نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهيد الوعد الصادق محمد حسين أبو طعام

نسرين إدريس قازان

 



شهيد الوعد الصادق محمد حسين محمد جعفر أبو طعام (السيّد أبو طعام)
اسم الأم: زينب أبو طعام
محل وتاريخ الولادة: بنت جبيل 15/ 08/ 1968
الوضع العائلي: متأهل وله ثلاثة أولاد
رقم السجل: 117
محل وتاريخ الاستشهاد: بنت جبيل 07/ 08/ 2006.

تحت ركام ذلك البيت، وبعد مرور أكثر من سنة على انتهاء عدوان تموز 2006، كان الترابُ لا يزال ندياً يرسمُ حدود جسدين كانا يمكثان هنا قبل عام، بعد أن قادا "أوركسترا" عسكرية هزمت العدوَّ الصَّهيوني وأذلّته..، حاول بعض الناس في البداية اكتشاف مصدر هذه الرطوبة، لكنهم لم يجدوا شيئاً.. فأدركوا السرّ وصارت الناسُ تأخذُ حفنات من ذاك التراب لتحتفظ بها... فهنا بنت جبيل.. هنا استشهد القائدان خالد بزي ومحمد أبو طعام.. وهنا لا يزال التراب ندياً.

* في طريق المقاومة
منذ بلوغ محمد السادسة عشرة من عمره، اختار السير في طريق المقاومة، ليس لأن الحماسة أخذته، بل لأن تديّنه دفعه إلى ذلك، مع ما اختزنه وجدانه من مشاهد الحرب الأليمة التي رآها بأم عينيه وعايش أحداثها الموجعة ومنها استشهاد والده في القصف. كان عمر محمد آنذاك تسعَ سنوات، وقد اضطرّت العائلة إلى ترك منزلها في برج حمود، وصارت الأيام عبارة عن تنقُّلٍ من قرية إلى قريةٍ بحثاً عن مكانٍ أكثر أمناً، فعاش محمد شعور عدم الانتماء إلى مكانٍ وإلى بيئةٍ تصقلُ طموحاته وتطلعاته، إلى أن استقرت العائلة في منطقة حي ماضي- في الضاحية الجنوبية - والتي كانت في تلك الفترة عبارة عن خطّ تماس. وهناك تعرّف محمد إلى إخوة مجاهدين، وبدأ العمل معهم سراً وخفية عن أمه التي كانت تخاف عليه كثيراً، وبالمقابل كان هو يداريها كمن يداري طفلاً صغيراً، لشدة ما تركت معاناتها وتعبها من أثر عميق في قلبه. منذ التحاقه بصفوف المجاهدين، بدأ محمد بتطوير مهاراته العسكرية والجسدية، بموازاة قيامه بتربية روحه تربية إسلامية صحيحة، ليوائم بين التزامه وجهاده، فعكس نموذجاً صالحـاً للشـاب المجـاهد. ولم يقتصر عمله الجهادي على المنحى العسكري، بل كان سبَّاقاً إلى العمل الثقافي والاجتماعي والإعلامي، وحتَّى التَّربوي، فلم يترك نشاطاً يفوته تنظيماً ومواكبةً.

* ولدٌ بار وأخٌ حنون
إلى جانب عمله الجهادي، عمل محمد منذ صغره لمساعدة والدته في إعالة إخوته، وما كان يجنيه كان يعطيه لها. وقد بنى علاقة مميّزة جداً مع أمّه التي لشدّة تعلّقها به كانت تحاول حمايته من الحرب التي نشرت ألسنتها في كل مكان، وكان هو، خفية عنها، يتنقلُ بين شراراتها، وعندما يعود كان دائماً يطيّب خاطرها، ويطلب رضاها.  كان محمد حنوناً جداً على إخوته. وكان الكبار والصغار على حدٍّ سواء يستشيرونه في أمورهم ويأخذون بنصائحه، فيما هو يحملُ همومهم ولا يرتاحُ له بال إلا عندما يرى الراحة قد بسطت علاماتها في نفوسهم. في العام 1990، تعرضت منطقة حي ماضي لقصف عنيف، فتأهب محمد ومن معه من مجاهدين للتصدي ونقل الشهداء والجرحى من المدنيين إلى المستشفى. وكان من بين المسعفين أخوه الصغير "قاسم"، الذي كان مجاهداً مغواراً، وقد استشهد في ذلك اليوم وهو يقوم بنقل الجرحى.

تأثر محمد كثيراً باستشهاد أخيه، وعزَّ عليه كثيراً أن يحمل جثمانه، لذا، أسمى ابنه البكر على اسم أخيه الشهيد. تزوج محمد في مطلع شبابه بعد أن طلبت منه أمه ذلك، ظنّاً منها أن بناء الأسرة ومسؤولية العائلة ستبعده عن المخاطر قليلاً، ولكن ذلك لم يحصل، فقد اعتبر محمد أن أولاده الثلاثة هم ذخيرة جديدة للمقاومة الإسلامية، وعمل على تربيتهم على ذلك.

* معهم تستكين الروح
شارك محمد في العديد من العمليات العسكرية والمهمات الجهادية الحسَّاسة. وقد واكب مراحل عمل المقاومة منذ بدايات تأسيسها، وطوى الأيام الصعبة في قلب المواجهات، فأصيب في قدمه أثناء مشاركته في إحدى العمليات العسكرية إصابة بالغة، مما أرغمه على الابتعاد عن ممارسة بعض الأعمال الجهادية، وكان ذلك يؤلمه أكثر بكثير من أوجاع الإصابة، حتى إذا ما بدأ يتماثل للشفاء سارع للعودة إلى مركز عمله لتستكين روحه التي لم تعرف معنى الاستقرار إلا بين المجاهدين.  بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على التحاقه بالمقاومة، كان نصر أيار في العام 2000. وطوال تلك السنوات لم تغب فكرة الشهادة عن باله طرفة عين، كما لم يغب ذكرها عن لسانه، فكان يطلبُ من الله في دعواته أن يرزقه الشهادة التي يرضاها، فإذا ما لاحت بشائر التحرير، نبض قلبه بالخشية خوفاً من انحسار فرصة الشهادة.

* أوهن من بيت العنكبوت
بعد التحرير، بدأ محمد عمله في مدينته بنت جبيل، وكم كانت الفرحة التي غمرت قلبه كبيرة، بعد أن عاد إليها ليسمع مقولة الأمين العام الشهيرة: "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت". ولم تكن تلك الكلمات جملةً حماسيةً في عقل محمد بقدر ما رآها مسؤولية كبيرة ألقيت على عاتق المجاهدين، فالحفاظ على النَّصر أهم من النَّصر. ومنذ تلك اللحظة بدأ محمد عمله في بنت جبيل، العمل الذي أخذ منه جهداً وتعباً أوصله إلى حدِّ أنه اختزل نفسه لأجل أن يقلّص الفترة الزمنية التي يحتاجها تحصينُ المجتمع المقاوم. في تموز من العام 2006 كان محمد في مركز عمله عندما سمع أخبار عملية الأسر. كان خبراً أيقظ الترقّب في عقله، فهو يعرفُ إسرائيل جيداً، فإذا ما كان قرارها بالحرب، فستكون مدينة بنت جبيل من أبرز الأهداف لغطرستها.

* ما زال التراب ندياً
عاد محمد إلى المنزل سريعاً، اطمأن إلى عائلته، والتحق مباشرة بمكان عمله الذي تحوّل في الليلة ذاتها إلى كتلة من نار.. وجنباً إلى جنب مع المجاهدين الشهيدين القائدين خالد بزّي ومحمد قانصوه، سطَّر أروع ملاحم البطولة في بنت جبيل، التي أراد العدو أن يبرهن من خلال تدميرها واحتلالها أن إسرائيل هي "بيتُ الفولاذ"، فتغلَّب صدى كلمات السيد نصر الله حفظه الله على الدبابات والطائرات وظلَّت أوهن من "بيت العنكبوت".

 كان محمد يواكب المجاهدين، ويسحبُ الشهداء والجرحى، إلى أن كان يوم الشهادة، يوم السابع من شهر آب، عندما كان مع الشهيد خالد بزي بالقرب من أحد البيوت إذ استهدفتهما الطائرات الحربية، فاستشهدا على الفور، وبقيا تحت الركام إلى انتهاء العدوان الغاشم. وقد لاحظ الناسُ أن التراب تحت الجثمانين ظلّ رطباً لمدة تزيد عن السنة، لتُضاف هذه الكرامة إلى كرامات عديدة شهدتها بنت جبيل، وصارت محجاً للناس من مختلف الأطياف والأديان.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع