صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مناسبة: عرفة يومٌ مشهود

الشيخ تامر محمد حمزة

 


اكتسب المكان والزمان في جبل عرفات من زوال اليوم التاسع من ذي الحجة إلى الغروب خصوصيات لا تحصل البتة لأي مكان آخر ولا لأي زمان، وذلك لأن المضيف هو الله وضيوفه أولئك الذين حضروا وقد أقروا بخطاياهم وجدّدوا عهداً بالتوحيد لله عزّ وجلّ. وعُرْفُ الأرض هو ما ارتفع منها والجمع أعراف. وفي الاصطلاح: عرفة اسم لبقعة مخصوصة (1), وهي جبل قريب من مكة على بعد اثني عشر ميلاً منها وموضعُ وقوف الحجاج الذي يُتِمُّون به مناسكهم يوم التاسع من ذي الحجة (2). وحدّها من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ومن المأزمين إلى أقصى الموقف

* وجه التسمية
ربَّما يراعى في وجه تسميته بعرفات المعنى اللغوي الآنف الذكر أي لكونه جبلاً عالياً، نسبةً إلى مكة وأوديتها، وربما يكون وجه التسمية بلحاظ ما ورد على ألسنة أئمة الهدى عليهم السلام، وهو على أنحاء:

النحو الأول: المكان الذي تم فيه وقوع المعرفة بين آدم وحواء عليهما السلام بعد أن أهبط الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام إلى الأرض لم يهبطا في بقعة واحدة، مما جعل آدم عليه السلام يفتش عن حواء عليه السلام. وكانت عرفة المكان الذي تم اللقاء الأول بينهما فيه. وقد أشار الراغب إلى هذا النحو بقوله: "سمّيت بذلك لوقوع المعرفة فيها بين آدم وحواء" (3). وربما استفيد ذلك مما رواه في البحار مرسلاً عن أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لم يرَ حواء عليه السلام فصار يطوف الأرض في طلبها ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حواء (4).

النحو الثاني: جبرائيل عليه السلام يعرّف إبراهيم عليه السلام مناسكه ويخبره أنها مكان الاعتراف بالذنوب. يقول أبو بصير: "سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام يذكران أنه قال جبرائيل لإبراهيم عليهما السلام: هذه عرفات فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك، فسُمّيت عرفات..." (5) وفي العلل بإسناده عن معاوية بن عمار قال: "سألت أبا عبد الله عن عرفات لم سمّي عرفات؟ فأجاب عليه السلام: إن جبرائيل خرج بإبراهيم عليه السلام يوم عرفة فلما زالت الشمس ... (6)، وذكر مثل الرواية السابقة".

النحو الثالث: الناس يتعارفون فيه. لقد ذكر هذا الوجه عددٌ من أرباب التفاسير كالزمخشري في الكشاف (7) والطوسي في مجمع البيان (8) وغيرهما من دون ذكر الرواية التي تشير إلى هذا المضمون. والجدير ذكره أن المكان الذي يشعر العبد فيه بحقيقة الربوبية ويدرك فيه كنه العبودية هو عرفات.

* خصوصيات يوم عرفة
لقد ورد ذكر عرفات في القرآن مرة واحدة وهو قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ (البقرة: 198).

1-الحج عرفة
يعتبر الوقوف في عرفة من أهم مناسك الحج، ولذا أفتى فقهاؤنا العظام أعزّهم المولى أنه من ترك الوقوفين الاختياري والاضطراري فيها عمداً أو جهلاً بطل حجه، ويجب عليه الاستئناف من قابل. وأما من أدرك عرفة وترك بعض المناسك الأخرى جهلاً فلا يبطل حجه من رأس. وقد اختصر النبي صلى الله عليه وآله مناسك الحج بكلمة جامعة حيث قال: "الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج"(9).

2-اليوم المشهود
إن الوقوف في عرفة صورة عن وقوف الخلائق يوم المحشر في ساحة الحساب بين يدي الله تعالى. وربما كان الوقوف في عرفة مناسبة ليستحضر العبد طول وقوفه يوم القيامة مما يزيد في خشوعه وتضرعه فيخلص في نيته لله تعالى. وتفسير اليوم المشهود بعرفة جاء على لسان الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (هود: 13) قال: "المشهود يوم عرفة والمجموع له الناس يوم القيامة" (10).

3-الاعتراف بالخطايا وتجديد العهد
الاعتراف بالخطأ باب إلى التوبة. والتوبة سبيل التخلية من الذنوب. والتخلية طريق التحلي بصفات الكمال، وبدايتها تجديد العهد بالوحدانية لله تعالى. وأفضل مكان وزمان لذلك هو يوم الوقوف في عرفات. ويدل عليه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "واعترف بالخطايا بعرفات وجدّد عهدك عند الله بوحدانيته" (11). ويدل عليه أيضاً ما تمت الإشارة إليه في الوجه الثاني للتسمية.

4-استجابة الدعاء
من حقَّق شرائط الدعاء فدعاؤه مجاب. نعم لعرفات خصوصية بلحاظ هذا الجانب، لأن الله يستجيب دعاء البر والفاجر فيها؛ لأن الجميع ضيوف، وواجب على المضيف إكرام ضيوفه. ويدل عليه كلام الإمام الرضا عليه السلام قال: "كان أبو جعفر عليه السلام يقول: ما من برّ ولا فاجر يقف بجبل عرفات فيدعو الله إلا استجاب الله له, أما البرّ ففي حوائج الدنيا والآخرة أمّا الفاجر ففي أمر الدنيا" (12).

5-يوم الرجاء
ربما أصابت الغفلة أكثر الراجين والسائلين، وربما تعلّقت آمال بعضهم بغير الخالق. وأما في يوم عرفة فلا يجوز البتة أن يُرجى فيها غير الله تعالى حتى أنه يرجى في تغيير الأقدار. ويدل عليه ما روي عن الإمام السجاد عليه السلام حين سمع في يوم عرفة سائلاً يسأل الناس، فقال له عليه السلام: "ويحك أغير الله تسأل في هذا اليوم إنه ليرجى لما في بطون الحبالى في هذا اليوم أن يكون سعيداً" (13).

6-ذنوب لا تُغفر إلا في عرفات
إن الله تعالى الذي كتب على نفسه المغفرة والتوبة قضى في بعض ذنوب عباده أن لا يغفرها لهم إلا إذا كانوا في عرفات. وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وآله: "العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما. والحجّة المتقبّلة ثوابها الجنة. ومن الذنوب ذنوب لا تغفر إلا في عرفات" (14).

7-الدعاء المأثور
وهو ما ورد عن سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام والذي تضمن المعاني الدقيقة للتوحيد والعرفان والمعارف والمشهور بدعاء عرفة.

8-الرحمة الشاملة
لسعةِ ما يبسط الله من رحمته فوق رؤوس عباده في عرفات فيجب أن يظن الضيوف بمضيفهم خيراً. وأعظمهم جرماً من ظنّ أنه لا يُغفر له في ذلك الموقف. فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام عندما سئل: "أي أهل عرفات أعظم جرماً؟ قال: المنصرف من عرفات وهو يظن أن الله لم يغفر له"(15).


(1) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص 331.
(2) المعجم الفقهي، ص 1753.
(3) المفردات، م.س، ص 331، ومجمع البيان، الطوسي، ج 1، ص 295.
(4) بحار الأنوار، المجلسي، ج 44، ص 242، ح 37.
(5) أصول الكافي، الكليني، ج 4، ص 207.
(6) علل الشرائع، الصدوق، ج 2، ص 121.
(7) الكشاف،الزمخشري، ج 1، ص 244، ذيل الآية 198.
(8) مجمع البيان، الطبرسي، ج 1، ذيل الآية: 198.
(9) تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج 8، ص 171.
(10) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 10، ص 23.
(11) بحار الأنوار، م.س، ج 96، ص 124.
(12) مستدرك الوسائل، النوري، ج 1، ص 64، ح 6.
(13) جواهر الكلام، الجواهري، ج 19، ص 60.
(14) دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج 1، ص 294.
(15) بحار الأنوار، م. س، ج 96، ص 264.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع