسائل النشر وأدوات المعرفة أبواقاً تردد هذه المعزوفة الشيطانية. أُفٍّ لعالم يبجّل هذه النخب المتسكعة على أبواب بيوت الأموال. وتعساً لمجتمعات تنقاد إلى مثل هذه الزعامات الفارغة والمستلحقة. ولينعم الشعوب والمجتمعات التي ما زالت ثابتة على قيمها، محتفظة بحقها بحريتها، وبحقها في الاستماتة من أجل تحصيل حقها. لنعم الشعوب التي ما زالت تكرم مجاهديها وتفتخر بأحرارها وتقدس شهداءها... هكذا تكون الشعوب الحرة... وهكذا تكون الحياة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع