نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: خيال طفلي..كيف أجعله مبدعاً؟

تحقيق: يمنى المقداد الخنسا



كثيراً ما يروي لنا أطفالنا مواقف خيالية تحمل في ثناياها شخصيّات ترسم أحلامهم وتحدّد سلوكيّاتهم وتحاكي طموحاتهم... قد نتعاطى معها أحياناً بإيجابية لإدراكنا أهمية الخيال في نمو شخصية إبداعية للطفل وقد نتعاطى بعشوائية وسلبية من خلال التكذيب أو السخرية أو التجاهل وحتى الضرب، أو قد نساهم بشكل أو بآخر في صياغة واقع سلبي يدفع الطفل لاختراع عالم خيالي خاص به وحتماً سيكون ذا أثر سلبي لأنه ولد من رحم واقع سلبي.

ومع أن هدف الخيال هو الإبداع لكن حين يلجأ إليه الطفل أحياناً، لأهداف وأسباب سلبية، يصبح خياله مع الوقت عقيم الفائدة إبداعياً وأرضاً خصبة للانحراف أخلاقياً وبالتالي مرضياً، حينها التعاطي مع الأمر على قاعدة معرفة المسبّبات والمؤشرات وسبُل الوقاية والعلاج من ذلك ولا سيما في ظل تسونامي تكنولوجي وإعلامي مفخّخ يحاول برمجة وتشويه مخيلة أطفالنا على نحو سلبي ومدمِّر. لماذا ينحرف الخيال عن دوره الإيجابي؟ ولماذا ينطق الطفل أحياناً بكلمات سلبية توحي بإمكانية جنوح خياله نحو السلبية؟ وما هو دور البيئة البشرية والمادية المحيطة بالطفل في ذلك؟

أسئلة عديدة وغيرها حملناها إلى الأخصائية التربوية ومشرفة رياض الأطفال في مدارس المصطفى صلى الله عليه وآله السيدة عطاف كريّم التي كان في جعبتها الكثير من الإجابات الواضحة والتجارب المفيدة التي زوّدتنا بها.

* أساليب خاطئة
تعتبر السيدة عطاف أن دور الأهل مهم في تكوين خيال صحي لدى الأطفال يمكن أن ينمو ويصبح مبدعاً وليس مرضياً يتحول إلى انحراف وجنوح، جازمةً بأن عدم معرفة الأهل بأهمية دورهم وبخصائص المراحل العمرية التي يمر بها الطفل يدفعهم إلى التعاطي العشوائي، وغير المدروس، والخاطئ مع تخيلاته ويحوّلها إلى مرض. ولفتت الأخصائية التربوية إلى بعض الأساليب الخاطئة التي قد يمارسها الأهل مع أطفالهم كاتهامهم طفلهم بالكذب في عمر 3 أو 4 سنوات عندما يخبرهم بتخيلاته، فيما لا يحاسبونه عندما يجب ذلك أي بعد سن السادسة، فيصبح كذاباً بسببهم. وأحياناً أخرى قد يلجؤون لضربه ما يدفعه إلى اختراع طرق خيالية سلبية تنفس عنه وتلبي رغباته. وهذه أساليب نهانا عنها إمامنا الصادق عليه السلام بشكل غير مباشر حين قال: "دعِ ابنك يلعب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين...". مضيفة: "لو يعلم الأهل أن خيال الطفل صحي وليس كاذباً وأنه يخلط بين الواقع والخيال حتى سن الست سنوات، وأنه بعد هذه المرحلة يستطيع التمييز ويجب التعاطي معه بحسم، فإنهم سيتعاملون مع المسألة بشكل صحيح وسينمو طفلهم بشكل سوي".

* لا تَدَعوه وحده
وتضيف السيدة عطاف قائلة: أحياناً أخرى قد يقوم الأهل بسلوكيات تساهم في تأسيس بيئة خصبة تساعد الطفل على الخيال السلبي، إذ لا يتيحون له فرصاً كي يتعاطى مع الآخرين أو يتركونه وحده وقتاً طويلاً في المنزل ما يدفعه إلى اختراع عالم خيالي خاص به أو قد يتعاطى مع جسده بشكل غير سوي، وفي أحيان أخرى يتخيل هرباً من واقع يرفضه كوجود نزاعات أسرية مستمرة في البيت.

* الخادمة للمساعدة وليست للأمومة
إضافة إلى ما سبق اعتبرت كريّم وجود الخادمة مع الطفل أوقاتاً طويلة وتلبية كل ما يريده، عنصراً يحد من خياله ويحوله نحو السلبية في مرحلة يجب أن تقوم فيها الأم بدورها جيداً، معتبرة أنه لا مشكلة في وجود الخادمة لمساعدة الأم وليس للقيام بدورها.

* البيئة المادية
وفي موازاة البيئة البشرية تحدثت كريّم عن مسببات تتعلق بالبيئة المادية كأجهزة الكومبيوتر والتلفاز فرأت فيها أشياء مدسوسة وغير أخلاقية تهدف لإلغاء قيمنا الإسلامية وتؤسس لخيال سلبي عند الطفل، ولذا من الخطأ أن يضع الأهل هذه الأجهزة في غرفة الطفل، فيما أكدت على أهمية وإيجابية التدابير الوقائية في الحد من انحراف الخيال عند الأطفال أو الجنوح نحو السلبية قائلة: "عندما يهيئ الأهل أرضية صلبة وإيجابية ينشأ عليها الطفل فيصعب أن ينحرف، ولكن إذا وضعوه في جو من الفساد مثلاً فحينها ستدفعه حاجاته الفطرية إلى تلبية رغباته بسلبية لأن المغريات متاحة ومتوفرة".

* المؤشرات المرضية
واعتبرت السيدة كريّم أنه بإمكاننا أن نلحظ بعض المؤشرات المرضية التي تجعل الأهل يبحثون عن سبب لجوء طفلهم إلى الخيال ومنها:
1 - أن يتحدث الطفل بين سن الـ(7 8 سنوات) عن أمر غير واقعي ويتبناه ويدافع عنه على أنه حقيقي.
2 - أن يكرّر الطفل التخيلات بعد سن السادسة لأن الخيال يجب أن ينخفض عنده بين (6 8) سنوات فيميل لعبه نحو الواقع أكثر، ويتجه اهتمامه لنواحٍ لها علاقة باستخدام اللغة وجوانب القوة عنده أكثر.
3 - أن يميل الطفل بين (6 8 سنوات) للتعاطي مع الآخرين. وعندما يبتعد عن ذلك ويتحين الفرص كي يكون وحده فهذا مؤشر سلبي.
4 - أن يشرد الطفل بشكل متكرر في الصف.
5 - أن يقوم الطفل بأمور مؤذية وخطرة نتيجة تخيلاته فهذا مؤشر على دخوله في حالة مرضية.

* إرشادات
"إذا لم يجد الطفل متنفساً خيالياً للضغوطات التي يعيشها فإنه سيتعرض حتما لمشكلة نفسية". كلمات شدّدت من خلالها كريّم على أهمية التخيل بالنسبة للطفل. وذكرت مجموعة نصائح تساعد الأهل على تأسيس بيئة خصبة للتخيل البنّاء من جهة ومواجهة وجهه المرضي من جهة أخرى:
1 - يجب أن يعي الأهل أن موضوع التربية أمر نُلزَم به دينياً كالصلاة والصوم.
2 - من المهم أن يقرأ الأهل للطفل، خاصة في المراحل العمرية الأولى، عن القصص والشخصيات الموجودة في القرآن الكريم فهي بيئة خصبة ومفيدة جداً للخيال.
3 - أن يقرؤوا له قصصاً فيها مواقف حياتيّة مهمة تعرض له الصواب من الخطأ، وأن يضعوا أمامه صوراً تضفي جماليّة على القيَم الحسنة وتقبّح الصور السيئة.
4 - أن لا يلفتوا نظر الطفل إلى سلوك سيّئ لم يفكر به أصلاً.
5 - إذا أردنا تنمية مخيلة الطفل نحو الإبداع يجب إيجاد الآليّات المناسبة ومنها تأليف القصص.
6 - يجب أن يأخذ الأهل كلام الطّفل على محمل الجد إذا كرّر أمراً معيّناً أمامهم، ويعرفوا خلفيّته النفسية.
7 - عدم تكذيب تخيّلات الطفل أو السخرية منها فإنّ ذلك يحد من خياله.
8 - في حال ملاحظة مؤشرات معيّنة يجب على الأهل مراقبة الطفل بشكل دقيق دون أن يشعر بهم كي لا تتفاقم المشكلة أكثر.
9 - إذا صدرت عن الطفل أمور أو أفعال مؤذية فعلى الأهل التحدّث معه بشكل مباشر وصريح وواضح.
10 - يجب تعزيز الوازع الديني عند الطفل لأنّ ذلك يردعه عن القيام ببعض الأمور السلبية التي يتخيلها.
11 - إذا تفاقم الوضع ولم يستطع الأهل أن يحدّدوا المشكلة أو يعرفوا كيفية التعاطي معها فعليهم استشارة أخصائي نفسي أو تربوي كي يحصلوا على المساعدة اللازمة.

* القدوة الحسنة تحارب سلبية التخيل
يكرّر الطفل أحياناً كلمات عنيفة كالقتل أو الذبح.. مفردات لا يجب أن يتداولها الطفل برأي الأخصائية التربوية السيدة عطاف كريّم التي رأت في تكرارها دليلاً على أنّ الشخصية التي يعيشها الطفل توحي له بأنّ القاتل شخص قوي، لذلك يجب أن يوجد الأهل لطفلهم القدوة المثالية فيحدثوه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام، وإلا فإنه سيقتدي بأي نموذج يحقق له ما يريد بالقتل أو غيره وينفذ أسلوبه. وختمت الأخصائية التربوية السيدة عطاف كريّم قائلةً: "إن الخيال بذرة من بذور الإبداع عند الطفل ولكنه بحاجة دائماً إلى التشذيب والتهذيب والمراقبة وطريقة التعاطي الصحيحة والسليمة من قبل الأهل".


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع