نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المسلمة زوجة وأم وعاملة


الشيخ حسن أحمد الهادي


ليس بين الناس تفاضل في الإنسانية؛ فلا فرق بين أنثى وأنثى، وبين ذكر وذكر، وبين ذكر وأنثى، قال الله تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً... (النساء:1). وقال تعالى: ﴿... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ (آل عمران: 195).  فقوله ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ أصل تشريعي يعبّر عن وحدة موقع المرأة والرجل في نظام القيم والحقوق والواجبات في الإسلام، فكل منهما ينتمي إلى حقيقة واحدة، ويتكامل مع الآخر في هذه الحقيقة. وقد كثرت الآيات التي تتحدّث عن وحدة أصل الخلق، قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (النجم، 45 46).

* وحدة الوظيفة العامة للبشر
إنّ مهمة الاستخلاف، وإعمار الأرض، واستخراج خيرات الطبيعة والتمتّع بها، واحدة لجميع البشر ذكوراً وإناثاً، قال تعالى مخاطباً الإنسان، ذكراً وأنثى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاَ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (الحج: 65)، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً... (لقمان: 20). وبناءً على قاعدة وحدة الوظيفة العامة للبشر في العبادة وفي إعمار الأرض وتسخير الطبيعة لهم جميعاً، فإنّهم جميعاً ذكوراً وإناثاً على مستوى واحد في حق الاستمتاع والاستفادة من نعم الله المادية وطيّبات الحياة(1). ولهذا فإنّ نظرة موضوعية واحدة إلى الأخبار المتعلّقة بالعمل والعلم، تؤكِّد لنا أنّ الإسلام لم يحرِّم نوعاً من العمل أو العلم على المرأة، بعد أن أباحه للرّجل، فللمرأة أن تمارس أي عمل من الأعمال، كالزراعة والطب والهندسة والإدارة والوظائف السياسية، والتعليم... الخ. فليس في الإسلام عمل إنتاجي، أو خدمي محلّل للرّجل، ومحرّم على المرأة، فالكل في أحكام الشريعة سواء.

* الفرق في التكليف
يكمن الفرق بين الرّجل والمرأة في بعض الواجبات التي كلّف بها الرّجل أو تكلّف بها المرأة، أو في بعض الصلاحيّات التي روعي فيها التكوين النفسي والعضوي لكل منهما، وضرورة تنظيم الحياة الاجتماعية وإدارتها. فإنّ الأصل في الشريعة الإسلامية هو إباحة العمل، بل إيجابه في بعض الأحيان إلاّ ما حرّم في الشريعة أو ما أدّى إلى الوقوع في المحرّم بلا فرق بين الرجل والمرأة. ولهذا لا نجد حكماً يحرِّم العمل على المرأة بالعنوان الأوّلي، وإنّما يستدلّ من يحرِّم العمل على المرأة خارج البيت بعناوين أخرى، ويعترض بعضهم بأنّ عمل المرأة ضمن مؤسّسات العمل المختلطة يقود إلى الفساد والوقوع في المحرّمات، أي أنّ الحرمة جاءت بسبب ما يؤدِّي إليه الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء خلال ممارسة الأعمال من الوقوع في الحرام، أو بعناوين تشبهه، وبعبارة أخرى هي من باب تحريم مقدّمة الحرام، أو تحريم المباح الذي يقود إلى الوقوع في المحرّم. والواضح هنا أنّ العمل الذي يقود إلى الوقوع في الحرام هو محرّم على كلا الجنسين، الرّجل والمرأة، وعندئذ يستوجب الموقف منع الاختلاط، وتوظيف العنصر الذي يحتاجه العمل بغضّ النظر عن كونه رجلاً أو امرأة.

* تنوّع الوظيفة الخاصة لكل من الرجل والمرأة
صحيح أنّ الإسلام ينطلق في نظرته الحقوقية والقيمية من وحدة الهوية والنوع، وعدم التفاضل في الخلق والوظيفة العامة بين الذكر والأنثى، إلا أن هذا لا يتنافى أبداً مع وجود وظيفة خاصة لكل منهما في الحياة.  فثمة خصوصية لكل منهما ترتبط بالدور المنسجم مع التكوين الجسدي؛ والعقلي؛ والنفسي؛ والروحي؛ في كل من الرجل والمرأة، ولا علاقة لهذه الجنبة الخاصة بأفضلية أحدهما على الآخر كما توهّم الكثيرون، ممن أغرقوا الساحة بالحديث عن دونيّة المرأة بالنسبة إلى الرجل في التشريعات الإسلامية، فحتى اختلاف التشريعات بينهما، وتفصيل حقوق كل منهما وواجباته؛ إنما هو لحفظ خصوصية وتنظيم حقوق وواجبات كل منهما في القضايا العامة والخاصة لا أكثر. وهذا التنوّع الوظيفي ناشئ من أسباب موضوعية لها علاقة بوظيفة كل من الرجل والمرأة (2).

* الإسلام وتكامل البشر
من المسلّم به كما يقول الشهيد مطهّري"رحمه الله" أن الإسلام لم يضع للمرأة والرجل في جميع المجالات حقوقاً متشابهة، كما أنّه لم يضع عليهما في جميع المجالات تكاليف وعقوبات متشابهة، لكن هل معنى ذلك أن مجموع الحقوق التي منحها للمرأة أقل قيمة وأهمية من الحقوق التي منحها للرجل؟ بالطبع، لا (3).  وهو ما اعتبره الإمام الخامنئي} نظرة خاطئة، ومخالفة لنظام الخلق، حيث قال: "علينا أن نبقي على المرأة امرأة وعلى الرجل رجلاً، وإلا إذا بدّلنا الرجل إلى امرأة في جميع خصوصياته؛ وأخلاقه؛ وسيرته؛ وواجباته وأعماله، وبدّلنا المرأة رجلاً، نكون قد قمنا بعمل خاطئ، ونكون قد قضينا على النظام الأتم والأكمل للخلق" (4). وبالنتيجة يمكن القول إنّه لا يوجد فروق ذاتية في أهليّة المرأة وكفاءتها للعمل في أي مجال من المجالات الكبيرة أو الصغيرة بنظر التشريعات الإسلامية. كل ما في الأمر أن هذه التشريعات توجّه كل من الرجل والمرأة للقيام بالأعمال التي تنسجم مع وظيفته الخاصة، وبهذا يتحقّق التكامل بين البشر كما يقول الإمام الخامنئي"دام ظله": "الإسلام يدعم تكامل البشر ولا يفرّق بين الرجل والمرأة، ولا يركّز على جنس الرجل أو جنس المرأة، بل إنه يسعى إلى تكامل البشر"(5).

* لماذا تعمل المرأة؟
تُطرح الكثير من التساؤلات حول قضية عمل المرأة، اعتماداً على أن الدين قد حفظ لها قوتها وحاجاتها المادية؛ ففرض على الرجل تأمين نفقاتها وأسرتها، ليكون بذلك قد وضع عنها عبئاً ثقيلاً. وتبعاً لهذا المنطق يصبح موضوع عمل المرأة مسألة اختيارية محضة. والواضح أن هذه النظرة الضّيقة، لا تستند إلى رؤية موضوعية ومتكاملة إلى وظيفة المرأة في الحياة كشريك للرجل؛ تتناصف معه إدارة المجتمع، وتؤدّي دوراً كبيراً في تشييد أركانه. والصحيح هنا، أنه يجب النظر إلى قضية عمل المرأة على أنها تشكّل بعداً خاصاً من أبعاد الحضور الاجتماعي الفاعل لها، وأداءً طبيعياً لدورها ووظيفتها العامّة في الحياة، وهي لا تنطلق بالضرورة من السعي لتأمين الحاجات المادية فحسب، بل إن دوافع المرأة نحو العمل كثيرة ومتعدّدة، كالحاجة إليها في وظائف يجب أن تؤدّيها خصوص المرأة في المجتمع الإسلامي، أو أداء الوظيفة الطبيعية للمرأة فيما يخصّ النساء, بل حتى لو كان عملها من باب تحقيق الطموح والذات فهو من الأمور الراجحة والمقبولة والضرورية، بل قد يكون محرّكاً للإبداع عند المرأة في مجالات عملها المختلفة كما أثبتت التجربة.

* رأي الإمام الخميني قدس سره
وهذا المنحى هو ما يفهم من كلام الإمام الخميني قدس سره بوضوح في نظرته إلى دور المرأة ووظيفتها في المجتمع، حيث اعتبر أن الإسلام يؤهّلها للقيام بهذه الوظائف، فقال: "يؤهّل الإسلام المرأة لأن يكون لها كالرجل دور في جميع الأمور، فالمرأة أيضاً تمتلك مثل هذا الدور"(6). وإنّ الإسلام يأخذ بنظر الاعتبار حقوق النساء مثلما يهتم بحقوق الرجال... "فلهن الحرية في ممارسة نشاطاتهن وبكامل إرادتهن، وفي انتخاب العمل"(7). "فلتعمل المرأة ولكن بالحجاب، ولا مانع من عملها في الدوائر الحكومية، ولكن مع مراعاة الحجاب الشرعي، والحفاظ على الشؤون الشرعية" (8). وعلى نفس هذا المبدأ يدعو الإمام الخامنئي قدس سره النساء إلى التخصّص في جميع الفروع الطبية، ما يقتضي عملهن بتخصصاتهن، فيقول}: "على النساء التخصّص في كافّة الفروع والتخصّصات الطبية وعدم الاكتفاء بالطب النسائي"(9).

* بماذا أخطأت المرأة الأوروبية؟
تمثّل أول خطأ ارتكبته المرأة الأوروبية في إساءة التعبير عن مطالبها، فبدلاً من أن تحدِّد الطريق الذي ترغب في عبوره، أعلنت أنها تريد أن تسير بجانب الرجل. وغاب عنها أن السير بجانب الرجل على حد المساواة مجرّد نظرية لا يمكن تحقيقها عملياً، وذلك لأن المساواة لا يمكن تحقيقها إلا إذا تشابهت الأهداف تشابهاً تاماً... والحياة لا تحتمل هذا التشابه، لأن كل نوع يؤدي مهمة تختلف عن الآخر، ويستمدّ بقاءه الطبيعي من هذه المهمة وحدها (10).

* التزاحم بين العمل وإدارة الأسرة
لم يبق مجال للشك في أن النظرة الموضوعية، والعلمية، الصحيحة والصحيّة إلى عمل المرأة، تعتبر أن المرأة شريك حقيقي وواقعي للرجل في أداء الوظائف والأعمال التي تنسجم مع وظيفتها، وتلبّي أهدافها وطموحاتها في الحياة؛ ولكن هذا يجب أن لا يتعارض مع وظيفة هامة وأساس ترتبط ببناء أفراد المجتمع وتربيتهم من خلال مجتمعها الصغير، وهو الأسرة، وهذا يعني أن أعمال المرأة يجب أن تتناسب مع سياقات الدين، على قاعدة تماسك أوصال الأسرة واستحكام بنيانها، ومن هذه السياقات مسألة التوافق بين الزوجين حول خروج المرأة من البيت ونحوها.. وعندها لا يعتبر إذن الزوج مقيّداً للمرأة إلا في حالات محدودة... "وفي كل الحالات ينبغي على المرأة أن تطوي كشحاً عن العمل الخارجي في حال بروز اختلاف يهدّد حفظ كيانها الأسري، حتى لا تكون المرأة من أوّل المتضرّرين من عملها"(11).

* ضوابط عمل المرأة
بعد إثبات أن عمل المرأة من الحقوق الطبيعية لها، بل الواجبة أحياناً، يجب بيان مجموعة الضوابط والشروط التي وضعت لعمل المرأة بلا فرق بين العمل المأجور أو العمل الطوعي والتبرّعي وهي:
1ـ عدم تعارض العمل مع الحقوق الزوجية للزوج.
2ـ أن لا يكون العمل على حساب إدارة تنظيم الأسرة.
3ـ الالتزام ومراعاة الحدود الشرعية في الستر، والكلام مع الآخرين.
4ـ عدم ارتكاب المحرّم أو ما يؤدي إليه.


(1) مسائل حرجة في فقه المرأة، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ص 9 19.
(2) م. ن، ص 20.
(3) نظام حقوق المرأة في الإسلام، الشهيد مرتضى مطهري، ص104.
(4) دور المرأة في الإسلام، السيد علي الخامنئي"دام ظله"، ص13.
(5) م. ن.
(6) من حديث للإمام الخميني قدس سره في قم، 1/2/1980.
(7) من حديث للإمام الخميني قدس سره بتاريخ، 29/3/1979.
(8) من حديث للإمام الخميني في قم 6/3/1979.
(9) دور المرأة في الإسلام، م. س، ص،12.
(10) الحديث عن المرأة والديانات، الصادق النيهوم، ص49.
(11) مجلة الحياة الطيبة، العدد 18، ص247.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع