نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإرادة الصّلبة

ليلى إبراهيم(*)

 



كنت أعاني من ضعف في البصر, منذ أن أبصرت النور. ولمّا أصبحت في الرابعة, قررت الالتحاق بمدرسة عادّية، لكنني قوبلت بالرفض، وذلك بحجة عدم استطاعتي الرؤية من مسافة معيّنة. وعندما أصبحت في سن الثامنة، علمت عن طريق الصدفة بوجود مدرّسة متخصّصة بالمكفوفين، فلجأت إليها.

في الثامنة عشرة فقدت، بصري بشكل كلّي، إلا أنني لم أنزوِ جانباً، بل زاد إصراري على المثابرة والجدّ والنشاط, لأن الحواس المعنوية (المشاعر, الخيال, العقل والإرادة الصلبة) أقوى ما عند البشر. لديّ العديد من الهوايات، أهمّها الكتابة التي بدأت مشواري معها منذ أيام الدراسة، فذات مرة وأثناء الدّوام المدرسي اتخذت ناحية من المكتبة ثم وضعت في الآلة الكاتبة ورقة, حينها خطر ببالي حكمة وهي "التعاون سرّ النجاح", فما كان منّي إلاّ أن جعلت حولها نصاً فكانت أوّل قصّة قمت بتأليفها, نسيت الورقة على الطاولة ثم انصرفت. في اليوم التالي أرادت مديرة المدرسة أن تقابلني، ثم خاطبتني بقولها: لقد قرأت ما كنت تكتبين البارحة, وأعجبت بأسلوبك الجميل, إذ أجد فيك كاتبة في المستقبل. حينها لم آخذ الموضوع على محمل الجد. مرّت فترة لا بأس بها من الزمان، فاعتقدت أنها نسيت الأمر.

ذات مرة، اتصلت بي عبر الهاتف، وقالت سوف أنفّذ لك ما وعدتك به في السابق. منذ ذلك الحين كانت لي السند والعون حتّى نشرتُ أولى مؤلفاتي. عندئذ كثرت حماستي وكرّت السبحة حتى أضحى لديّ الكثير من المؤلفات أذكرُ منها: الفراشة المغرورة, التّعاون سرّ النّجاح, ميلاد مازن, رحلة في الطبيعة, الفلّاح والدجاجة, سامي ولد نشيط, الخروف اللّطيف, من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها, ماذا حصل لشادي, البخيل الذي لا يرحم, الصّدق والأمانة, رشا والقلم الناطق, حسن لا يحب الطعام, مغامرات هاني, الوزة السحرية, كيف نتصرّف وغيرها... إن الدّافع الذي جعلني أنتقي عالم الطّفولة في مؤلّفاتي هو أنّ هذه المرحلة هي الأساس لبناء شخصيّة الفرد. 

ذات يوم، ولكي يتسنى للأطفال المكفوفين المطالعة، أقامت منظمة الأونيسكو بالتّعاون مع مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية مشروعاً يقضي باختيار مجموعة قصصيّة تربوية للأطفال، وذلك بهدف تسجيلها عبر كتب صوتية, وقد كان لي النصيب الوافر من تلك المختارات, والأهم من هذا، أن تلك المنظمة المذكورة قد منحت لمؤلفاتي صفة ذات الجودة العالية، إذ إن اختياري لفن التعبير يعود إلى أنّه الوسيلة الوحيدة التي أستطيع من خلالها أن أعبر عمّا يجول في خاطري.

لا بدّ لي من أن أصرّح أن الله تعالى قد منح بعض الناس قدرات تفوق قدرات الآخرين. وقد حدث أن تعرفت ذات يوم إلى أحد الأشخاص(1) الذي ترك أثراً كبيراً في نفسي، فقد كان مميزاً، كريم العطاء، صاحب خُلق وشهامة، وكان له دور هام في إنجاح مسيرتي، وكان ممن أضفى على حياتي صبغة وردية. فغرس مكان الأشواك وروداً، وبدّد الخوف ليحلّ مكانه راحة واطمئنان، ولولا وقوفه إلى جانبي ومد العون لي لما استطعت أن أستمر في مواجهة مصاعب الحياة ومصارعة منزلقاتها.  من هذا المنطلق، يجب على كل إنسان أن لا يتعثّر إذا ما طرأ على حياته واقع مرير، بل عليه أن يقف وقفة ثبات في مواجهة ظروفه مهما كانت قاسية، دون استسلام، لكي يدرك كيف يتلقّى الصدمات المحتملة وذلك عن طريق الشّجاعة, والعزم والتحدّي من أجل حياةٍ أفضل.


(*) كاتبة كفيفة.
(1) ساعد في طبع مجموعة من القصص التي كتبتها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع