نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهيد الوعد الصادق: القائد حسن حسين شلهوب

نسرين إدريس قازان

 



شهيد الوعد الصادق: القائد حسن حسين شلهوب (الحاج أكرم)
اسم الأم: زينب عامر
محل وتاريخ الولادة: قانا 28/12/1971
الوضع العائلي: متأهل وله 3 أولاد
رقم السجل: 151
محل تاريخ الاستشهاد: علي النهري 27/7/2006

عندما نقول الحاج أكرم؛ يتوقف الزمن، وتخشع الأمكنة بجبالها ووهادها لذكر الاسم الذي كان لحناً على وتر وجودها.. الرجل الذي لم يغادرها إلا بعد أن وفى بعهده معها، فكان جندياً مدافعاً عنها منذ العاشرة من عمره. كان حسن طفلاً صغيراً عندما تركت العائلة منزلها في منطقة سن الفيل مع جنى عمر الأب، هرباً من يد الحرب الأهلية التي ألهبت الزوايا. وظلّت تلك الصّور الفظيعة تقضُّ مضجع الطّفل الذي سرعان ما رأى أخاه "عدنان" يُحمل على أكفّ الرفاق شهيداً في طريق الدفاع عن الحرمات..

* لبوس الجهاد
في قريته قانا، درج حسن، يتيم الأم، وهو ابن خمس سنوات، بين أحد عشر أخاً وأختاً، حملَ كل واحد منهم عاطفة خاصة اتجاهه. وكان على صغر سنه يتابعُ مجريات الأحداث وكأنه شاب في العشرين. لم يقف مكتوف اليدين إزاء ما تقوم به العصابات الصهيونية من تنكيل بأهل القرى، فأدار ظهره لملعب الطفولة. كان حسن سائقاً ماهراً، ساعد المجاهدين في بعض الأعمال، ولم تنبع الثقة التي أولاه إياها المجاهدون، في ذلك الزمن المرير والصعب، إلا بسبب تأكّدهم من التزامه وحبه للمقاومة، من صمته الذي ظلَّ رفيقه الدائم حتى آخر لحظة في حياته.. بهذه الروحية، انطلق حسن إلى حياة المقاومة، خلع رداء الدنيا ولبس ثوب الجهاد. وعلى امتداد خطوط المواجهة مع العدو الصهيوني وعملائه اللحديين، زرع روحه التي ما اشتاقت لشيء شوقها للقاء الله. "كيف لا يتعب؟" سؤال حيّر القريب قبل البعيد، وهو الذي وصل الليل بالنهار ولم يعطِ لنفسه فرصة للراحة إلا إذا كانت نقطة انطلاقة جديدة.

* المهم أن أؤدّي تكليفي
كان الرجل الذي صقل شجاعته وإقدامه بالتديُّن العميق، مثالاً للإنسان المتفاني أمام الآخرين، فهو المؤثر في عمله، وفي منزله، مع والده وأشقائه، الحنون الذي ترك فقده لأمه فراغاً لم يستطع أن يداويه إلا بحبّه لمن حوله. في عمر السادسة عشر تقريباً، تفرّغَ حسن في صفوف المجاهدين، وسكن المحاور، وخضع لعشرات الدورات الجهاديّة التي أهّلته لتسلّم مسؤوليّات في قيادة المقاومة، وللقيام بالمهمات الصعبة، وكان دائماً يقول: "المهم أن أؤدّي تكليفي، وأن أكون على قدر الثقة التي أوكلت إلي، أما حياتي الشخصية والتعب الجسدي فهذا لا يهم..".

* صارع الموت فصرعه
تزوج حسن ورُزق بثلاثة أولاد، كان يوقظهم بعد منتصف الليل عند عودته من العمل ليراهم ويتحدث معهم، وعندما تعاتبه زوجته لأنه متعب كثيراً من العمل، يجيبها: "إنهم أيضاً جزء من عملي، فمن واجبي السؤال عنهم والاطمئنان عليهم ومعرفة أخبارهم ومتابعة تفاصيل حياتهم". من معركة إلى أخرى، ومن حرب إلى حرب، حمل العديد من أوسمة الجراح، كان أخطرها في حرب تموز عام 1993، عندما أصيب بقذيفة إصابة بالغة الخطورة، وقد صارع الموت عندما مشى ثلاثة كيلومترات وجرحه ينزف بغزارة، حتى وصل إلى نقطة نقل منها إلى المستشفى، حيث رقد لأكثر من أربعين يوماً في غرفة العناية الفائقة، والكلّ يتوقع أن يفارق الحياة، ولكنّ شفتيه اللتين لم تلهجا منذ إصابته إلا بـ" يا زهراء "، تحدثتا من جديد، وفتح عينيه متوعداً الصهاينة بالمزيد من القتل. وعلى الرغم من أن علاجه الأساس استمر لمدة سنة، ولكن ذلك لم يثنه عن مواصلة جهاده.
.
* تآخى مع الأرض والسلاح
كان معظم عمل حسن في الإسناد الناري للمقاومة الإسلامية. وكان ممّن تصدى للطّائرات الحربيّة إثر استشهاد السيد عباس الموسوي قدس سره، وكذلك أثناء قيام مجموعة من المجاهدين بتنفيذ عمليّة عسكريّة ضدّ موقع بلاط. كانت عملية حساسة وخطيرة، تدخَّل يومها الطيران الحربي والمروحي، واستهدف المكان بغزارة، حتى تيقّن من أن لا أحد يستطيع البقاء في ذلك المكان، ولكن حسن الذي تآخى مع الأرض والسماء والسلاح، ظلّ ماكثاً في مكانه، غير عابئ بمطر الشّظايا المنهمر عليه، بل كان تركيزه على المنظار الذي ما إن لمح الطائرة المروحية القادمة لإجلاء الجرحى في مرماه حتى ضغط الزّناد، واشتعلت النّيران فيها، فأدار ظهره حينها وغادر إلى البعيد..

* المدفع صديقه الوفيّ
وعلى مرّ السنوات، كان المدفعُ الصديق المقرّب إلى قلبه، وكان كلاهما وفياً للآخر، وكثيراً ما كان حسن يردّد أن لا أحد يعرف ما في قلبه، وما يجول في خاطره إلّا ذلك المدفع الذي طالما حكى له ما لم يعرفه أحد في الدنيا... عرف حسن بين المجاهدين بتواضعه الشديد، وحرصه على إتمام العمل على أكمل وجه متناسياً النوم والطعام، حتى صار المجاهدون يغبطون كل من تسنح له الفرصة بمشاركته في المهمات الجهادية، طامعين بتلك النفحات الروحية الخاصة التي تطوف حوله، ومتعلّمين منه كيف أن الإخلاص الحقيقي ينحتُ روح الإنسان نحتاً. كان حسن إلى جانب جدّيّته رجلاً مرحاً، يضفي على الجلسات العائلية نكهة خاصة. وبعد أن مرض والده وصار عاجزاً عن الكلام، كان اسم "حسن" دائماً على شفتيه، حتى وافته المنية قبل أربعة أشهر من استشهاد ولده.

* تأخرتِ كثيراً عليّ!!
وجاءت عملية الأسر في تموز عام 2006. عاد يومها حسن إلى المنزل فرحاً حاملاً الحلوى مستبشراً بأسر الجنديين الإسرائيليين، ولكنه سرعان ما غادر البيت ليلتحق بمركز عمله، وليقود على طول خطوط النار في تلك الحرب الشعواء أروع "أوركسترا" عزفتها صواريخ المجاهدين، ليكون ختامها النصر المبين.. وبعد طول انتظار، حطّ الفارس المغوار رحاله، ونظر نظرة أخيرة إلى تلك المحاور، وابتسم لقطرات الدماء التي غطت وجهه، وروحه تهمس للشهادة: "تأخرتِ كثيراً عليّ".. وارتفع إلى بارئه شهيداً تاركاً الكثير من العبر والأسرار التي حملها في جعبته.. "الحاج أكرم"؛ إنه واحد من الرجال الذين إن عرفنا عنهم سطراً غابت عنّا صفحات..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع