نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الصحة والحياة: الكوما.. بين الحياة والموت

نانسي عمر

 



تدخلُ قسم العناية الفائقة في المشفى فترى أجساداً هامدةً على الأسرَّة, تحسب بعضها نائماً في سُباتٍ عميق, وتظن بعضها الآخر مستيقظاً يراك ويسمعك, فيما يكون غيرَ مدرك لما يجري حوله. هُم مرضى الكوما الذين ينتظرهم أهلهم على أعتاب غرفهم وقبالة أسرّتهم التي حملتهم أياماً طويلة. جاؤوا يستعيضون عن الصوت بالصورة, يتحدثون إليهم موقنين بإحساسهم بهم, ويناجونهم آملين عودتهم من حياة لا تشبه حياة الناس العاديين.

* آلام وآمال
تحدّثنا السيّدة زنّوبيا الزّين عن قصّة زوجها القابع منذ نحو سنتين ونصف في إحدى غرف مشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله حين تعرض فجأة لموقف أدى إلى توقف قلبه عن الخفقان لنحو 15 دقيقة, ما أدى إلى انقطاع الأوكسيجن عن الدماغ, فدخل في الكوما. وتستطرد السيدة الزين: "لقد كانت عضلات قلبه ضعيفة، وتوقع الأطباء موت زوجي بعد شهر من دخوله في الغيبوبة, ولكنه بقي يصارع الموت لسنتين ونصف وحتى هذه اللحظة لدي يقين بأن الله تعالى سينتشله من محنته ويعيده إلينا". أما السيدة مايا موَّاسي جارتها في الغرفة فتحمل الأمل نفسه, بعودة زوجها الذي دخل في الغيبوبة منذ سنتين وأربعة أشهر, ولا يزال يتحدى الموت حتى اليوم. وتروي السيدة موَّاسي حكاية زوجها مع الكوما باختصار, قائلة: "تعرض زوجي لجرثومة فجائية في الدماغ أدّت إلى التهاب الغشاء الدماغي, فتوقفت نبضات قلبه لعشر دقائق, وانقطع الأوكسيجن عن دماغه, فدخل في غيبوبة". وتتوجه السيدة موَّاسي إلى كل من يعايش تجربة مثيلة ويعاني مع مريض له في الكوما بنصيحة: "يجب أن ينتبهوا إليه ويهتموا به وكأنما سيستيقظ اليوم", وتنهي كلامها بالقول: "الأمل بالله كبير..". يعيد السيد حسن عبد الساتر سبب دخول ابنته ذات السنوات العشرين في الكوما إلى جرثومة قوية تعرضت لها, ويقول: "هي منذ شهر في غيبوبة والاتكال دائماً على الله سبحانه وتعالى. أنا لم أفقد أبداً الأمل بعودتها إلى الحياة".

* التعريف الطبي
ولكن ما هو التعريف الطبي للكوما وما هي الأسباب الحقيقية التي تودي بالإنسان إلى غيبوبة لا نعرف مدتها؟  يجيبنا الدكتور وسام سليمان رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله قائلاً: "الكوما مرحلة طويلة من الإغماء والسبات العميق, الذي يستمر من أسبوعين إلى شهر, لتبدأ بعدها رحلة الكوما التي لا مدة محددة لها, ويكون فيها الدماغ في مرحلة من اللاوعي". ويحدد الدكتور سليمان سبع درجات للكوما, وكلما كانت الدرجة أعلى كان النوم أكثر عمقاً. ويخفّ الإحساس بالألم وردات الفعل تجاه أي عامل خارجي تدريجياً مع ارتفاع درجة الغيبوبة, حتى يصل المريض في الدرجة السابعة لفقدان تام للوعي وعدم القدرة على التنفس إلا عبر الأجهزة. بينما المريض في الدرجات الأولى يتنفس بشكل طبيعي ويقوم بردات فعل كالألم والسعال, حتى أنه قادر على فتح عينيه وإغلاقهما, فتشعر بأنه مستيقظ وواعٍ. وبحسب الدكتور سليمان فإن السمع هو الحاسة الوحيدة التي لا يفقدها المريض خلال فترة الكوما, أما حاسة النظر التي يفقدها مريض الكوما فهي التي تحدّد وعيه, أي أنّ النظر عندما يعود إلى المريض يعرف الأطباء أنه استيقظ من غيبوبته.

* أسباب الكوما
يحيل الدكتور وسام أسباب دخول الإنسان في الغيبوبة الطويلة أو الكوما إلى تعرض الدماغ لضربة قوية تؤدي إلى تورّم أو نزيف فيه فتتضرّر الخلايا أو تتعرّض لضغط شديد. وقد يصل الأمر إلى الوفاة مباشرة.  ويكمل الدكتور سليمان: "أسباب أخرى قد تسبب للإنسان الدخول في الكوما, منها تعرّضه لجلطة تؤدّي إلى انقطاع الدّم عن الدماغ, أو الارتفاع المفاجئ والحادّ في ضغط الدّم وتكون نتيجته انفجار الأوعية الدمويّة ونزيفاً حادّاً في الدّماغ. أما عند الأطفال فغالباً ما يكون السبب التهاب السّحايا, وهي قشرة الدّماغ, مما يسبب التهاب خلايا الدّماغ وبالتالي الدّخول في الكوما".

* كوما أم موت دماغي؟
تختلف الكوما عن الموت الدّماغي بأنّ مرضى الكوما قد يبقون محتفظين ببعض الوظائف الدماغية, أما موت جذع الدماغ فهو التعريف العلمي والمنطقي للموت الدماغي، وهو يعني الفقدان التام والكامل للوظائف الدماغية. وبعد حدوث الموت الدماغي يمكن للوظائف الحياتيّة كالقلب والتّنفس أن تظلّ تعمل لمدة من الزمن بمساعدة ميكانيكية من أجهزة التنفس الاصطناعي. ويوضع التشخيص النهائي للموت الدماغي بعد إجراء الفحوصات الضرورية كاملةً وبعد تحليلها ومناقشتها من قبل لجنة طبّية مؤلّفة من ثلاثة أطباء لا علاقة ولا صلة قرابة لهم مع المريض، وهم: طبيب أمراض داخليّة عصبيّة أو جراحة عصبيّة، طبيب قلب، وطبيب تخدير وعناية مشدّدة.  لا يتخذ أيّ طبيب القرار برفع أجهزة الدّعم الحياتي عن مريض متوفّىً دماغياً مع بقاء جذع الدماغ لديه حياً, لأنّ موت الدماغ وحده لا يكفي للقول بوفاة الشّخص. أما عند موت جذع الدماغ فتصبح عودة الخلايا للعمل أمراً مستحيلاً وعليه يعتبر المريض ميتاً بالنظر الطبي حتى لو استمر خفقان قلبه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع