نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في كتاب: سنة 501 الـغزو مستمر

إعداد: زينب الطحان



قد تستغرب عزيزي القارئ إن أخبرتك أنه بحلول الحادي عشر من تشرين الأول من العام 1992م انتهى العام 500 من عمر النظام العالمي القديم!!.. هذا ليس بأحجية، بل هو تقدير فلسفي وثقافي من قبل المفكر الأميركي اليهودي نعوم تشومسكي، الذي يؤكِّد أنّ السمات الرئيسة للنظام الاستعماري القديم لم تزل هي هي حتى الآن. يعرف تشومسكي كمفكِّر سياسي يساري بامتياز مناهض للنظام السياسي الحاكم في أميركا فكرياً وأيديولوجياً منذ حرب فيتنام، ولم يجد حرجاً في الوقوف علناً أمام ما اعتبره هستيريا عسكرية وحربية وإعلامية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. ولا يتوقَّف المفكِّر الأميركي اليهودي عند انتقاد صنع القرار ورجاله ومؤسساته في واشنطن، بل يعتبرهم شركاء وصانعي أزمات وحروب إقليمية ودولية من أمريكا اللاتينية إلى آسيا مروراً بوطننا العربي حتى أنه عندما قدم إلى لبنان وصف حرب تموز 2006 بأنها كانت غزواً إسرائيلياً أمريكياً.

* يهودي كاره للصهيونية
ولد نعوم إفرام تشومسكي في العام 1928م وهو يُعدّ من أهمِّ الشخصيات الثقافية على مستوى العالم، وأحد أكثر العلماء تأثيراً في علم اللغويات الحديث. وتستخدم نظرياته اللغوية بكثرة في علوم الاتصالات وعلوم الحاسب الآلي. بيد أنَّ هذا الجانب العلمي لا يمثِّل الجانب الأهم في تشومسكي؛ فيكفي أن نعرف أنَّه أهم "المنشقين" في الولايات المتحدة الأميركية. وقد نعتته منظمة "بناي بريث" (أبناء العهد) اليهودية ذات الميول الصهيونية- بأنَّه أشدُّ مواطني الولايات المتحدة الأميركية عداءً لإسرائيل. ووصفه بعضهم بأنه يهودي يكره ذاته. واعتبرته محطة "سي إن إن" الإخبارية العالمية أهمَّ نقَّاد السياسة الأميركية. واختير ضمن أحد الاستفتاءات الثقافية في الولايات المتحدة ليكون ضمن أهمِّ ثلاث شخصيات ثقافية على قيد الحياة في هذا القرن. ولا غرابة في أن يتعرَّض تشومسكي داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها إلى حملات إعلامية منسقة كلما وضع كتاباً جديداً أو كتب مقالاً من تلك المقالات التي تصبح سجلاً للمعطيات والأدلة الكاشفة للسياسة الأميركية في العالم، حتى أن العديد من الصحف الأميركية يمتنع عن نشر مقالاته وشهاداته التي تغضب اليمين الأميركي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وتضرب صفحاً عن التعريف بكتبه وإنجازاته الفكرية.

* كتاب "سنة 501 الغزو مستمر"
من وجهة نظر تشومسكي فإن إزالة الآخر هي نهج الحضارة الغربية وطاعونها. وهذا النهج مستمر من وجهة نظره المدعومة بمزيد من الوقائع التي يستقيها تشومسكي من الوجه الآخر المظلم والمسكوت عنه للحضارة الغربية.. ففي كتابه "الغزو مستمر" يؤكِّد تشومسكي على ذلك، فمن وجهة نظره أنَّ العام 1992م من قرننا المنصرم يطرح تحدِّياً أخلاقيَّاً وثقافيَّاً خطيراً على القطاعات صاحبة الامتياز في المجتمعات المسيطرة على العالم، فبحلول الحادي عشر من تشرين الأول 1992م انتهى العام (500) من عمر النظام العالمي القديم، والذي يدعى بالحقبة الكولومبية نسبة إلى كريستوف كولومبس أو "رايخ الـ 500 عام" إذا ما أردنا والقول لتشومسكي استعارة عنوان الكتاب التذكاري الذي يقارن طرائق النازية وأيديولوجيتها بمثيلاتها عند الغزاة الأوروبيين الذين أخضعوا العالم لسيطرتهم ونهبهم. ولذلك فقد آثر تشومسكي أن يجعل عنوان كتابه الرئيس هو "سنة 501" والعنوان الفرعي هو "الغزو مستمر" وكأننا أمام فاتحة جديدة لغزو جديد ونهج تاريخي جديد هو طاعون حضاري كما يرى تشومسكي من شأنه أن يهدِّد العالم بأسره والكون برمته. 

تقول الفكرة الأساس التي تخترق صفحات "سنة 501" كلها تقريباً: إن الإمبراطوريتين الانكلوساكسونيتين (إنكلترا، وبعدها الولايات المتحدة الأميركية) الليبراليتين "من الخارج" تملكان في جوهرهما، الأكثر استتاراً، نظاماً مافياوياً. ويُلاحظ أنَّ هذا النوع من النظام ظهر في أميركا مع استعمارها من قبل القراصنة والبروتستانت في أواخر القرن السابع عشر. ويقتبس تشومسكي عن نيتانيلر: "وقد لعب الكسب غير المشروع والفساد دوراً حيوياً في تطور المجتمع الأميركي الحديث، وفي خلق الآلية المعقدة المتداخلة المؤلفة من الحكومة ورجال الأعمال، الآلية التي تقرِّر مجرى شؤوننا في الوقت الحاضر".‏

* تكريس ثقافة الغزو
يكرّس تشومسكي اهتماماً خاصاً لأسس غزو العالم بمساعدة الأفكار البدائية المناسبة. ويذكّرنا المؤلف هنا بأنَّ الفيلسوف المجري- الإنكليزي كارل بولاني لاحظ قبل نصف قرن تقريباً أنَّ "السوق الحرة لم يكن لها أن تستمر لفترة طويلة دون إتلاف الجوهر الإنساني والطبيعي للمجتمع، وكان من شأنها أن تدمر الإنسان وتحوّل محيطه إلى خراب". ينبغي النظر إذن إلى الفكرة الحديثة عن السوق الحرة كالنظرة إلى البطانيات حاملة عدوى مرض الجدري التي وزَّعها الأميركيون على الهنود في إطار المساعدة الحضارية.

وهذه الحيلة تعرفها تماماً المؤسَّسات فوق القومية التي تشرف على تطوّر العالم. ويُلاحظ تشومسكي مصيباً أنَّه "في مرحلة الفساد الثقافي الحالية، من الضروري التأكيد على أنَّ المبادئ الاقتصادية التي يعظ الحكَّام بها إنَّما هي أدوات سلطة، مثلها مثل مبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان الموجهة للآخرين بحيث يمكن استغلالهم وسرقتهم على نحو أكثر فعالية. لا يقبل أي مجتمع غني هذه المبادىء لنفسه إلا إذا قدَّمت له منافع مؤقتة مصادفة. ويكشف تاريخ هذه المجتمعات أنَّ الافتراق الحاد عن هذه المبادىء كان عاملاً هائل الأثر في التنمية".‏ وكأخصائي في علم اللغة، يكرِّس تشومسكي اهتماماً خاصاً للثقافة الخاصة للكلمة التي تشجِّع "الأوروبيين" منذ قرون على أعمال الغزو. ويذكرنا هنا بحقيقة معروفة جيداً وهي أنَّ كلَّ طفل أميركي ممن يتعهدون" بالولاء لأمّتنا في ظلِّ الربّ يُعَلَّم كيف استعار البيوريتانيون فصاحة وخيال العهد القديم، محولين أنفسهم عن وعي إلى شعب الله المختار الذي يتبع إرادة الرب "بقتل الكنعانيين وطردهم من أرض الميعاد". لقد رصد مؤرِّخون عديدون وجه الشبه بين تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الحديث وتاريخ إسرائيل القديم. أدت طريقة السرقة تحت غطاء القانون، إلى كوارث حضارية هائلة في الماضي نتيجة الحاجة إلى تزييف الواقع باستمرار. فبمثل هذه الكارثة انتهى في العصر القديم تاريخ إسرائيل، وشهد العصر الحديث تدمير تشيكيا التام تقريباً بعد أن أصيبت بالكلفنة (نسبة إلى كلفين من زعماء الديانة البروتستانتية).

وفي القرن العشرين لقي المصير نفسه الألمان الذين خدعتهم روح الشعب المختار. واليوم يحاول الأميركيون الذين يعتبرون أنفسهم- في غالبيتهم - "أبناء الله" تجسيد إيديولوجية العهد القديم بشأن غزو الأرض والسيطرة على "الحيوانات" المشار إليها في الصفحة الأولى من التوراة. يحاولون تجسيدها على مستوى الكرة الأرضية. ويحاول نعوم تشومسكي منذ أعوام تعثير حضارة "أبناء الكذب" هذه التي أوصلها جشعها إلى الجنون.‏

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع