نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الشهيد المجاهد: حسن علي رباح

نسرين إدريس قازان

 



الشهيد المجاهد: حسن علي رباح (عمّار إيغوز)
اسم الأم: سميرة الخنسا
محل وتاريخ الولادة: تمنين الفوقا 3/ 2/ 1982
الوضع العائلي: متأهل
رقم السجل: 108
محل تاريخ الاستشهاد: الشويفات 11/ 05/ 2008

تلاشتِ الفرحة الغامرة بولادة "حسن"، الابن البكر لوالديه، عندما أبلغهم الطبيب بأن طفلهما الصغير ولد مريضاً ويعاني من مشكلة صحية نادرة جداً، وعليه أن يَخضع لعدة عمليات جراحية. صدمة سارع الوالدان إلى استيعابها تهيُّؤاً لاستحقاقات كبيرة تجاه طفلهما، الذي كان عمره ثماني ساعاتٍ فقط عندما أجريت له العملية الجراحية الأولى.  بين المنزل وغرفة العمليات، عاش "حسن" سنواته الأولى، وكان صبوراً على الوجع الذي تآخى معه، ولكن ذلك لم يقمع في روحه الصغيرة، الطفل المستكشف والفضولي. ففي الثانية من عمره، خطر في باله أن يعرف ماذا يوجد خلف الدفاع الحديدي لشباك منزلهم الواقع في الطبقة الخامسة، فوقف على الشباك، وحاول الخروج من بين القضبان الحديدية، ولأنه كان صغير الحجم كثيراً بسبب مرضه، استطاع الخروج والوقوف على حافة النافذة من الخارج وهو ممسكٌ جيداً بالقضبان، والناسُ في الطريق ينظرون إليه ويصرخون. ولم يعرف والده كيف وصل إلى البيت بلمحة عين، وأمسك به وأدخله ثم اضطر في اليوم ذاته إلى أن يضع دفاعاً حديدياً إضافياً للشباك!

* القلب الصغير.. كبير
في شبابه كان حسن قوياً وصاحب نخوةٍ ومبادرة. وقد حافظ على علاقة طيبة مع جميع أفراد العائلة والجيران، فلم يحتجْ أحد لخدمة إلا وفّق الله "حسناً" لقضائها له. حتى أن والدته تذكر أنه في أكثر من مرة أثناء سيرها في الطريق وحملها للأغراض الثقيلة كانت تتمنى في قلبها لو أن "حسناً" قربها ليساعدها، فتجده فجأة ملاصقاً لها ليحمل الأغراض عنها. تربّى "حسن" بين المجاهدين، إذ كان طفلاً صغيراً حينما كان يأخذه والده معه إلى عمله في "الهيئة الصحية الإسلامية الدفاع المدني"، وقد تقصّد ذلك، في كثير من الأوقات، ليقوّي قلب صغيره.

* في سبيل الله
ومنذ سنواته الأولى برزت عنده الشجاعة والإقدام وحبّه الشديد للسّلاح، لا بل والشّغف به، فكان لا يشتري لعبة إلا "بندقية" أو "مسدساً" والأفضل أن تكون "دبابة"! حتى أنّه حينما يلعب في التراب، فإنّه سرعان ما يبني متراساً ويستخدم قطعة من المطاط كأنّها بندقية ويبدأ بإطلاق النار الوهمي. وفي شبابه كان يشتري الأقراص المدمجة للأفلام الحربية والأفلام الوثائقية لصناعة الأسلحة، فيراقب بدقة كيفية تصنيع واستعمال بعض المعدات الحربية، لتطوير معلوماته وتوسيع أفق اطلاعه. لم يكن الجهاد بالنسبة إلى "حسن" حمل السلاح فحسب، بل عمد إلى جعل كل ما يقوم به جهاداً في سبيل الله، ففي السابعة من عمره، وعلى الرغم من مرضه، كان يحملُ صندوق تبرعات "هيئة دعم المقاومة الإسلامية" ويقف في الطريق غير عابئ بحرارة الشّمس اللّاهبة أو بالبرد القارص.

* أمي.. أريد أن أستشهد
التحق "حسن" بصفوف كشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه وهو في السّادسة من عمره. وقد أخبر والدته حينها أنه يريد أن يستشهد. ولم تكن هذه الجملة مجرد كلام نطقه صبيّ صغير، بل كانت أول خطوة في طريق الشهادة. فإذا شكّلت مرافقته لوالده إلى مركز الهيئة الصحية الإسلامية نافذة إلى عالم المقاومة، فإنّ الكشافة بالنسبة إليه هي البوابة الأولى لعبوره إلى ساحة الجهاد، إذ إنّه في الخامسة عشرة من عمره، بدأ يشارك في المهمات الجهادية، بعد خضوعه لأولى الدّورات العسكريّة، والتحق بالمحاور مرابطاً ومشاركاً في عمليات الرّصد والاستطلاع.  في الكشافة تعلّم "حسن" أولى حروف الشهادة، وذاق طعم مرارة فراق الأحبّة، فالكثير من الرفاق صاروا فيما بعد "شهداء"، وكان أبرزهم صديقه المقرب الشهيد الاستشهادي "عمار حمود"، فبقي "حسن" أسبوعاً بكامله في البيت يبكي عليه، وقد حسم منذ تلك اللحظة أن لا يؤخّره أي شيء عن الشهادة، فانتقل من صفوف التّعبئة العامة إلى التفرّغ ليصبح عمله في السباكة عملاً ثانوياً بعد أن كان هو الأساس، وغيّر اسمه الجهادي من "كرّار" إلى "عمّار"، وقد وضع صورة عمّار بالقرب من سريره.

* عمّار إيغوز
بعد تحرير أيار العام 2000، وضع "حسن" رزنامة جديدةً لحياته، تقضي بالسير وفق برنامج عبادي وروحي وعسكري محدد يعينه للوصول إلى الشهادة، فالتحق بعشرات الدّورات العسكريّة التخصّصية، ولم يشغله شيء عن هذا الهدف، لذا عندما شنّ العدو الغاشم عدوان تموز في العام 2006، استبشر بالشهادة، ورفض البقاء في مركز عمله في بيروت مصرّاً على الذهاب إلى الجنوب، فوصل إلى قرية "البيّاضة" التي تعرّضت غير مرة لمحاولات إنزال من جانب العدو، ورابط هناك مع رفاقه المجاهدين. وبعد وصوله بأيامٍ قليلةٍ استُشهِد قائد المجموعة، فتسلَّم "حسن" القيادة، واستطاع بذكائه العسكري وشجاعته، ومعرفته بطريقة تفكير العدو أن يُفشل محاولات الإنزال المتكررة. وقد وضع العديد من الخطط التي كبّدت العدو الإسرائيلي خسائر فادحة، أهمها حينما نجح باستدراج عشرة جنود من فرقة "إيغوز" إلى بيتٍ كان يدرك أنه سيُستهدف من الطيران، وبالفعل، سرعان ما استهدف الطيران الإسرائيلي المنزل فقُتِل كل الجنود، ولأجل هذا أُطلق على "حسن" اسم "عمّار إيغوز"، واشتهر بين المجاهدين بأنّه من أمهر "القنّاصة".

* حياة أرادها لله
عُرف "حسن" أثناء مشاركته في الدّورات العسكرية، بمبادرته في تحمّل المسؤوليّة أمام المدرّب إذا ما أخطأ أحد من رفاقه. وبعد أن انتبه المدرب لذلك، وسأله عن السبب، أجاب: "أنا أتحمّل أكثر منه". وعلى الرّغم من أنّ الوضع المادّي لـ "حسن" كان متواضعاً جداً، فإنّ ذلك لم يجعله يغفل عمّن حوله. فقبل استشهاده بأسبوع كان "حسن" وزوجته يشتريان ثياباً له، وكان كلما انتقى قطعة، اشترى واحدة ثانيةً معها، فسألته زوجته لمن يشتري هذه الثياب، فأخبرها أن رفيقه في المركز يرزح تحت وطأة الوضع الاقتصادي، فراتبه الشهري لا يسدُّ حاجته وحاجة عياله، وأضاف: "وأنا أساويه بنفسي". لاحت إماراتُ الشهادة على مُحياه الفتيّ، وضاقت الدنيا برحابتها عليه، وما إن حان وقت الرحيل، حتى رمق صورة الشهيد "عمار" بنظرة المشتاق إلى اللقاء، وسرعان ما التقى به أثناء تأديته لواجبه الجهادي. هكذا كان "حسن رباح" أو "عمار"، كما كان يحب أن يُنادى، وكثيرة هي المواقف الجهادية المُشرقة والمُشرّفة التي زينت حياته، تلك الحياة التي لم يردها إلا لله.. فكانت كذلك.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع