نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله: اللَّهم.. أَمِتْ به الجور

الشيخ نعيم قاسم


﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (الروم: 41). وهذا هو ديدنهم منذ بداية الحياة على الأرض، حيث أتاح الله تعالى للإنسان أن يختار بين الحق والبـاطــل، وبيــــن الصلاح والفسـاد، من دون أن يلزمه بأحدهما. وقد برز الاختلاف مع ولدي آدم عليه السلام، حيث اتَّبع هابيل طريق الصلاح، فقدَّم أغلى ما عنده قربةً إلى الله تعالى، واتَّبع قابيل طريق الفساد، فقدَّم أسوأ ما عنده، ومِنْ فاضِلِ حاجته قربةً إلى الله تعالى، فتقبَّل الله من هابيل، ولم يتقبَّل من قابيل، فقتل قابيل هابيل، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِين (المائدة: 27). والقتلُ غيرةً وحسداً هو الظلم والفساد بعينه.

* صراع بين الصلاح والفساد
إن خارطة الحياة الدنيا، صراعٌ قائمٌ ودائمٌ بين الصلاح والفساد، وانتصارٌ لأصحاب الصلاح في محطاتٍ من التاريخ. وتسلُّطٌ للفاسدين في أغلب محطات التاريخ، وهذه النتيجة منسجمة مع كون الأكثرية من الفاسدين. ولكنَّ الله تعالى وعدنا بنصرٍ شاملٍ ونهائي في آخر الزمان، ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص: 5)، يكون مسبوقاً بفسادٍ جامح وشبه شاملٍ على وجه المعمورة. تحدثت روايات كثيرة عن فساد آخر الزمان، المواكب لمرحلة ظهور الإمام المهدي المنتظَر عجل الله فرجه، وأسهبت في تفصيل طبيعة هذا الفساد ومجالاته المختلفة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يأتي على الناس زمان همّهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شر الخلق، لا خَلاقَ لهم عند الله" (1).

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام يشرح جوانب من فساد آخر الزمان، حيث تكون الحياة مصحوبة بالغضب الإلهي، وبالأحداث الطبيعية كالزلازل وأنواع الرياح المؤذية، وما ينسجم مع ما ورد في بعض الروايات من أنَّ ثلث العالم يفنى بهذه الأحداث الطبيعية والاستثنائية: "إذا كان زعيمُ القوم فاسقهم، وأُكرِمَ الرجلُ اتّقاء شرِّه، وعَظُمَ أرباب الدنيا، واستُخِفَّ بحملة كتاب الله، وكانت تجارتُهم الربا، ومأكلُهم أموال اليتامى، وعُطِّلت المساجد، وأَكرمَ الرجلُ صديقَه وعقَّ أباه، وتواصلوا على الباطل, وعطّلوا الأرحام، واتّخذوا كتاب الله مزامير، وتفقّه (الناس) لغير الدين، وأكل الرجل أمانته, وائتمن الخائن، وخُوِّن الأمناء، واستُعمِلت كلمةُ السفهاء، وزُخرفت المساجد والكنائس، ورُفعت الأصوات في المساجد، واتُّخِذت طاعة الله بضاعة، وكثُرَ القُرَّاء وقلَّ الفقهاء، واشتدَّ سبُّ الأتقياء، فعند ذلك توقعوا ريحاً حمراء، وخسفاً ومسخاً وقذفاً وزلازل وأموراً عظاماً"(2).

* الدّعاء مفتاح الفرج
فإذا وجدنا الفساد يزداد ويتراكم، فهذا مؤشرٌ لقرب الظهور. ومهما عَظُمَ الفساد فلن يصمد أمام إشهار الإمام لسيفه، وتمزيقه للباطل، ورفعه لراية الحق. وقد شجعنا النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام على أن ندعو دائماً بتعجيل الفرج، لإعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل. فمن دعاء العهد الذي تستحب قراءته أربعين صباحاً ليكون الداعي من أنصار الإمام المهدي عجل الله فرجه: "اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغُرَّة الحميدة، واكحل ناظري بنظرةٍ مني إليه، وعجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، وأوسع منهجه، واسلك بي محجته، وأنفذ أمره، واشدد أزره، واعمر اللهم به بلادك، وأحي به عبادك"(3). ومن الدعاء لصاحب الأمر، المروي عن الإمام الرضا عليه السلام الذي كان يأمر أصحابه به: "اللهم اشعب به الصدع, وارتق به الفتق, وأَمِت به الجور, وأَظهِر به العدل, وزيِّن بطول بقائه الأرض, وأيِّده بالنَّصر, وانصره بالرُّعب, وقوِّ ناصريه, واخذل خاذليه, ودَمدِم من نَصَبَ له, ودمِّر من غشَّه, واقتُل به جبابرة الكفر وعمده ودعائمه, واقصم به رؤوسَ الضلالة وشارعَة البدع ومميتةَ السنة ومقوِّيَةَ الباطل, وذلِّل به الجبارين, وأَبِر به الكافرين وجميع الملحدين, في مشارق الأرض ومغاربها, وبَرِّها وبحرِها, وسهلها وجبلها, حتى لا تدَعْ منهم ديَّاراً, ولا تُبقي لهم آثاراً" (4).

فلنعمل لنكون من الثلة المؤمنة بصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه ولنكون من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه، وليكون أملنا عظيماً أمام الانتشار العالمي للفساد، الذي سيندحر بالنهاية السعيدة التي يعمُّ فيها النصر والعدل والإيمان. عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذَّة بالقذَّة، وإنَّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يُرى، ويأتي على أمتي بزمنٍ لا يبقى من الإسلام إلاَّ اسمُه، ولا يبقى من القرآن إلاَّ رسمُه، فحينئذٍ يأذنُ الله تبارك وتعالى له بالخروج، فيُظهِر الله الإسلام به ويجدِّده. طوبى لمن أحبَّهم وتبعَهم، والويلُ لمن أبغَضَهم وخالفهم، وطوبى لمن تمسَّك بهُداهُم" (5).

* جاء الحق وزهق الباطل
عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في حواره مع بعض الزنادقة: "أمَا إنَّه سيأتي على الناس زمانٌ يكونُ الحقُّ فيه مستوراً، والباطلُ ظاهراً مشهوراً، وذلك إذا كان أولى الناس به أعداهم له. واقترب الوعدُ الحق، وعظُمَ الإلحاد، وظهر الفساد، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، ونَحَلَهُم الكفارُ أسماءَ الأشرار، فيكون جهدُ المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه, ثم يُتيحُ الله الفرج لأوليائه، ويظهر صاحبُ الأمر على أعدائه" (6). نحن أبناء البشرى بالإمام المهدي عجل الله فرجه، الذين لا يهابون ولا يخافون ولا يحزنون في مواجهة قوة الكفر وتصاعد وتيرة الفساد، فقد بشرت حكيمة رضي الله عنه عمة الإمام المهدي عجل الله فرجه بما رأته عند ولادته: "ولما وُلِدَ كان نظيفاً مفروغاً منه, وعلى ذراعه الأيمن مكتوب:﴿ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (7).


(1) يوم الخلاص, كامل سليمان, ص 438.
(2) معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه, الشيخ علي الكوراني العاملي, ج 3, ص 17.
(3) بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج 53, ص 96.
(4) مصباح المتهجد, الشيخ الطوسي, ص 409.
(5) ينابيع المودة, القندوزي, ج 3, ص 283.
(6) الاحتجاج, الشيخ الطبرسي, ج 1, ص 373.
(7) مدينة المعاجز, السيد هاشم البحراني, ج 8, ص 33.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع