نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كاتبٌ وقلم

إعداد: هبة عباس



يرون في ممارسته أُنساً لا يضاهى، يقرّون أنّه يسحبك إلى عالمه، ويجعلك سجينه، فلا تكاد تنتهي منه حتى تبدأ به مرة أخرى، إنه بالطبع فنّ الكتابة ومولوده المدلل، أي الكتاب، الذي ما زال يصارع رياح التّطور؛ ليثبت يوماً بعد يوم أنّ عشاقه ما زالوا مخلصين له ولن يستبدلوا أوقاتهم التي يقضونها برفقته بشاشة مضيئة متلبدة المشاعر والأحاسيس. "بقية الله"، وفي موضوعها تجربة كاتب، أضاءت على ثلاث تجارب مختلفة في فن الكتابة: الأدبيّة، الفلسفيّة والدينيّة، حيث كان لها لقاء مع السيّد يوسف عبّاس، ووزير العمل السابق الدكتور طراد حمادة وسماحة الشيخ أكرم بركات.

* تجربة أدبية
يهوى الكتاب، ويأنس برفقته، فيقضي في حضرته ساعات دون ملل. مخزون كلماته وجمله وأوصافه نهر متدفق لا ينضب. كتابه الأدبيّ الأوّل "أنشودة طائر الخيال" ينقلك إلى جماليات صور أدبية تنساب إلى مخيلتك لتترك بصمة وأثراً في نفسك. في رصيده أربعة كتب، ثلاثة منها أدبية وواحد روائيّ، إنه الكاتب السيد يوسف عباس. "الكاتب الأديب يختلف من حيث المعايير عن باقي الكتّاب"، بهذه الجملة ابتدأ السيد يوسف حديثه معنا، معتبراً أن السبب في ذلك يعود إلى أن الأدب هو حالة تعبيرية هاجت بها الحالة الشعورية، فتبرعمت ثم تفتحت بأجمل ما حوته اللغة من معانٍ ودلالات، موحيةً بذلك عن حقيقة المشاعر التي عاشها الكاتب من خلال مخاضاته الوجدانيّة والشعوريّة، لتنساب بعد ذلك من يراعه سهلةً سلسة، مضيفاً: "لا بد للكاتب الأديب أن يمتلك أولاً هذه الخصائص والملكات الشعورية قبل أن تكون له تجربة وخبرة في هذا المضمار. أمّا أدوات هذا الفن فهي اللّغة وعلومها وما حوته من جواهر ودرر وعندها يصبح الكاتب أديباً".

* لكل كاتب بصمة خاصّة
وبالحديث عن طريقته في الكتابة يرى السيد عباس أن عنوان الكتاب مهم جداً في شدّ انتباه القارئ، مضيفاً: "ما أطمح إليه عند الكتابة هو أن تتسنى لي فقط قراءة ما لم أجده مكتوباً في أيّ كتاب ولا عند أيّ كاتب. فعندما أكتب يحدوني يقين بأن ما سأكتبه سيكون مختلفاً كلياً، وله جماليته الخاصّة، وذلك لأن كل كاتب له بصمته الشعوريّة الخاصّة به المختلفة عن الحالات الشعورية للكتّاب الآخرين". وخلال اللقاء، لفت عباس إلى أهميّة تفاعل الجمهور مع الكتب التي تصدر، مؤكّداً أن الكاتب يؤنسه أن يجد من يقرأ له كتبه ويقدّر ما فيها أكثر ممن يشتريها ويدفع ثمنها ولا يطّلع على مضمونها، شاكراً ما تقوم به دُور النشر من دَور في تسويق ونشر الكُتب وطباعتها.

* ما بين القارئ والكتاب
واعتبر عباس أن القراءة من خلال الكتاب لها نكهتها الخاصة؛ لأنّ هناك حميميّة تقوم بين القارئ والكتاب غير متوفّرة في التكنولوجيا الحديثة عبر الحاسوب أو الإنترنت، وأضاف: "من يصادق الكتاب يعرف أهمية هذه الصّداقة والتي قد تصل إلى حد الإدمان؛ فيصبح الكتاب لا غنى عنه".  وفي الختام أوصى السيد يوسف عباس من يريد أن يصبح كاتباً وأديباً بالقراءة ثم القراءة ولا شيء غيرها، مضيفاً: "الله سبحانه وتعالى عندما بعث محمداً صلى الله عليه وآله نبياً قال له اقرأ ولم يقل له اكتب".

* تجربة كتابة في عالم الفلسفة
في رصيده ما يقارب الـ 34 كتاباً أدبياً وفلسفياً. موهبته ظهرت منذ صغره، صقلها بكثرة القراءة والدّراسة. بدأ كاتباً أدبياً إلّا أنّ الفلسفة أخذته إلى أحضانها. تأثّر بكبار الفلاسفة القدماء والمعاصرين أهمّهم ابن رشد والملّا صدرا الشيرازي، إنّه وزير العمل السابق الدكتور طراد حمادة. في بداية حديثه، اعتبر الدكتور حمادة أنّ الكتابة هي تجربة موضوعيّة، ذاتيّة وإبداعيّة بما فيها من الموهبة والإلهام الذي يعطي للكتاب والشّعراء نوعاً من القدرة على إبداع أو خلق صور أدبيّة أو شعريّة فريدة والوصول إلى الحقائق التي لا يستطيع الآخرون الوصول إليها أو رؤيتها. أما عن تجربة الدكتور الخاصَّة، فلفت إلى أنه ومنذ بداية مراهقته كان عاشقاً للقراءة، حيث كان يحتفظ بدفتر يسجّل فيه المقاطع التي تعجبه من أي شيء يقرأه، وموهبته التي امتلكها استطاع أن يصقلها ويغذّيها بالاطّلاع والخبرة والدراسة، وأضاف: "بداياتي كانت مع الشعر، حيث تم نشر قصائد لي وأنا في الرابعة عشرة من عمري فقط".
       
* مراحل صقل الموهبة
وفي حديثه عن تجربته الخاصة، قسّم الدكتور حمادة فترة صقل الموهبة التي امتلكها منذ صغره إلى ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى: وكما يقول، بَدَأَتْ في سنّ المراهقة والشباب، حيث كان يقرأ لعظماء الأدب العربي، أمثال نجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، كما أحبَّ قراءة الأدب الفرنسي ليصدر بعد ذلك ديواناً شعرياً بعنوان "تموز جاء" في سن التاسعة عشرة، وليستكمل بعدها دراسته الجامعية، فينال الليسانس في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية.

المرحلة الثانية: بدأت مع سفره إلى باريس، حيث شعر بأنّ على الشاعر أن يكون فيلسوفاً حتى يبدع، فبدأ بدراسة الفلسفة، وحضّر خلالها رسالة الدكتوراه باللغة الفرنسية في الملا صدرا الشيرازي بعد دراسة لفلسفته دامت نحو الثماني سنوات، كما أصدر ثمانية كتب فلسفية إلى جانب نشر العديد من المقالات الفلسفية.

المرحلة الثالثة: كانت عند عودته من باريس، حيث درّس مادة الفلسفة، واستمر بإنتاج الكتب الفلسفية المختلفة حتى تولّى منصباً وزارياً، لافتاً إلى أنه ورغم دخوله عالم السياسة إلا أن ذلك لم يبعده عن الفلسفة.

* الواقع الحقيقي للكتابة
وعن السبب الحقيقي الذي يدفعه للكتابة، أكّد الدّكتور حمادة أنّ السعي لمعرفة حقيقة الأشياء وإيصال رؤيته في كل الأمور إلى الناس هو من أهم الدوافع، معتبراً أن تلقّي الكاتب مالاً مقابل موضوعاته ليس أمراً مهيناً، شرط أن لا تفرض الجهة المموّلة الموضوع على الكاتب مضيفاً: "الكاتب هو المبدع وهو من يختار الموضوعات ولا إمكانيّة لتقييد إبداعه بشروط محددة". أما عن كيفية اختيار العناوين لكتبه، فأشار الدكتور حمادة إلى أنّ العنوان يكون حاضراً في ذهنه عند بدء الكتابة، لكنّه ينتظر أحياناً الانتهاء من الكتاب ليضع العنوان النهائي له. من جهة أخرى، أكّد الدّكتور طراد على أن تفاعل الجمهور مع الكتب التي يصدرها يسرّه، مشيراً إلى أنّ اهتمام القرّاء بكتبه يعني أنّهم مهتمون بقراءة موضوعاته. وفي الختام، كانت نصيحة الدكتور حمادة للشباب الذين يودّون خوض غمار الكتابة: "القراءة ثم القراءة"، مؤكداً أنّ هذه الموهبة لا بد من صقلها بالاطلاع والتجربة والخبرة والدراسة.

* تجربة في الدين والإسلام..
"الهداية" هي الغاية التي يتوخاها أثناء الكتابة. بداياته مع الكتابة الدينية كانت عام 1984 من خلال الكتب الحوزوية، ثم بعدها إلى الكتب البحثيّة مع كتابه "حقيقة الجفر" الذي لاقى استحساناً علمياً مهماً. نال الجائزة الأولى في مهرجان الولاية الدّولي في إيران عام 2003 عن كتابه "حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة". إنّه سماحة الشيخ أكرم بركات.

* معايير الكتابة الدينية
ركّز الشيخ بركات، ولدى سؤالنا عن المعايير التي يجب أن تتوافر في الكتب الدينية والتي يجب أن يأخذها الكاتب بعين الاعتبار، على ثلاثة أمور:
أولاً: أن تكون بنيوية؛ بمعنى أنّها تؤسّس لمبادئ فكرية أو قيمية تمثل قاعدة لأبحاث لاحقة ككتاب "الأسس المنطقيّة للاستقراء" للشّهيد السّيد محمد باقر الصدر قدس سره.
ثانياً: لا بد أن يحكم البحث أو الدّراسة بنية فكريّة أو قيميّة، فإذا طابقت كتابته تلك البنية، فإنّ النقاش عندها سينحصر في صحّة ذلك المبنى المعتمد وليس فيما بناه عليه، مؤكداً أنّ الكتاب الذي لا يعتمد أياً من النوعين المتقدمين سيفقد قيمته العلمية المعتبرة، وأضاف: "يجب أن تكون للكتاب رسالة يريد الكاتب إيصالها".
ثالثاً: أن يتمّ تحديد نوعية المستهدفين ومراعاة خصائصهم، فمثلاً إذا كانت الفئة المستهدفة هي فئة الشباب فعلى الكاتب ملاحظة جاذبية المضمون واللغة لتتناسب وهذه الفئة.

ورداً على السؤال عن كيفية اختيار سماحة الشيخ لعناوين كتبه، لفت إلى أنّ مؤلّفاته تتراوح بين أربعة عناوين:
الأول: المؤلفات العلمية البحثية ككتاب "حقيقة الجفر" و"ولاية الفقيه بين البداهة والاختلاف" موضحاً أن اختيار هذه العناوين هو من واقع الحاجة العلمية البحثية.
الثاني: المؤلفات العلمية والحوزوية كشرح كتاب "كفاية الأصول".
الثالث: المؤلفات التبليغية، "وقد بلغت إلى الآن 12 كتيباً وهي تحت عنوان "سلسلة على منبر القائم عجل الله فرجه" وهي تتعرض للمواضيع ذات الابتلاء المجتمعي من ناحيتيّ المعارف والقيم".
الرابع: المؤلفات الأدبية مثل "خيوط القبعة" و"حائك القبعة" لافتاً إلى أن هذه المؤلفات في أدب المقاومة.

* أهمية التفاعل مع الكتاب
وفي ردّه على سؤال حول مدى أهميّة تفاعل الجمهور مع كتبه وتأثير هذا التفاعل على الكاتب، أشار الشيخ بركات إلى أنّ تفاعل الجمهور مع الكتب الدينية مقبول، ولا سيما تلك التي تقارب الحاجات الفكريّة والنفسيّة والمسلكية، مشدداً على أن الكاتب الذي يرى تفاعلاً مع ما يكتبه يتولد لديه اندفاعٌ للاستمرار بالكتابة، موضحاً أنّ "نسبة الإقبال على بعض الموضوعات قد تؤدي بالكاتب إلى إعادة النظر في أولويات المواضيع التي ينتخبها". أما عن تأثير الفضائيات والإنترنت على الكتاب، فرأى سماحة الشيخ أنّ لهذه التكنولوجيا الحديثة الأثر الكبير على المطالعة والكتاب، مضيفاً: "تؤكّد دراسة للتقرير العربي للتّنمية الثقافية للعام 2011 أن نحو 75 % من محركات البحث في "غوغل" و"ياهو" تذهب إلى مواقع رديئة، كما أنّنا ننظر بريبة إلى مواقع مثل "الفايس بوك" و"تويتر" التي أصبحت مملوكة للبنتاغون و"سي آي آيه" كوسائل للحرب الناعمة التي تخوضها أميركا ضد مجتمعاتنا. وحال الفضائيّات كحال الإنترنت فهي تعمل جاهدة لإحداث تغيير في شخصيّة المسلم والعربي عبر مسلسلاتها، ما يزيد من حجم المسؤولية على عاتقنا لتوعية مجتمعنا، والتي قد تتم عبر تعزيز علاقة الإنسان بالكتاب الأصيل النّافع.

* مسؤولية ترويج الكتب النافعة
واعتبر سماحة الشيخ، لدى سؤاله عن دور دُور النشر في تعزيز أهميّة الكتاب الدّيني، أن هذه الدُور معنية بالترويج للكتب النّافعة والمفيدة مقابل الكتب التي تروّج لثقافات الخرافات والميوعة والابتذال، ومُطالبة بمراعاة الأوضاع الاقتصادية الّتي يعاني منها المجتمع، إضافة إلى ضرورة عملها على رفع جاذبية الكتب في نظر القارئ، ولا سيّما من النّاحية الفنية. وبالحديث عمّا قد اكتسبه سماحة الشيخ بعد سنوات من الكتابة أجاب: "بعد سنوات من الكتابة أشعر بالرّضا المعنوي، لأنّي قدّمت بعض ما قد ينفع الناس على المستوى العلمي البحثي أو التبليغي العام، ولا سيّما حينما أقرأ أبحاثاً علمية تعتمد على دراساتي البحثية أو حينما تتبنّى حوزات علمية عدة من ضمنها الحوزة العلمية في النجف الأشرف تدريس كتابي في (علم الحديث)". وفي الختام، وفي نصيحة لمن يريد أن يصبح كاتباً للكتب الدينية، لفت الشيخ أكرم إلى ضرورة عدم التسرّع في نشر أيّ كتاب قبل أن يصبح الكاتب ناضجاً علمياً، وذلك من خلال مراجعة أهل العلم والفضل في مدى صحّة البنية العلميّة للكتاب، وأن يتمرّس الكاتب في المنهج البحثي العلمي، وأن يراعي في موضوعاته الجدة والحاجات الفعليّة لمجتمعه، وختاماً أن يخلص لله تعالى في كلّ أعماله.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع