نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع: الإدمان على الإنترنت

تحقيق: هبة جمعة



تعتبر ظاهرة انتشار ما يسمى (بالإدمان على الإنترنت) من أكثر المواضيع التي أثارت جدلاً كبيراً بين أوساط الباحثين. وقد شكّل هذا الموضوع مادة دسمة لكثير من المهتمين في هذا المجال. على الرغم من اعتبار موضوع الإدمان على الإنترنت ظاهرة حديثة نسبياً إلا أن حجم ما عكسته من نتائج وما سبّبته من آثار سلبيّة على مختلف الصّعد والميادين (النفسيّة، الصحيّة، الاجتماعيّة وحتى الثقافيّة) قد وصل في كثير من الأحيان إلى حدّ الخطورة التي تستدعي تدخُّلاً ومتابعة لإيجاد الحلول لتجاوز الأزمة بأقلّ خسائر ممكنة. ويعرّف مصطلح الإدمان على الإنترنت بأنّه الإبحار في عالم الإنترنت لساعات طويلة تتجاوز الحدّ المقبول والمعقول.

ويمكن تصنيفه أيضاً ضمن أمراض اضطراب التحكّم في الدوافع. وإذا أقدمنا على إعطاء توصيف أكثر دقّة يمكننا القول إن الإدمان هو الاستخدام الذي يصل إلى 38 ساعة أسبوعياً. وتُعد أبرز الأسباب والدوافع الكامنة وراء نشوء هذه الظاهرة إما عدم قدرة الأفراد على ملء وقت الفراغ بهوايات متنوعة، أو لعدم قدرة الأهل على المراقبة والمتابعة من أجل تفادي عواقب وتداعيات تعلُّق أبنائهم بشبكة الإنترنت.

* مخاطر مخيفة
تتجلّى مظاهر التعلّق المفرط بالإنترنت في عوارض الخمول، الأرق، آلام في الظهر والرقبة، التهاب العينين، بالإضافة إلى تأثير المجالات المغناطيسية والإشعاعات الصادرة عن أجهزة الاتصال الحديثة على الإنسان، ناهيك عن الأثر السلبي للإدمان على الإنترنت على العلاقات الاجتماعية الأُسرية من خلال فقدان التواصل مع المحيط الاجتماعي. وفيما يتعلق بفئة الأطفال بشكل خاص تظهر تأثيرات هذه المسألة عبر ظهور المشاكل الدراسية ولجوء الأطفال إلى العزلة، وتأثر مهاراتهم الاجتماعية، أضف إلى ذلك الاضطرابات التي تسببها في نومهم. ولمقارنة ما قدَّمناه من معطيات مع الواقع المحسوس تناولنا مجموعة من العيِّنات تتراوح أعمارهم ما بين 16 و25 سنة، وتنوَّعت حالات الإدمان لديهم ما بين الإدمان المفرط على أنواع محدَّدة من الألعاب وفئة أخرى تمضي معظم أوقاتها على مواقع التَّواصل الاجتماعي. ولعل أكثر ما يثير الدهشة في أجوبة بعض العيِّنات هو إدراكها لمخاطر وتداعيات تمضيتهم لهذا الوقت الطويل جداً على شبكة الإنترنت، ولكنَّهم يبرِّرون ذلك بأنَّهم يريدون التَّسلية وإضاعةَ الوقت، والتعرُّف إلى العالم بأسره وسائر المستجدات بلحظات قليلة وهذا ما يوفِّره لهم الإنترنت.

* أثَّر على علاقتي بأسرتي
لم تتردد مريم (16 سنة) في التعبير عن دهشتها الشديدة من عالم الإنترنت الواسع الذي تبحر فيه لأكثر من 8 ساعات يومياً وتوزّع هذا الوقت ما بين التواصل مع أصدقائها والاطلاع على أخبار الفنانين. وهي تعاني من عدة عوارض نفسية في حال انقطاعها عن شبكة الإنترنت، مثل: الملل، سوء المزاج، الضَّجر الشَّديد، القلق والتَّوتر... وتضيف قائلة: إنَّها لا يمكن أن تتصوّر نفسها ولو ليوم واحد بعيدة عن هذا العالم. وتعلُّقها فيه قد يصل إلى حدِّ عدم قدرتها على الاستماع إلى ما يطلبه منها أهلها، وكأنَّها في عالم منفصل عنهم. ولا تنكر أنَّ الوقت الطويل الذي تمضيه أمام شبكة الإنترنت قد أثَّر على علاقتها بأُسرتها، فقد فقدت الرَّغبة في الجلوس معهم لوقت طويل وتلبية طلباتهم، والتَّواصل معهم. وأكثر من ذلك أنَّها ما عادت ترغب في الخروج من المنزل وتعتبر الإنترنت هو الوسيلة الوحيدة التي تؤمّن لها التّسلية والتّرفيه عن النفس. أما محمد: (25 سنة) فهو يمضي حوالي 9 ساعات يوميّاً على شبكة الإنترنت ولكن ذلك كان مرتبطاً في بادئ الأمر بطبيعة عمله الذي يفرض عليه تمضية هذا الوقت الطويل. إلّا أنَّ الأمر سرعان ما تحوّل معه إلى عادة بات من المستحيل، كما يقول، أن يفارقها. فالأمر، بالنسبة إليه، أصبح خارج إطار السَّيطرة والضَّبط والإرادة. ويضيف أنَّه بات يعاني من التعلّق المفرط بعالم الإنترنت الذي تحوّل مع الوقت إلى نوع من الإدمان المزمن. رغم ذلك يرى "محمد" أن الإدمان على الإنترنت آفة اجتماعية انتشرت كلمح البصر بين أوساط الشباب ويعتبر أنه لا بُدّ من التدخل لمعالجة أماكن الخَلَل.

* فرصة لمعرفة الثقافات الأخرى
بالنسبة لإبراهيم: (20 سنة، طالب جامعي) الأمر مختلف تماماً فهو لا يرى أي مشكلة في قضاء هذا الوقت الطويل على شبكة الإنترنت، بل على العكس فإنه يعتبر أنَّ ذلك أمّن له فرصة التعرّف إلى الثقافات الأخرى وأنماط الحياة المختلفة، والانفتاح على العالم بأسره، وبناء علاقات جديدة بأسرع وقت ممكن. ويقول: "إنّه عصر السّرعة وعصر مواكبة التطور والتكنولوجيا". بهذه العبارات اختصر كل تجربته، مبَرِّراً لنفسه تعلُّقه المفرط بعالم الإنترنت. وما يتحدث عنه إبراهيم لجهة تأثره وانفتاحه على العالم الغربي يظهر جلياً في مظهره الخارجي أضف إلى ذلك أنّه أصبح أكثر ميلاً إلى الاستقلالية بقراراته وتوجهاته، وهذا على عكس ما كان يفعله سابقاً بمشاركة عائلته بما يدور في نفسه. لا شكّ أنَّ موضوع الإدمان على الإنترنت هو مجالٌ واسع يطرح العديد من الإشكاليات لذلك كان لا بدّ من اللجوء إلى اختصاصي في هذا المجال للإحاطة بظروف وخلفيات المشكلة والبحث عن السبل والإمكانيات لمعالجة آثارها وتداعياتها وانعكاساتها الخطيرة على مختلف جوانب حياة الفرد. وقد لمسنا على أرض الواقع مدى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع بين مختلف الفئات العمرية، لذا فالأمر يستدعي أن يعي كل فرد مسؤوليَّته.

* مخاطر ثورة الاتصالات
لمناقشة هذه النِّقاط وغيرها، التقينا أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور حسين سلامة. كان لا بدّ في بادئ الأمر الإشارة وكما أحبّ الدكتور سلامة إلى ظاهرة أعمّ وأشمل من ظاهرة الإدمان على الإنترنت وهي ثورة (info media) أو ما يسمّى بثورة الاتصالات والتي يعتبر الإنترنت جزءاً منها ومفردة من مفرداتها ويشكِّل أخطر وسائلها، ويشير إلى عامل أساس يعتبر الأهم في إدمان الشباب على عالم الإنترنت وهو يكمن في نزعتهم وميلهم لبناء عالمهم الخاص وهو العالم الذي يطلق عليه في علم النَّفس الاجتماعي "العالم المتخيَّل" أو "العالم الافتراضي" الذي يسعى الفرد من خلاله إلى إشباع النَّقص في رغباته وهذا ما يؤمِّنه له الإنترنت بأرخص السُّبل وأسرعها، هذا العالم الذي يعبّر عن ترجمات لعمليَّة الإفراط عند الأفراد في تحقيق وإشباع رغباتهم.

* الفراغ منشأ الإدمان
فيما يتعلّق بمنشأ ظاهرة الإدمان على الإنترنت يقول الدكتور سلامة إنه يعود إلى الفراغ الرُّوحي، والثّقافي، والنَّفسي، والفكري الذي يعاني منه الأفراد. ولا شكّ أنَّ ذلك ينعكس على بُنيتهم النفسيَّة والعقليَّة. إلى جانب ذلك فإن الافتقاد إلى الآليات والبرامج السليمة لإدارة وقت الفراغ يعدُّ من أكثر الأسباب المؤدِّية إلى تعلُّق الأفراد المفرط بشبكة الإنترنت وهذا ينطبق بشكل خاص على فئة الفتيات.
إلى جانب ذلك، يؤدِّي قلة التَّواصل بين الأهل وأبنائهم الذي يصل إلى حدّ الانقطاع إلى اعتبار الشباب أن الإنترنت هو الوسيلة الأفضل التي تؤمِّن لهم التَّواصل مع الآخرين وبناء العلاقات الاجتماعية.
هذا، عوضاً عن الافتقاد إلى اللغة المشتركة حيث باتت ضغوطات العمل والظروف الاقتصادية والاجتماعية تحدّ من توفر الوقت بين الأهل وأبنائهم لتبادل الآراء والنقاشات فيعتبر عالم الإنترنت الملجأ الذي يعبِّرون من خلاله عن كل ما يدور في أنفسهم دون وجود أيِّ عائق يمنعهم من ذلك. وفي هذا الإطار، تظهر إشكاليَّة مهمة تلفت الانتباه وتتركز حول السبب في تعلُّق الأبناء بعالم الإنترنت الافتراضي وهل هو نتيجة انعدام الانسجام الفكري بين جيل الأهل والأبناء أم أن لجوء الشباب إليه وإدمانهم عليه هو السبّب بانقطاع سبل التواصل بين الطرفين.

* حالة ضياع الهُوية
ويضيف الدكتور سلامة في معرض حديثه عن تأثيرات وانعكاسات ظاهرة الإدمان على الإنترنت قائلاً: "إن أسوأ ما في الموضوع هو دخول الفرد في بيئة لا تمُتُّ إلى بيئتنا وثقافتنا الاجتماعية والحضاريَّة بصلة، وهنا يبرز ما يسمّى بحالة اللَّاتوازن وضياع الهويَّة. بات جيل الشباب يعاني اليوم من حالة عدم الاستقرار النَّفسي والرُّوحي، وحتى على مستوى العلاقات الاجتماعية فما عاد الفرد يجد في محيطه ما يتلاءم مع تطلعاته الخاصة لذلك يجد أن عالم الإنترنت هو الوسيلة التي يعبِّر من خلالها عن ذاته".

* سُبُل الخروج من الأزمة
ويذكر دكتور سلامة ثلاثة عناصر تعدُّ من الأهم، في مجال البحث عن السُّبل للخروج من أزمة انتشار ظاهرة الإدمان على الإنترنت وهي:

أوّلاً: رفع مستوى التواصل الاجتماعي المباشر بين أفراد العائلة من جهة، وعلى صعيد أوسع مع المجتمع ككل، وذلك من خلال بناء العلاقات الهادفة والبناءة.
ثانياً: تعزيز مستويات الثقافة والمعرفة من أجل ردم الهوة بين الأهل وأبنائهم.
ثالثاً: تعزيز التربية على الأخلاق الدينية وخصوصاً لجهة العمل على شغل الفراغ الروحي والمعنوي الذي يعيشه الفرد.
وفي الختام، يشير دكتور سلامة إلى أنَّ طبيعة تركيب المجتمع أدّت إلى وجود ظواهر غير سويّة تسبَّبت في ارتفاع منسوب الفساد الأخلاقي، وضياع الشباب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع