نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع: الزواج: معوّقات وحلول

تحقيق زهراء عودة


عكست إحدى دراسات وزارة الشؤون الاجتماعية ارتفاع مؤشّر معدّل الزواج في لبنان إلى 31 عاماً عند الفتيات، و35 عاماً عند الشبان. وهذه المعدلات تحوي بين جنباتها أسباباً ومشاكل اقتصادية واجتماعية، غالباً ما تأخذ بيد الشباب إلى دهاليز الحياة الضاغطة، فتراهم يخرجون منها بعد فوات الأوان، ويسابقون الزمن لكي يؤسسوا عائلةً كيفما كان، تخلصهم من الوحدة المستقبلية القاتلة.

* طلبات مرهقة وأسعار جنونية
أضحت أعباء الزواج تتعدّى حدود طاقات الشباب المقبلين عليه، ما أدى إلى عزوف الكثير منهم عن الأمر، وعدم التطرق لمجرد الحديث عنه. ويجسد محمد، مهندس اتصالات، هذه الحالة قائلاً: "رغم ارتفاع راتبي مقارنةً بالرواتب الحالية، إلا أن فكرة الزواج لم تنضج لدي بعد، فقبل أن أؤمن سكناً، وأوفّر مبلغاً كافياً من المال يلبي طلبات الزواج، لا أفكّر بالأمر. لقد أصبح شراء منزل في ظل ارتفاع الأسعار هذه الأيام أمراً مستحيلاً. والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو مستقبل محدودي الدخل في هذا البلد؟".

إذاً، فالضغوط المادية المتمثلة بارتفاع أسعار الشقق والإيجارات، وندرة فرص العمل تارةً وانخفاض الرواتب طوراً، كلها دفعت الشباب إلى تحييد فكرة الزواج ولو مرحلياً، حتى تتحسن الظروف، أو حتى يجد أحدهم فتاةً تقبل بظروفه وأوضاعه المادية كما هي. فقد تأخر حسن، الأستاذ المتعاقد في إحدى المدارس الرسمية، في الارتباط بسبب رفض الفتيات المتكرر له، بحجّة راتبه المحدود، الذي لا يكفي لتأمين متطلبات الحياة اليومية "بعد أن ضاعفت ساعات التدريس ودبرت أموري، ووجدت عروساً متفهمة لوضعي وإمكاناتي، تزوجت مباشرةً خوفاً من ضياع الفرصة، فكما يقول الإمام علي عليه السلام: "اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب". 

وبينما تعيق الضغوط المادية زواج الشباب، تأتي متطلبات الفتيات وتكاليف العرس لتكمل شدّ الخناق على أعناق هؤلاء الذين باتوا يعيشون عقدة المهر، والصيغة (الذهب)، والتجهيز والفرش، وتكاليف الزفاف. إنّ غلاء المهر أضحى مشكلةً في مجتمعنا لا مبرر لها. فالإسلام لم يجعل الزواج معضلة، بل على العكس سهّله أمام الناس، فعن الرسول صلى الله عليه وآله: "أيسرهنّ مهراً أكثرهنّ بركةً"، وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً: "تزوج ولو بخاتم من حديد".

فإن دلَّ ذلك على شيء، فإنما يدل على تبسيط الإسلام لمتطلبات الزواج حتى يكون متيسراً لكل المسلمين. ومن المعروف أن جهاز المنزل وفرشه مكلف في الأوقات العادية، فكيف به في ظل التطاير الصاروخي للأسعار المترافق مع الطموح لشراء أفضل أنواع الفرش، بغض النظر عما إذا كان ذلك بداعي التفاخر، أو ضمان بقاء الفرش لوقت أطول؟ فتفضّل (فاطمة. د) أن تقسّط فرش منزلها لسنوات إضافية على أن تشتري أثاثاً خفيفاً أو متوسطاً يفتقد شروط الفخامة: "على كل الأحوال سوف نشتري أثاثاً، فلمَ لا نشتري أثاثاً جيداً، حتى ولو اضطرنا ذلك إلى الإستدانة؟". 

بعد مرحلة التجهيز للمنزل الزوجي ينتقل همّ العروسين إلى التفكير بمستلزمات العرس. وهنا ربما تكمن الكارثة الكبرى، لأنه غالباً ما يصل العروسان إلى هذه المرحلة والإفلاس مجاريهما، بسبب دفع كل ما كان متيسراً معهما على مستلزمات منزلهما، لذا تجد بعضهم يقيم عرساً قليل الكلفة، وبعضهم يحتفل بالعرس بمساعدة من الأقارب، وبعضهم الآخر يخنق نفسه بالدين لإجراء حفل زفاف. ففيما كلّف حفل الزفاف عائلة (فادي. ع) ما يقارب ال15000$، موزعة ما بين صالة ومنشد ووليمة وضيافة وزفة، لم يكلف حفل الزفاف رضا أكثر من 1500$، موزعة تقريباً على نفس الأمور ولكن بحدود ضيقة تتناسب مع إمكانياته. والجدير ذكره في هذا السياق أن بعض الفتيات يرضين بالعريس ولا يعنيهن مطلقاً أن يكون مكبّلاً بالديون. وبعد أن تكون الأولوية للتفاهم والانسجام تتحول إلى تأمين المستلزمات والطلبات. لم تتوقف الضائقة الاقتصادية والتعقيدات الاجتماعية وارتفاع مستوى المعيشة عند حدود عزوف الشباب عن الزواج حيناً وتأخرهم حيناً آخر، بل تخطتها إلى عواقب وخيمة، أكثر ما تجلت بشيوع بعض الحالات النفسية والعاطفية الصعبة، وباللجوء إلى العلاقات المحرمة. ولا تتردد جنان في قص المشاكل النفسية التي تتعرض لها قريبتها التي تبلغ من العمر 39 عاماً، بسبب عدم زواجها، ولا تنكر أن ذلك كان بسبب عنادها ورفضها المتكرر للشباب. ويبدو ذو الفقار (31 عاماً) غير مكترث كثيراً لموضوع الزواج، بل إنّ الموضوع كله لا يشكل لديه أعباءً وهموماً، على الأقل في الظاهر، فهو يعيش حياة طبيعية لا تشوبها أية مشاكل نفسية، "فقط المجنون من لا يرغب بالاستقرار وبناء أسرة، وأنا بدوري جربت مرة ولكن الظروف شاءت أن لا يكتمل مشروع الزواج".

* رأي الدين
وعن هذا الموضوع قابلنا الشيخ حسان عبد الله الذي اعتبر أن "التكاليف الباهظة للزواج واحدة من معوقات الزواج المبكر وهي من الأسباب الأساس في تأخر الزواج رغم أن الإسلام لا يبرر ذلك، فالأحاديث والروايات إنما تحث على الزواج من الفقراء وعدم التعلق بمظاهر لا قيمة لها، فقد اكتفى الإسلام من أجل الزواج بأن يقدر الزوج على الإنفاق لا أكثر ولا أقل. فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

وعن المهر وضمان مستقبل الزوجة، اعتبر الشيخ عبد الله أن الشرع الكريم شجع على قلة المهر واعتبر أن من شؤم المرأة غلاء مهرها. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "أما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها"، فيما رفع الرسول صلى الله عليه وآله من قيمة المرأة القليل مِهرُها إذ جاء في أحد أحاديثه: "أفضل نساء أمتي أصبحهنّ وجهاً وأقلّهنّ مهراً". ويضيف الشيخ حسان قائلاً: "أما موضوع الصالة التي يجري فيها الزفاف والتكاليف الباهظة التي تدفع في هذا المجال فإننا نعتبر أن أغلب من يقوم بذلك إنما يقوم به من باب المباهاة بين الناس فضلاً عما يصاحب هذه الحفلات من الغناء والرقص المحرمين شرعاً. أما الوليمة ليلة الزفاف فهي أمر شجّع عليه الشرع الحنيف وحدّد غاياته، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "ومن السنّة في الزفاف الولائم وجمع الإخوان على الطعام وإظهار المسرّة والشكر لله تعالى والحمد له على عظيم الإنعام". 

 أما أثاث المنزل الغالي الذي يطلبه الأهل اليوم فحسبنا ما أحضر أمير المؤمنين علي عليه السلام لسيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، فقد ورد أنه لما جاء طالباً يد فاطمة من الرسول صلى الله عليه وآله سأله عما يملك، ولم يكن يملك سوى درع باعها واشترى لها بثمنها طيباً ثم أمرهم أن يجهزوها. وقد ورد في الرواية: "فجعل لها سريراً مشرطاً ووسادة من أدم حشوها ليف". وعن هذا الموضوع يكمل سماحته بالقول: "نحن لا نريد من الناس هذا المقدار من التقشف الموجود عند أمير المؤمنين وفاطمةL ولكن لا يجوز إثقال كاهل الشباب بتأمين الفاخر من الأثاث فليبدؤوا بما هو متيسر ثم يبنى البيت بالتدريج خاصة أن كثيراً من الأثاث الذي يوضع في البيوت يوضع للزينة ولا يستعمل". وعن الحلول الممكنة لتلك الأزمة يعتقد سماحة الشيخ حسّان عبد الله أنّ ما تقدّمه بعض الجمعيّات والمؤسّسات من مساعدات ماديّة وعينيّة غير كافٍ، "فلا بد من علاج متكامل يبدأ بالدولة التي يجب عليها أن تؤمّن فرص العمل وتسهّل عملية الحصول على منزل متواضع. وعلى الأهل عدم المبالغة بالمهور والمتطلّبات، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عز وجل". وعلى الشباب وضع شروط معقولة للشريك الآخر والتركيز على الدين والخُلُق. كما يجب زيادة عدد الجمعيات التي تتصدى لتسهيل عملية الزواج والتوعية الناشطة في المجتمع للتحفيز والتشجيع على الزواج المبكر وتبيان فوائده والأضرار المترتبة على تركه".

* رأي علم الاجتماع
يجد أستاذ علم الاجتماع د. طلال عتريسي أن ما يترتب على هذه الظاهرة هو أمر سلبي تماماً، "فتأخُّر سن الزواج يعني على المستوى الاجتماعي تأخُّر بناء الأسرة وتراجع نسبة الولادات. وهذا في غير مصلحة المجتمع. كما يعني تأخُّر الزواج أن الحاجات العاطفية والنفسية والجسدية سوف تبحث عن الإشباع خارج المؤسسة الشرعية التي هي الأسرة وعقد الزواج، وهذا سيؤدي إلى زيادة انتشار الفساد الأخلاقي". وعن أسباب عزوف الشباب عن الزواج، اعتبر الدكتور عتريسي أن معظمها يدور حول التذرع بصغر السن، وعدم توفر الأموال وعدم القدرة على سد الاحتياجات المعيشية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وقضية المهور، وفساد الزمن وعدم الثقة، وصولاً إلى طول فترة الجلوس على المقاعد الدراسية، وغيرها. وفيما خص الحلول لتلك المشكلة يقول: "لا يمكن معالجة هذه الظاهرة إلا من خلال تعاون واسع ومن خلال عمل مشترك على المستويات الاقتصاديّة والثقافيّة والدينيّة، بحيث تساهم المؤسّسات الحكومية والأهلية في توفير الدعم للراغبين في الزواج من الشباب".

ما من معضلة إلا ولها حل
كما أنّ للعائلة دوراً في تيسير أمور الزواج، كذلك للمجتمع والوطن دورٌ أيضاً، لذا يجب أن تتكافل كل قوى المجتمع لتخطّي هذه الأزمة الوطنية التي لا تجرّ وراءها سوى أذيال الفسادِ وعدم الاستقرار. واليوم بدأت بعض المؤسسات والأيادي البيضاء بالمساعدة في هذا الموضوع ولو بشكل خجول. فعلى سبيل المثال، تقدّم مؤسسة الكوثر مساعدات مادية وعينية للشباب المقبلين على الزواج، وبذلك تتحمل مع هؤلاء الشباب جزءاً من الحمل الثقيل الملقى على عاتقهم، إلى جانب بعض المؤسسات التي راحت في الآونة الأخيرة تقدم بعض المساعدات والتسهيلات، وإن كان هذا لم يحلّ من المشكلة إلا ظاهرها. أخيراً، إنّ الزواج الناجح آخر متطلباته الثراء. وقيمة الزوجة لا تقدّرها الأبعاد المادية للزواج. فالزواج المُكْلِف الذي تكبّله القروض والديون، ما هو إلا ذلّ في النهار وقهر في الليل، فليس من المجدي أن يبدأ المرء حياته الزوجية به، بل من الأفضل أن يوفّر نفقات الزواج للحياة الزوجية المستقبلية وعدم إنفاقها في أول ليلة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع