نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهيد الوعد الصادق: قاسم سليم حجيج (مجتبى)

نسرين إدريس قازان

 



اسم الأم: فاطمة محمد سعد
محل وتاريخ الولادة: دير انطار 12/03/1986
الوضع العائلي: عازب
رقم السجل: 20
محل وتاريخ الاستشهاد: الريحان 05/09/2006

وعمّت الفرحة قلوب الناس بعد توقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وانتصار المقاومة. ولم تمحُ كثرة الجراح والأحزان ابتسامات البشائر التي أشرقت على وطنٍ كان الدمارُ قد التهم أمكنةً عديدةً فيه. ولكن شاباً تأكله الحسرة وقفَ يتفرّجُ على قوافل العائدين من خلف غشاوة الدموع وكفّاه عابقتان برائحة البارود.. لم يعرف قاسم ماذا يفعل، وهو الذي عاش عمره يحملُ على أشفار عينيه حلماً واحداً: "الشهادة"، فإذا ما دقّ نفير الحرب كان أول الملتحقين بالجبهة، فسلاحه جاهز، وقلبه المذخر عشقاً متعجّل للوصول، وكيف لا يكون كذلك، وهو منذ نعومة أظافره تشرّب حبّ الإمام الحسين عليه السلام، ولم تكن جملة "يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظمياً" أحرفاً تعزفها دموع الولاء فحسب، بل كانت دستوره في الحياة..

* فوق رمال كربلاء
كان صوته الحنون والحزين يرنّ في أرجاء مسجد القرية، وهو يُلقي القصائد المنظومة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. ولكن قاسم كان يبحر في تلك الكلمات، ويغيبُ عن المكان والزمان، لتطوف روحه فوق رمال كربلاء.. هذا الذوبان بحبّ الإمام الحسين عليه السلام منحه شرف الخدمة في المواكب الحسينية، فكان من المنظّمين للشعائر من أصغر تفصيل إلى أكبره، ودائماً ما يكون السبّاق في التنظيم، فتراهُ تارة بين الجالسين للاستماع إلى المجلس، وتارة أخرى يتنقلُ بين صفوف المسيرات بهمّة عالية.. في كشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه، عاش قاسمُ حياته، وتدرّج ضمن صفوفها حتى صار قائداً يُعلّم الفتية ما تعلّمه. وكان شاباً متحمساً، مبادراً، ابتعدَ عن تلقين القيم والمعلومات، وعمد إلى تجسيد القيمة في أفعاله وسكناته، ليرى الفتية أمامهم قدوة حسنة للإنسان المؤمن والطيّب والمجاهد..

* جسر العبور
أجاد قاسم ربط كل الدّروس، الثّقافية منها والتّربوية، بكربلاء. فهو رأى أن عاشوراء هي المنبع الأصيل للثقافة الإسلامية، فاختصرت الأخلاق السامية والقيم العالية، وجسّد أبطالها النموذج الذي لم يفت قاسم أن يسبر أغواره، ليصلَ إلى حقيقة ما يريدهُ باطمئنان، فكان كيفما تلفّت يردد: "النوم على الجبل أفضل من النوم على السرير"، لأنّ الجبل هو ساحة اللقاء بالله عزّ وجلّ، وهو جسر العبور القاني إلى الآخرة.. كان قاسمُ يهوى التمثيلَ ويبرع فيه. ولم يُصدّق نفسه حينما أُبلغَ بأنه سيؤدي دور الإمام الحسين عليه السلام في مسرحية "آهٍ حسين" العاشورائية التي أقامتها مفوضية جبل عامل في كشافة المهدي عجل الله فرجه.. كانت فرائصُ قاسم ترتجفُ وهو يحفظُ دوره، حتى إذا ما أزيح الستارُ، وأدّى قاسم الدور، لُطمت الصدور وانهمرت الدموع تفاعلاً مع صوته وإيماءاته، فحاز على تنويهٍ من المفوضية، لبراعته في تجسيد "الآه" بروحه وجسده.. تجلّت المعاني التي ربّى قاسم نفسه عليها في حياته، فكان الشابَّ المؤمن الخدوم، الذي واظب على حضور صلاة الجماعة يومياً في المسجد، وحرص على أن لا تفوته، كما ألزم نفسه بالكثير من المستحبات التي وضع لها برنامجاً خاصاً حتى باتت عنده كالواجبات..

* زرعٌ طيّب
هذه العلاقةُ الخاصة بالله عزّ وجلّ وأهل البيت عليهم السلام، كان أساسها الزرع الطيّب لوالدين حرصا أن ينشئا أولادهما على الخطّ القويم، ولم يتوانيا عن بذل ما في وسعهما لأجل ذلك. ولأن فطرة قاسم طيّبة وطاهرة، فقد أينع ذلك الزرعُ سريعاً، فكان طفلاً ملتزماً، سبّاقاً بين أقرانه في وعي وإدراك الأمور وتحمّل المسؤولية، فالهدوء والاتزان اللذان تحلّى بهما ووسما شخصه، أبعداه عن كثرة اللعب أو المشاغبة، ولزم حدود الطفولة الساكنة.. كان قاسم يقصد المسجد ليحضر الدروس الدينية التي تعطى فيه. ولم يكن ليُفتقد من المسجد عند الصلاة حتى في شهر رمضان المبارك، بل كان يأتي قبل الإفطار منتظراً إقامة الأذان، حتى إذا ما أقيمت الصلاة، وقبل أن يتفرق الناس إلى بيوتهم، وزّع التمر على الصائمين كسباً للأجر.

* أجمل أيام حياته!
تلك الروحية الإيمانية العالية أهّلته باكراً لصقل روحيته الجهادية، فسرعان ما التحق بالدّورات العسكرية. وقد لفت أنظار المجاهدين إليه بشجاعته وتفانيه وإيثاره، ودقته في تنفيذ ما يوكل إليه من مهام. اهتمّ قاسم كثيراً بإخوته، وكان يواكبهم ويساندهم في شؤون حياتهم، ويرشدهم إلى القرار الحكيم حينما يحتاجون للنصيحة. وكان لهم مثالاً للإنسان الصالح. فهم رأوا فيه الابن المبادر لمساعدة والدته في شؤون المنزل وتدبيره، وإذا ما لمس عندها تعباً تحيَّرَ كيف يخفّف عنها، ولم يعدم وسيلة لبسط الابتسامة على وجهها، والراحة في مُحياها، وكذلك الأمر مع والده، فهو كان يعتمد عليه في كثير من الشؤون. 

تابع قاسم دراسته إلى جانب نشاطاته الكشفية وحتى العسكرية. وقد أنهى دراسته المهنية في اختصاص المعلوماتية الإدارية بتفوّق. وكان تلميذاً نجيباً مؤدباً، يضرب به المثل بين أصحابه. كان قاسم ينتظرُ العطل المدرسية ليلتحق بالثغور. وكان يصف الأيام التي يقضيها مرابطاً على الثغور بأنّها أجمل أيام حياته، فكان يستأنس بالتعب، ولا تفتر همّته ولو قليلاً..

* واستجيبت دعوة المشتاق
كان قاسم يسأل الله تعالى صادق النيّة أن يجعله من الذين ينالون رضاه بالشهادة. وكثيراً ما ردّد أنه يشعر أن خاتمته لن تكون إلا بالشهادة. فإذا ما كانت حرب تموز في العام 2006، استبشر خيراً، فها هو في المعركة ملبّياً، يحملُ السلاح حيناً وينقل العتاد حيناً آخر، ويتفقّد المجاهدين ويسأل عن أحوالهم.. كان وجهه مشرقاً طوال الحرب. وبشوق الوالهين انتظر أن يرزقه الله عزّ وجلّ الشهادة، فإذا ما وضعت الحرب أوزارها، خنقته العَبرة، ولام نفسه على ما جنت في جنب الله ليحرمه من نيل رضاه، فبكى حسرةً، ولكن ساحة الجهاد ما لبثت أن نادته من جديد، وكأنها تعودت على سماع لواعج ذلك المشتاق، فلبس بزته العسكرية وانطلق لينزع القنابل العنقودية التي زرعها العدو الصهيوني في الحقول، وكانت منطقة الريحان هي وجهته.. استطاع قاسم، المدرّب جيداً على نزع الالغام، أن ينظّف العديد من الحقول، وبينما كان يعمل وإذ بقنبلة عنقودية تنفجر بين يديه، ليرتقي إلى جنات النعيم، وليلتقي بمحبوبه الإمام الحسين عليه السلام وفي صدره نار تردد: "آهٍ.. حسين".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع