نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مناسبة: فلسفة الانتصار وتجربة المقاومة

الدكتور علي الحاج حسن

 



ممَّا لا شك فيه أنّ الحديث حول فلسفة الانتصار هو في الواقع محاولة للإطلالة على الخلفيّات والعلل والأسباب والظّروف والشّروط التي يمكن من خلالها فهم الانتصار وصيرورته مفهوماً ومعنىً يجعل من النصر والانتصار قيمة خاصة تقبل بها البشريّة، ينشدها أصحاب الحقوق وفي أدنى المستويات، ويجعل منه مفهوماً تبحث عنه البشرية.

* أسباب النصر
للنّصر أسبابٌ وعللٌ متعدّدة ومتنوّعة، إلّا أنّه يمكن الوقوف على أهمّ وأبرز هذه العلل، من وجهة نظر دينيّة، حيث سنحاول، في ذلك، الإطلالة على أسباب النّصر بناءً على رؤية الإمام الخميني قدس سره الذي قادَ أعظم تجربةٍ في التّاريخ الشّيعي المعاصر. إذ إنّ هذه التجربة التي انتصرت بقيَمها وعناوينها وأهدافها ومبادئها تشكّل نموذجاً هاماً وواقعياً لكل الحركات والحالات التي تعيش في الموقع نفسه. ويمكن إجمال الأسباب في الآتية:

1ـ الإيمان بالله تعالى
ممَّا لا شك فيه أنّ الإيمان بالله تعالى يشكّل خلفيّة هامّة وأساساً ليس للنّصر فقط، بل لأسباب الحركة التغييريّة التي يقودها الشّخص، وهذا يعني أنّ المؤمن بالله تعالى يؤمن بمنظومة متكاملة من العلوم والمعارف والعقائد والقيم التي تحدّد له طريقة وطبيعة تعاطيه مع كل ما يجري من حوله. وفي هذه الحالة ينتفي شكل النصر الخارجي؛ إذ يكون الانتصار بتكريس ووجود وتحقق المنظومة الإلهيّة بغض النظر عن الغلبة في الخارج أو الشهادة… يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن السرّ في انتصاركم هو الإيمان بالله تعالى والتوجّه إليه" (1). وقال أيضاً: "لقد انتصرنا بقدرة الإيمان التي جعلت مختلف شرائح الشعب تصدح بنداء الإسلام ولم ننتصر بالعدد والعدّة" (2). وفي هذه العبارة الأخيرة تأكيد على الفعل الذي يتركه الإيمان بالله تعالى وعلى العوامل والآثار التي يخلفها الإيمان في نفس الإنسان لترتقي إلى مستوى البذل والتضحية من أجل تلك القيم الرفيعة.

2ـ السعي نحو الهدف
يلعب الهدف دوراً محورياً في دفع الإنسان للقيام بأعماله. وكلما كان الهدف متعالياً كان الدّافع للقيام بالعمل أقوى. ويشير هذا الأمر إلى حالة تصديق ويقين تحصل عند الشخص يؤمن بواسطتها بأنّ الهدف الموضوع أمامه أسمى وأرقى من وجوده الشخصي؛ فيسعى لتحقيقه بغضّ النظر عما إذا كان سيُوفّق في هذا الأمر أم لا. يقول الإمام الخميني قدس سره في هذا الخصوص: "إذا كان الهدف إلهيّاً كان النّصر حليفه" (3).

3ـ الوقوف إلى جانب الحق
يترتب على الإيمان بالله تعالى وكون الهدف إلهياً أن يكون الشخص على يقين بأن ما يناضل ويعمل لأجله هو الحق.  فالحقّ يدفع الشخص لمعرفة الباطل والنّهوض لمواجهته وتغييره. يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنكم على الحق وقد وقفتم بوجه الباطل، فاستقيموا واثبتوا، فإنكم إن لم تفعلوا فلن تبلغوا النصر النهائي"(4). ويتحقق مفهوم النصر على الأعداء بمجرد التزام الحق وبغض النظر عن كل التفاصيل الأخرى. وهذا ما أشار إليه الإمام الخميني قدس سره عندما قال: "إننا لا نخشى الهزيمة، فأولاً نحن لا نُهزم لأن الله معنا، وثانياً، وعلى فرض أننا وقعنا في هزيمة صُوَريّة، فإننا لن نهزم هزيمة معنوية، فالنّصر المعنوي حليف الإسلام والمسلمين" (5). وفي أقل التّقادير، النّصر عبارة عن الوقوف إلى جانب الحق ومساندته. وهذا بحدّ ذاته ذو قيمة عالية إذا ما عدنا إلى شخصيّة المنتصر الذي لا يبالي إن كان النصر الذي وصل إليه قد أدّى به إلى الظفر أم إلى الخسارة طِبق بعض المعايير والمقاييس، بل الأساس عنده أنّه تمكّن من الوقوف إلى جانب الحق وصنّف نفسه معه وهذا يكفيه. ويترتّب على هذا الفهم وما تقدّم من عناوين ومسائل ضرورة أن ينطلق الإنسان في عمله وحركته من خلال امتلاك رؤية وعقيدة تدفعه وتحرّكه نحو تحقيق الأهداف التي يصبو إليها والتي على أساسها يكون منتصراً.

* المقاومة وفلسفة النصر
المقاومة في حقيقة ذاتها عبارة عن أحد المكوّنات الأساس التي يترتب عليها النصر، وبعبارة أخرى لا يمكن أن يتحقق النصر من دون وجود حالة مقاومة. وهي حق مشروع للشعوب ضمنته القيَم والشرائع ووافقها العقل والوجدان؛ فلا يمكن أن نتصوّر شعباً ما تعرض لأنواع الظّلم والعذاب وأخرج من دياره… إلا وله الحق الكامل في المواجهة والمقاومة (على اختلاف أشكالها). جاء في القرآن الكريم: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ (الحج: 39 40). ويبقى السؤال لماذا غاب مفهوم المقاومة عن الثقافة الإسلامية الموروثة والرائجة بين العديد من المجتمعات؟ وإذا كانت المقاومة حقاً ينبغي أن تمارسه الشعوب للخروج من الحالة التي هي فيها، فَلِمَ لا ينهض كل إنسان؟ ولماذا لا تساهم وتساعد القيم الثقافية الرائجة في المجتمعات في تنمية ثقافة المقاومة؟

قد يتركز الجواب عن مجموعة من الأسس والمبادئ التي تفرض وجود المقاومة، ولكن عدم ممارستها من قبل الأفراد لا يعني عدم حقانية حركة المقاومة. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن حالة المقاومة وجدت مع الإسلام ونادى بها قادة الدين على أساس أن وجود الدين الإسلامي كان لأجل الهداية ولأجل إرجاع الفطرة الإنسانية والبشرية إلى مسارها الصحيح. وفي خضم هذه الحركة المقاومة التي انطلق منها الدين الإسلامي كان الهدف الأبرز والأسمى هو إيجاد العدالة على مستوى الاجتماع البشري، وهذا يعني أن حقيقة العدالة كانت غائبة عن مسرح الحياة الاجتماعية، فكان الإسلام هو الحركة المقاومة التي تسعى إلى إيصال الأفراد والمجتمعات إلى الأهداف الحقيقية عبر تكريس مبدأ العدالة. وقد شهد العالم الإسلامي حالات تأسيس فكري تولّته بعض الفرق المذهبية والكلامية بهدف تأصيل فكرة عدم المقاومة وعدم الحركة باتجاه ما أراده الإسلام، ولكن تلك المحاولات بقيت عاجزة عن تقديم المبرّرات الإقناعية على اعتبار أنّها كانت أداة طيّعة بيد السلطان تبرّر له وجوده وتحرّم أي عمل أو تحرّك يعارضه(6).

وإذا كان لكل بُعد خصائصه ومميّزاته فإنّ نصر المبادئ يكون عادة نصراً للعقائد والأفكار والقيم. وهنا لا يجري الحديث عن الأبعاد الماديّة للمسألة، بل يكون التأكيد على مدى تضحية الفرد أو المجموعة في سبيل المبادئ والاعتقادات. ويترتب على هذا النوع من نصر المبادئ استمرار عملية المواجهة بين الحق والباطل والحفاظ على خطوط أساس تميّز بين الحقّ والباطل؛ مما يمنع اختلاطهما واشتباه أحدهما بالآخر. ولعلّ أبرز نموذج لهذا النّوع من النّصر، ثورة الإمام الحسين عليه السلام الذي ضحّى بكل وجوده، لا بل بوجود أهل بيته وأصحابه في سبيل المبدأ؛ فبقي حياً يتميز عن الباطل. وكان أن استضاءت الأجيال اللاحقة من هذه الثورة العظيمة لتقتدي بالإمام عليه السلام ولتمتلك زمام المبادرة لتمييز الحق عن الباطل والنهوض للتغيير...  مما تقدم، يمكننا أن نفهم وبوضوح فلسفة انتصار المقاومة؛ إذ إنها ساهمت وبشكل كبير في الحفاظ على شعلة الحق مضيئة مشعة لأن نصرها كان نصراً للمبادئ وحققت النصر رغم الهزائم الخارجية وتقديم الشهداء...


(1) الكلمات القصار، الإمام الخميني قدس سره، ص 123.
(2) م. ن.
(3) م. ن، ص 125.
(4) م. ن.
(5) م. ن، ص 126.
(6) راجع مقالة: ثقافة المقاومة، حسن حنفي، أعمال الندوة الفلسفية السادسة عشرة التي نظمتها الجمعية الفلسفية المصرية بجامعة القاهرة 2004، ص 30 42.
7

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع