نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإدمان...الوقاية والعلاج

الدكتور فضل شحيمي*



المخدرات آفة مميتة وخطيرة. وخطورتها تكمن في أنها باتت تضرب المدارس والجامعات. والمؤسف أن حجم التصدي لظاهرة الإدمان من قبل المعنيين بالعملية التربوية لا يتلاءم مع حجم الكارثة. لذا كان لا بدّ من الإضاءة على بعض تفاصيل الإدمان من حيث أنواعه والأسباب التي تؤدي إليه والحديث عن دور الأهل والمدرسة في الوقاية والعلاج.

* أنواع الإدمان
هناك نوعان من الإدمان:

1ـ إدمان نفسي
2ـ إدمان جسدي
والأصعب في العلاج هو "الإدمان النفسي"، وتكمن صعوبته في تغيير سلوك المدمن وعلاجه نفسياً لوقت طويل ومكثف من خلال استخدام الطرق المختلفة.

* الأسباب
إن الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة معظمها اجتماعي نفسي. ويمكن القول إن الخلل الاجتماعي والأسري في مجتمعاتنا هو السبب الأساس في تفشي هذه الظاهرة. واستطراداً نقول إنّ التفكّك الأسري وانقطاع التواصل العائلي غالباً ما يكون وراء هذه الآفة. فالأبناء يسقطون ضحايا الإدمان بسبب تقصير الأهل من الناحية التربوية وبسبب ضعف الرقابة الأسرية وعدم وجود ضوابط. هذا ولا يمكن تجاهل الأسباب الأخرى، مثل: ثورة المعلومات وسهولة الحصول عليها بالإضافة إلى المفاهيم الخاطئة التي تبث عن صعوبة الوصول إلى الإدمان وما إلى هنالك من أخبار هي في أصلها مضلّلة للأهل بالدرجة الأولى وللشباب بالدرجة الثانية.

إنّ أسباب ودوافع الإدمان تكون أيضاً من خلال الرغبة في استكشاف هذه التجربة، أو لعدم انتباه الأهل إلى أبنائهم وضعف الوازع الديني ومصاحبة أصدقاء السوء وحب الاستطلاع ومجاملة الآخرين على سبيل التجربة واستخدام بعض الأدوية دون استشارةٍ طبية. ولا بدّ من ذكر عامل خطر في هذه الآفة وهو اطمئنان وثقة بعض الأهل الزائدة بأبنائهم إذ يقول بعضهم: نحن عائلة محافظة وأبنائي ملتزمون في طاعتهم لله ولا يمكن أن يتورطوا بالمخدرات... لذا لا بدّ من أخذ الحيطة والحذر واعتماد سُبُل الوقاية مع الأبناء من كل الشرور المحتملة والتي يتعرض لها كل الشباب.

* الآثار الاجتماعية والنفسية للإدمان على المخدرات
تتمثل الآثار الاجتماعية للإدمان على المخدرات في: انحراف الأولاد، تفكك الأسرة، ترك العلم، العدوانية التي قد تصل إلى حد القتل، وضياع المبادئ والقيم الدينية. أما الآثار النفسية فتتمثل في: العزلة والانطواء، الفصام، الاختلال العقلي والإرباك، الهيجان النفسي أو فقد قدرة السيطرة على التصرفات، والحزن فالكآبة ومن ثم الانتحار.

* كيف تعرف أن في بيتك مدمناً؟
هناك عدّة أمور يجب التنبه لها في حال حصولها لدى الابن أو الابنة وتكون كناقوس الخطر، وهي:

1ـ التغيير المفاجئ في السلوك (عنف غير مبرر أو هدوء غير مبرر).
2ـ الميل إلى الوحدة.
3ـ التفاوت السريع والتقلب في المزاج (من فرح إلى حزن وبالعكس).
4ـ إهمال الذات (خارجياً: النظافة الشخصية، وداخلياً: عدم الاكتراث لما يجري حوله).
5ـ اضطراب وتغير الشهية وعادة ما يحصل هبوط غير مبرر في الوزن ووهن عام في الجسد.
6ـ عدم الاكتراث لهوايات سابقة كانت تعتبر مفضلة anhedonia.
7ـ تغيير بيئة الأصدقاء والزملاء.
8ـ تدهور سريع في التحصيل العلمي (المدرسي والجامعي).

* دور الأهل في التوعية
يعتبر بعضهم أنّ تفسير ظاهرة الإدمان للأولاد تثير لديهم فضول التعرف إليها، وهو ما يخشاه الأهل، مع العلم أنه من الأجدر أن يكون تثقيف الأبناء بطريقة علمية، وهادئة وهادفة تكون مصدراً لمعرفة كل شيء عن المخدرات وعلامات الإدمان لاتخاذ سُبُل الوقاية منها. هذه التوعية والوقاية يجب أن تبدأ في عمر المراهقة أي العمر الأخطر من حيث إمكانية الوقوع في آفة الإدمان، خاصة وأن الشباب يحبون تجربة كل شيء، وهذا منطق غير سليم طالما أننا بالعقل والإدراك والتحليل يمكننا أن نعرف النتيجة سلفاً. كما أن للأهل دوراً أساساً في رقابة أبنائهم ومحاورتهم ومعرفة ما لديهم من أفكار وأوهام، أضف إلى ذلك الالتفات إلى الدور السلبي لرفاق السوء. وهنا تكمن مسؤوليّة الأهل في توعية أبنائهم ومساعدتهم في مقاومة الضغوط التي يمليها عليهم "أصدقاء السوء" لتعاطي المخدرات، ويتم ذلك من خلال ملاحظة أنشطتهم ومعرفة مَنْ أصدقاؤهم.

* دور المدرسة
وأما دور المدرسة فيكون من خلال تنفيذ منهج شامل متكامل للوقاية من إدمان المخدرات من بداية مرحلة التعليم الابتدائي حتى نهاية الدراسة الثانوية هدفها التعريف بأن الإدمان وتعاطي المخدرات ضار للغاية وذلك عبر القيام ببرامج وقاية ضد المخدرات.  وللتلاميذ داخل المدرسة دور مهم جداً، فعليهم معرفة الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات، وإيجاد السبل لمقاومتها والإبلاغ عن المدمنين الذين يبيعون المخدرات للتلاميذ وذلك للمسؤولين عن المدرسة أو لأولياء الأمور. أما إذا علم الأهل بأن أحد أبنائهم يتعاطى المخدرات فعليهم التحدث معه مباشرة في هذه المشكلة، وأن يكونوا متفهمين للأسباب التي سوف يذكرها لمشكلته، وحازمين في وقوفهم بجانبه في تخطي هذه المشكلة ومحاولة عدم إهانته حتى لا يتحول إلى الإنكار والدفاع عن نفسه ورفضه للمساعدة، فذلك يساعده على الوقاية من الإدمان ويساعد في الأيام الأولى على التوقف عنه. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المدمنين من الذكور تفوق بكثير تلك من الإناث. والسبب هو للأسف تساهل الأهل مع الشاب (الصبي) وإلغاء الرقابة العائلية عليه.

* ويبقى العلاج....
من خلال الدراسات والإحصاءات العالمية فإن نسبة الشفاء بعد العلاج من الإدمان وعدم الرجوع إليه لا تزيد عن 30%، هذا إذا تم العلاج في مركز تأهيلي يحتوي على جميع معايير المتابعة اللازمة من حيث العديد (أطباء نفسيون، واختصاصيون نفسيون ومرشدون اجتماعيون،...) والعدة ( المكان)... هذا ويقسم العلاج إلى:
1ـ علاج دوائي: ويشمل معالجة العوارض الناجمة عن ترك المخدرات (الفطام).
2ـ علاج نفسي سلوكي.

ويبقى القول: إننا في مجتمعنا، نرى أن العنصر الأساس في العلاج هو العلاج الديني الإيماني (الذي يعتبر جزءاً من العلاج النفسي) والذي إذا عرفنا قيمته فإننا نزيد من نسبة الشفاء، لأن اللجوء إلى الله عز وجل يحصّن الإرادة النفسية في ترك هذه الآفة ويجعلنا نلتفت إلى أهمية الله وأهمية التقرب إليه. وهنا يجب أن يكون عندنا اليقين الذي نأخذه من الإيمان والذي نستند إليه ويحمينا من جميع الشرور والمعاصي. أما مرحلة العلاج فهي صعبة جداً، لأنه يجب على المدمن أن ينسحب وينعزل عن مجتمعه ويقطع كل صلة له بالعالم الخارجي كأصدقائه وهاتفه.  حالات كثيرة ومتنوعة نصادفها في المجتمع وبعضها يولّد نوعاً من الحيرة، كحالة شاب في الثالثة والعشرين من عمره وهو البكر في عائلة معروفة ومحافظة جداً، يجيب عند السؤال عن علاقته بوالده، "لا علاقة"!! أو حالة الفتاة التي لم تتجاوز التاسعة عشرة من عمرها، وهي مدمنة مخدرات وحامل في شهرها الرابع في آن واحد.... وقد واجه الطبيب معها صعوبة في العلاج والمتابعة بسبب الضرر الذي يسببه الداء والدواء على الجنين. الحلول في سبيل التصدي لهذه الظاهرة  من الحلول المقترحة في سبيل التصدي لهذه الظاهرة الآتي:

1ـ إجراء حملات توعية شعبية من خلال محاضرات تلقى في مناطق مختلفة يتم التحدث خلالها عن مخاطر هذه الآفة ومدى تغلغلها في مجتمعنا المحافظ، والتحدث عن دور الأهل والمدرسة في هذا. كما لا بدّ من تعريف الناس إلى أنواع المخدرات بالاسم وخطر كل منها وكيف يكون (شكلها) وكيف يمكن للفرد أن يقع في شرها ويصبح في مرحلة الإدمان دون أن يدري. ويجب التركيز على هذا االموضوع في المدارس والجامعات.
2ـ التوعية الدينية بين جميع أفراد المجتمع عن طريق وسائل الإعلام المتنوعة المقروءة والمسموعة والمرئية. والحل الثقافي التربوي الديني أسرع وأهم حل على مستوى الحصانة ويشكل رادعاً للإنسان، فلا بد من البرامج النافعة التي تشغل وتقضي على الفراغ لديهم، ولا بد من توجيه طاقاتهم توجيهاً سليماً.
3ـ التوعية بأضرار المخدرات وتوعية الوالدين بأهمية التربية الصالحة للأولاد، وتنبيههم إلى متابعة أولادهم وشغل الفراغ لديهم بكل مفيد والبعد بهم عن مصاحبة أصدقاء السوء.

* نداء للمسؤولين
لا بدّ لكل القوى المادية والمعنوية من السعي لإنشاء مركز تأهيلي لهذا الوباء المتفشي، للقيام بكشف ومعالجة الحالات في بداياتها قبل أن تستفحل، ويمتد خطرها لتضرب هؤلاء الشباب في كل اتجاه، وتجعل من مجتمعنا مجتمعاً هزيلاً مريضاً، لا يقوى على المواجهة وخاصة مواجهة العدو الذي يتربص بنا شراً ويعتقد خاطئاً أنَّه سيجد في مواجهته جيلاً ضعيفاً لا حول له ولا قوة.

* اختصاصي أمراض نفسية وعقلية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع