نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مفتاح القلب.. كلمة

تحقيق: هبة عبّاس



التواصل الاجتماعي سمةٌ خصَّ الله بها الإنسان وميّزه بها عن غيره من المخلوقات لما للتواصل والحديث من أهمية استُمِدَّت من مدى تأثيره إما السّلبي عبر الكلام البذيء والمسيء أو الإيجابي عبر الكلام الطيّب والحسن سواءٌ على قائله أو متلقّيه. "بقية الله"وفي ملف هذا العدد، تضيء على أهميّة الكلمة الطّيبة ومدى تأثيرها على الآخرين سلباً أو إيجاباً، من خلال التحقيق مع شرائح مختلفة من المجتمع تتحدث عن آرائها وتجاربها في هذا الشأن.

* الكلمة الطيبة... أفضل
اعتبرت السيّدة مهى (29 عاماً) أنّ على الأفراد في مجتمعنا، ولاسيّما داخل العائلة الواحدة، التغاضي عن أخطاء بعضهم بعضاً والتركيز على الأفعال الجيدة والحسنة مضيفةً: "علينا دائماً النظر إلى نصف الكوب الممتلئ والتركيز على الكلمة الطّيبة التي قد نسمعها ممّن حولنا والتّغاضي عن الكلام السّيئ لا سيّما ممّن نعرف بأنّهم يحبوننا ويريدون لنا الخير، فالجميع قد يقع في فخ الانتقاد أو التعليق على أمر يقوم به، سواء طريقة التفكير، اللّباس، تربية الأطفال، أم أي أمر من أمور الحياة". وافقت الحاجة أم علي على طريقة تفكير السيدة مهى مؤكّدة أنها تستطيع كسب أي شخص وتغيير طباعه بكلامها الطيب والحسن. الحاجة أم علي، صاحبة القلب الطيب واللسان الحلو كما يصفها الجميع، أشارت إلى أنّ الإنسان لن يأخذ معه شيئاً عندما يموت، ولن يبقى له في الدنيا سوى سيرته و"صيته"بين الناس، مضيفة: "أريد أن يتذكرني جميع من يعرفني بالخير وبأني حسنة المعشر ولا أقول إلا الكلمة الطيبة"مؤكّدةً أن أثر الكلمة الطيبة أفضل وأقوى في تغيير تصرّفات وعقلية الآخرين الصّعبة من الكلمة السيئة.

كلمة بتحنّن وكلمة بتجنّن..
إن تأثير الكلمة الطيبة الإيجابي قد يحلُّ خلافاً أو يمنع قطع صلة رحم أو حتى طلاق زوجين وتمزق عائلة؛ فكما يقول المثل: "كلمة بتحنّن... وكلمة بتجنّن".السيدة حنان تحدثت عن تجربتها في هذا الإطار مشيرةً إلى أنّها كادت أن تخسر زوجها وتدمر عائلتها بسبب خلافاتها مع حماتها موضحة: "على الرغم من محاولات زوجي المتكررة للإصلاح بيني وبين والدته التي تعيش معنا وعلى الرغم من محاولته استيعابنا نحن الاثنتين إلا أنه فشل في ذلك، ربما بسبب عنادي أنا ووالدته ما كاد يؤدي إلى انفصالنا وتدمير عائلتنا، لكنّ نصائح والدي الذي طلب مني ملاطفة أم زوجي دائماً والتحدث معها بالكلمة الطيبة قد أثمرت حيث تغيّرت معاملتها معي وأصبحت تتقرّب إليَّ وتحبني وبالتالي أحسست أنا بالشيء نفسه ما جعلني أعتذر من زوجي عن قلّة تقديري للأمور وشكرت والدي على بُعد نظره ونصيحته". تجربة السيدة مريم لا تختلف كثيراً عن السيدة حنان حيث إنها عانت من زوجها الصّعب الطبع مشيرة إلى أنها استطاعت بكلامها الطيب معه دائماً تغيير وتعديل مزاجه مستشهدة في نهاية حديثها بالآية القرآنية: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ (إبراهيم: 24-25).

* العين بالعين!
الحاج أبو علي كان له رأي آخر، حيث رأى أن على الفرد التعامل مع الآخرين كما يعاملونه قائلاً: "السنّ بالسنّ والعين بالعين"أي إذا عوملت بالحسنى أردّ بالمثل لكن إذا عوملت بالسيئة فلا أسامح أبداً. واستشهد الحاج أبو علي بالقول المأثور: "إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردَ"معتبراً أن الكلمة الطيبة قد تنفع مع الكريم أما مع اللئيم فقد تدفعه إلى الاعتقاد بأنك ضعيف وغير قادر على أخذ حقك منه. السيدة هلا وافقت الحاج أبو علي رأيَه معتبرةً أن الكلمة الطيبة قد تؤتي ثمارها مع بعض الأشخاص أما الهجوميون والعدائيون بطبعهم فلا، قائلةً: "أنا أتبع مع هذا النوع من الأشخاص المثل القائل: بيِّن حقّك وفوتو أي لا أبادل الكلام السيئ بالحسن، ولا سيما إذا كنت أنا المحقة، بل أقول ما أريد قوله وأنسحب".

* القدرة على الكلمة الطيبة والسيئة
الحاجة أم حسن رأت أن لبعض الناس القدرة على الكلام الطّيب حتى مع الأشخاص سيّئي الطباع مما قد يدفع هؤلاء إلى تغيير طباعهم وكلامهم. وعن تجربتها تحدّثت الحاجة أم حسن عن جارتها الجديدة والتي ما كانت تتكلم معها أولاً، مضيفةً: "كنت كلما رأيتها حاولت ملاطفتها إلا أنها كانت دائماً لا تتجاوب معي وتختصر في كلامها، كما كنت أحياناً أرسل لها طعاماً للتقرب إليها، وبالفعل بعد مرور شهر على انتقال هذه الجارة تغيّرت طباعها معي قالت أم حسن وأصبحنا من أعزّ الأصدقاء وقد أسَرَّت لها الجارة أن كلامها وطيب معشرها استطاعا مساعدتها على تغيير طباعها مع الكثير من الأشخاص".

* الإسلام والكلمة الطيبة
استكمالاً للموضوع وللإضاءة على الجانب الديني منه التقت "بقية الله"السيد سامي خضرا الذي عرض للأهمية الدينية للكلمة الطيبة، فكانت لنا معه هذه المقابلة.

- ما مدى أهمية الكلمة الطيبة في الإسلام؟ وما هو تعريفها بالضبط؟
أوصى الإسلام بالكلم الطيب وأكد على المسلمين أن لا يتفوهوا إلا بالكلمة الحسنة. ومن التشابيه الجميلة في القرآن الكريم أن الله تعالى ضرب مثلاً ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (إبراهيم: 24). وهذه الأهمية تأتي من تأثيرها المهم على قلب المستمع فهي ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ويقول الله تعالى في كتابه الحكيم في سورة البقرة: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة: 83)، ويقول سبحانه: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ (الإسراء: 53).

إذاً، هناك حرص دائم في الدين على قول الكلام الأحسن. أما بالنسبة إلى تعريف الكلم الطيب، فهو الكلام المقبول عند الطرف الآخر وليس فيه ما يستفز أو يؤدي إلى الشّتيمة أو اللعن. وفي هذا الإطار نهى الإسلام حتّى عن لعن أو شتيمة آلهة الآخرين أمامهم؛ لأن هذا سيؤدي إلى شتم آلهتنا، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ (الأنعام: 108).  وقد رُوِيَ عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه نصح شخصاً بأن لا يشتم أباه فتعجب الرجل وقال: يا رسول الله وهل هناك من يشتم أباه؟ فقال: نعم إذا شتمت أبا أحد فإنك تستدعيه ليشتم أباك. وعليه، يُفترض بنا دوماً الحرص على الكلام الطيب على اعتبار أنه إن لم يكن المستمع أهلاً للكلام الطيب فنحن أهلٌ لما يخرج منّا.

- هل الكلمة الطيبة واجبة في الدين الإسلامي؟ ومع من هي واجبة تحديداً؟
الكلمة الطيبة مطلوبة مع كل الناس وإن كان هناك خصوصية لبعض الأشخاص نتيجة قدسية أو حرمة معينة. وتتجسد مع الآباء والأمهات إضافة إلى الأجداد وذلك من باب بر الوالدين، أما مع الزوج فمن باب حسن المعاشرة، ومع الأولاد من باب حسن التأديب، والكلمة الطّيبة مطلوبة مع الجيران من باب حق الجار.

- ما هو أثر الكلمة الطيبة في نفس قائلها وفي الآخرين؟
حسنات الكلمة الطيبة كثيرة جداً، فهي عنوان إلى الصراط المستقيم، وفي سورة الحج يقول الله تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (الحج: 24). وقد أمرنا الله تعالى بأكثر من ذلك، أمرنا أن نُعرض عن اللغو إذا سمعناه لأنه كلام أهل الجهالة كما ورد في الآية الكريمة: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (القصص: 55). أما بالنسبة إلى أثر الكلم الطيب في الآخرين، يقول الله تعالى في سورة فاطر: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ (فاطر: 10)، فهو:
أولاً: يجذب ويقرّب من الآخرين.
ثانياً: يظهر أثره حتى ولو بعد حين.
ثالثاً: إنّه قد يفوّت الفرصة على السّفهاء، لأن السّفيه بطبعه ينتظر الكلمة السيئة ليفتعل المشاكل والكلام الطيّب يلجمه عن افتعال المشكل.

ماذا عن تأثير الكلمة السيئة؟ يظهر تأثير الكلام السيئ من خلال:
أولاً: يُنفر الكرام ويجرّئ اللئام.
ثانياً: هو يوغل القلب أي يشحن القلب ضد الآخرين
ثالثاً: يؤدّي الكلام السيئ إلى إفساد العلاقات بين الناس.

- ما رأي سماحتكم فيمن يعتبر أنه ينبغي أن يبادل الكلام الطيب بالطيب والسيئ بالمثل؟
في هذا الإطار أقول: إنّ بعض الناس قد لا يقدّرون الكلام الطيب الذي يقال لهم ولكنّ الأكيد أن مبادلتهم الكلام السيئ سيكون له الأثر السيئ ونحن لا نريد ذلك؛ لذا إذا بادَرَنا أحدُهم بالكلام السيئ فالأفضل لنا السكوت على مبادلتهم بنفس الكلام؛ لأن ما ننطق به هو عنوان هويتنا فإذا كان الآخرون غير مؤهلين للكلام الطيب فلا شك بأننا، على عكسهم نحن لسنا مؤهلين ولا يليق بنا الكلام السيئ، وإذا كان الإسلام قد نهى عن فضول الكلام وإن لم يكن فيه سوء فكيف إذا كان هناك إساءة للآخرين!؟

- كيف نستطيع تربية أنفسنا أولاً ثم أطفالنا على الكلمة الطيبة؟
لا شك أن الكلِم الطّيب إذا كان شائعاً في بيئة معينة فسوف ينعكس على المحيطين، ولا سيّما على الأطفال الذين هم عادة الأكثر تأثراً، إذ نجد أنّ الأصدقاء مثلا يأخذون من بعضهم بعضاً العادات والصفات وحتى الكلمات، لذلك علينا التنبه إلى من نصادق، لأن بعض الأهالي يعلّمون أولادهم شتم الآخرين وهذا لا يجوز أبداً. أما عن تربية أنفسنا على الكلم الطيب فهناك ما يسمى بـ "حبس الكلام"، إذ إن الإسلام يدعو إلى تعلم الصمت كما نتعلم الكلام. والمشكلة أننا، في أيامنا هذه، نتكلم بدون حساب أو رقيب لذلك علينا تدريب أنفسنا على عدم الكلام، وخاصة عندما نشعر بشهوة الكلام التي هي نوع من أنواع الشهوات، ولا سيّما أنّه في مجتمعاتنا قلّما نجد من يمتنع عن الكلام أو يحاسب نفسه أو يراقب الكلام الذي ينطق به لذلك ينصح الإسلام المرء أنّه: "إذا وجدت من نفسك شهوة فاصمت"، وهذه الشهوة مثلها مثل باقي الشهوات بحاجة إلى الضبط والمراقبة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع