نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

واسجد واقترب

آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي

 



"المقربون" جمع "مقرب" اسم مفعول أو صفة مشبهة من باب التفعيل وهي من "القرب". ويستعمل القرب في مقابل البعد. ومن هنا جاء في بعض الأوقات النهي عن الاقتراب بدل الأمر بالابتعاد: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الأنعام: 152). إنّ مجموعة نظام الوجـــود تتحرك نحـــو الله تعالى وتقتـرب منه وفي النهاية ستلتقي به.

*أنواع القرب
يكون تصوّر القرب بين شيئين أو أكثر. قد يكون القرب إلى مكان خاص: ﴿فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (التوبة: 28) وقد يكون إلى زمان معين: ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (هود: 81)، وقد يكون في النسبة: ﴿أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء: 214)، وقد يكون في الصفات: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ (آل عمران: 167)... وما يُتصور حول الذات الإلهية المقدسة هو القرب المعنوي والروحاني: ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (هود: 61) ﴿نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق: 16).
قد يكون قرب الله تعالى من عباده قرب إشفاق: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 186)، وقد يكون قرباً عاماً لا مفر منه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ (الحديد: 4).

والقرب القهري والإلزامي لله تعالى بالنسبة إلى الموجودات على وتيرة واحدة، بمعنى أن الذات المقدسة الإلهية لا تكون قريبة من موجود أكثر من آخر. بناءً على ما تقدم فالمهم أن يتمكّن الإنسان من الاقتراب نحو القرب الإلهي الإشفاقي، وكلما اقترب منه أكثر، كلما كانت الفائدة والشرف الذي يحظى به أكبر، وإلا فإن القرب القهري لا يحمل للإنسان فائدة معنوية.

*الأكثر قرباً إلى الله
إنّ مجموعة نظام الوجود تتحرك نحو الله تعالى وتقترب منه وفي النهاية ستلتقي به: ﴿أَلَا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ (الشورى: 53)، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (الانشقاق: 6)، ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (النجم: 42). وهذا اللقاء هو لقاء عامّ يشمل الجميع حتى الكافرين. إلا أن الموحدين يلتقون بصفات الجمال الإلهية، والكافرين بصفات الجلال. ويعبّر عن لقاء صفات الجمال اصطلاحاً بالقرب: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف: 56). كما يطلق على لقاء صفات الجلال البعد: ﴿أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (فصلت: 44). طبعاً لا يمكن تصور الابتعاد الحقيقي عن الله تعالى الذي له مع كل شخص معيّة قيّوميّة ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ (الحديد: 4).

إن هذا المقصد العام، أي ذات الإله المقدسة، عبارة عن كمال لا حدود له ولا نهاية.
وإن أهمّ عامل للقرب من الله تعالى هو طاعته وعبوديته. من جهة أخرى فإنّ قيمة العبودية بالمعرفة؛ أي كلما كانت معرفة السالك أكبر، كانت قيمة عبوديته وطاعته أكثر. وبما أن الأئمة المعصومين عليهم السلام هم الإنسان الكامل، المصون في العمل والفكر عن الخطأ والاشتباه، فإن طاعتهم وعبوديتهم تتمتع بقيمة أعلى. لذلك كان قربهم من الله تعالى لا نظير له.

*إشارات
1ـ أسباب القرب
تحدثت بعض الآيات والروايات عما يمكن أن يُطلق عليه أسباب التقرب من الله تعالى، أمثال:
1. السجود: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (العلق: 19). يستدل عالم آل محمد صلى الله عليه وآله الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام عل بهذه الآية على أن السجود هو أقرب حالة للعبد من الله تعالى: "أقرب ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ وهو ساجد وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿واسجد واقترب"(1). والخصوصية المذكورة موجودة في السجود سواء كان سجودَ شكر أم سجودَ صلاة.
2. الصلاة: "الصلاة قربان كل تقي".
3. الزكاة: "ثم إن الزكاة جُعلت مع الصلاة قرباناً لأهل الإسلام"(2).
4. الأضحية: "فإنها قربان لله عزّ وجلّ"(3).
5. الصلاة المستحبة: صلاة النوافل قربان إلى الله لكل مؤمن.

وطبعاً إن ما يحمل أهمية كبيرة هو العمل بالتكليف. ومع أن النوافل تحمل آثاراً إيجابية ومفيدة، فقد تكون في بعض الأوقات مضرة بالفرائض وبالتالي تصبح عامل بُعْد. في هذه الحالات يجب ترك النافلة لأجل الفريضة "لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض"(4)، "إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها"(5). إن ما تقدم هو من باب ذكر المصداق وإلا فإن كل تكليف يأتي به الإنسان بقصد القربة فهو يقرب من الله تعالى. جاء في الرواية:
"ولما أُسريَ بالنبي صلى الله عليه وآله قال: يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد... وما يتقرب إليَّ عبدٌ من عبادي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إليّ بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت أنا سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها. إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته"(6).
من جهة أخرى فإنّ الذنوب والمكروهات تبعد الإنسان من الله تعالى. جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيره بها يوماً ما"(7).

2ـ آثار القرب من الله تعالى
يحصل القرب المعنوي إلى الله تعالى من خلال عبودية الإنسان. وتظهر الآثار الإلهية في الشخص، فيصبح عمله هو عمل الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله (النساء: 80)، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله (الفتح: 10)، ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ الله رَمَى (الأنفال: 18). وهذا الإنسان المتقرب يمكنه أن يصبح خليفة الله تعالى فيقوم بالأعمال الإلهية. يصبح الإنسان كقطعة الحديد التي تتماهى مع النار على أثر الاقتراب وذلك بعد رفع الموانع كالصدأ والشوائب الأخرى، فتخرج خصائص النار من هذا الحديد. طبعاً تبقى للحديد هذه الخصائص ما دام قريباً من النار، وإذا ما ابتعد عنها فقدها.

3ـ تقسيم البشر إلى ثلاثة أقسام
يقسّم القرآن الكريم الناس إلى ثلاثة أقسام: السابقون، أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (الواقعة: 9-7-).

أصحاب الشمال الذين تحدث عنهم تحت عناوين: الفجَّار، المكذّبين الضالّين أيضاً، هم من أصحاب جهنم: ﴿وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (الواقعة: 92 93)، ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (الإنفطار: 14 15). وأما السابقون الذين هم من المقربين: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (الواقعة: 10 -11)، وكذلك الأبرار أو "أصحاب اليمين" هؤلاء جميعاً من أصحاب النجاة: ﴿فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (الواقعة: 88- 91). طبعاً المقربون في مرتبة يشهدون منها كتاب أعمال الأبرار: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (المطففين: 18- 21).

أما نصيب الأبرار من "تسنيم" وهي أعلى عين في الجنة فقليل، إذ يُسقون شراباً مخلوطاً: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ ... يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ. أما المقربون فيحق لهم الشرب من نفس تسنيم: ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (المطففين: 28) "والمقربون يشربون من تسنيم بحتاً صرفاً وسائر المؤمنين ممزوجاً".

ممّا لا شك فيه أن لكل واحدة من المجموعات المتقدمة الذكر درجاتٍ ومراتبَ متعددة. ومن هنا فإن الحديث في بعض الروايات عن آل محمد صلى الله عليه وآله باعتبارهم مصداق "المقربون" هو من باب الإشارة إلى أعلى المصاديق، وإلا فإن سالكي سبيل الله الصادقين وأتباع أهل البيت الفعْليين يمكنهم الصعود إلى مراتب من مقامات الأبرار وإلى مراتب من مقامات المقربين. طبعاً الوصول إلى مقام المقربين يحتاج إلى ضريبة عالية وهمَّة رفيعة حيث "حسنات الأبرار سيئات المقربين"(8). من هنا فإذا لم يتمكن السالك من الوصول إلى مقام المقربين، فحري به الوصول إلى مقام الأبرار كي لا يكون من أصحاب الشمال.


(1) الكافي، الكليني، ج 3، ص 265.
(2) نهج البلاغة، تحقيق الشيخ محمد عبده، ج 2، ص 179.
(3) الكافي، م. س، ج 7، ص 462.
(4) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 4، ص 286.
(5) م. ن.
(6) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 3، ص 58.
(7) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 72، ص 219.
(8) م. ن، ج 11، ص 256.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع