نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سامرّاء أرض المطهَّرَين

إبراهيم منصور



سامرّاء مدينة عراقية تقع على الضفّة الشرقيّة لنهر دجلة، في محافظة صلاح الدين، وتبعد 118 كيلومتراً شمال العاصمة بغداد. يحدّها من الشمال مدينة تكريت، ومن الغرب الرّمادي، ومن الشرق بعقوبة، ومن الشمال الغربي الموصل. يبلغ عدد سكّانها 300 ألف نسمة، حسب إحصائيات وزارة التجارة عام 2003 م.

* لمحة تاريخية
أ في التاريخ القديم

تمَّ استيطان منطقة سامرّاء ومحيطها، منذ أقدم العصور، أي منذ العهد الآرامي. وفي الحقبة الآشورية بنى الملك سنحاريب قلعة فيها عام 690 ق. م. وقد لَقي الأمبراطور البيزنطي جوليان الملقّب بالمرتدّ (1) حتفه فيها إثر إصابته بجروح قاتلة عام 363 ميلادية. أمّا ملوك بني ساسان الإيرانيون وملوك المناذرة العرب الموالون للساسانين، فقد اتخذوا من مواقع سامرّاء حصوناً استراتيجيّة عسكرية أثناء احتدام الصراع ضدّ الإمبراطورية البيزنطية، وقد أقاموا فيها الحصن المعروف بحصن "سومير" الذي يمُتُّ بِصِلةٍ لاسمها الأوّل القديم، ووردَ ذكرُه في أخبار تراجع الجيوش الروميّة. وفي مطلع القرن التاسع لم يبق من سامرّاء سوى دير للرهبان مُحاط بعدد من المنازل.

ب خلال الحكم العبّاسي
جاء في مروج الذهب (2) وغيره من كتب التاريخ المعروفة والمعتَمَدة ما مُلَخّصُه: إنّ أمّ الخليفة العباسي محمّد بن الرشيد، المعتصم، كانت تركيّة، وبما أنّ الأتراك أخوالُه فقد كان يعتمد عليهم في تثبيت أركان مُلكه، ولذا فقد عمد إلى جمع الرَّقيق (3) من الأتراك وشرائهم من أيدي مواليهم، فاجتمع له منهم أربعة آلاف. وكان هؤلاء الجنود يُؤذون الناس ببغداد بإجرائهم الخيول في الأسواق وما ينال الضعفاء والصبيان من ذلك. فعزم المعتصم على الانتقال بالأتراك إلى مكان آخر خارج بغداد. فخرج يتقرَّى (4) المواضع، فانتهى إلى موضع سامرّاء، وكان هناك للنصارى دير عادي، فسأل بعض أهل الدير عن معنى سامرّاء، فقال: نجدُها في الكتب السالفة وتاريخ الأمم الماضية أنّها مدينة سام بن نوح عليه السلام. فنظر المعتصم إلى فضاء واسع تسافر فيه الأبصار، وهواء طيّب، وأرض صحيحة، فاستمرأها واستطاب هواءَها، فدعا بأهل الدير فاشترى منهم أرضهم بأربعة آلاف دينار، ثم بنى قصره في ذلك الموضع، وارتفع البنيان حول القصر، وجعل للأتراك قطائع واسعة، منها الموضع المعروف بكوخ سامرّاء.. فاتّسع الخصب وأقبلت الأرض، وقد بدأ ذلك عام 221 هـ. بعد أن تمَّ بناء المدينة، سمّاها المعتصَم "سُرَّ مَن رأى"، ولكنّ اسم سامرّاء ظلَّ غالباً عليها. ثم انتقل المعتصم مع قواته وعسكره إليها، وجعلها عاصمةً لدولته، ولم يَمضِ وقت طويل حتى قصدها الناس وشيّدوا فيها المبانيَ والمحالَّ والمنتزهات. ثمّ جاء المتوكّل العباسي سنة (245 هـ / 859 م) فبنى شمالي سامرّاء مدينة المتوكّلية، وشيّد الجامع الكبير ومئذنته الشهيرة "الملويَّة"، وهي أحد معالم المدينة. بقيت سامرّاء عاصمة الخلافة العبّاسيّة فترة تقرب من 58 سنة، تمتدُّ من سنة (221 هـ/ 834 م)، إلى سنة (279 هـ/ 892 م).

ج الغزو المغولي
تعرّضت أغلب مباني مدينة سامرّاء للتدمير أثناء الغزو المغولي، كَحَالِ بغداد وسواها من الحواضر والمدن، وهُدِّمت أسوارُها ومنشآتها ومحالُّها العامرة.

د في الخلافة العثمانية
أثناء الخلافة العثمانية شهدت المدينة نهضة عمرانية متواضعة؛ ففي سنة (1294 هـ / 1878 م) نُصِبَ أوّلُ جسر على نهر دجلة يربط مدينة سامرّاء بالضّفة الغربية للنهر والمدينة معاً.

هـ بعد العُدوان الأمريكي عام 2003 م
شهدت مدينة سامرّاء، في بداية الحرب، معركة شرسة بين أبناء هذه المدينة العريقة في التاريخ، وبين قوّات الاحتلال الأمريكي تمَّ فيها القضاء على الكثيرين من جنود الاحتلال. ولقي العديد من أبناء المدينة حتفهم، سواء خلال العلمليّات العسكرية، أو ضحيَّة الإرهاب الأعمى الذي ضرب المنطقة بَيَدِ عناصر القاعدة وغيرهم من المتطرّفين. ثمّ شهدت سامرّاء نوعاً من الهدوء والاستقرار منذ سيطرة قوّات الشرطة وأبناء العشائر على المدينة عام 2008م، ممّا ساعدَ على البدء بإعمار المدينة وترميم الآثار والأضرحة والمقامات المقدّسة لدى المسلمين بمساعدة اليونسكو.

الأهميّة الدينية
على الرغم من أنّ سامرّاء كانت عاصمة العباسيين الثانية، بعد بغداد، إلا أنّ اسمها لم يرتبط بالمعتصم العباسي قدْرَ ارتباطه بالإمامين العسكريَّيين عليهما السلام (5). ولم تكتسب سمعتها التاريخيّة لكونها بقيت عاصمة العباسيين لمدة نصف قرن، من (221 هـ) إلى (271 هـ)، بل لأنَّ هذه المدينة شهدت سكن الإمام العاشر علي بن محمّد الهادي عليه السلام، وولادة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السلام، من أئمّة أهل البيت المطهّرين عليهم أفضل الصلاة والسلام. ولهذا اكتسبت سامرّاء روحانية خاصّة جعلتها في مصاف المدن المقدّسة، مثل النجف الأشرف، وكربلاء المقدّسة، والكاظمية المعظّمة.(6)

* من أهم المعالم الدينية الباقية في سامرّاء:
ـ مسجد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
ـ مسجد الأرقم.
ـ مسجد أولاد الإمام الحسنعليه السلام.
ـ ويُعتبر جامع أبي دُلف وملويَّته، والذي يبعد 15 كلم عن شمال المدينة، من الآثار العباسية المهمّة في المدينة.

لكنّ ما يُحقق صَيْرورة سامرّاء التاريخية واستمراريتها الحضارية والعمرانية، ويجعل المؤمنين يشدّون إليها الرحال، ويضربون إليها بطون الإبل، أو يسيرون إليها سيراً على الأقدام، هو وجود المقامات المقدّسة لبعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام وأبنائهم؛ من هذه المقامات والأضرحة المشرَّفة:
ـ مشهد الإمامين عليّ الهادي عليه السلام والحسن العسكري عليه السلام ويُعتبر أهمَّ معالم مدينة سامرّاء.
ولقد تعرّض المرقد الشريف للتفجير أكثر من مرّة، وذلك في شباط 2006 إثر هجوم بالمتفجرات أدّى إلى هدم قبته، كما تعرّض لتفجيرات في 13 حزيران 2007 أدّى إلى انهيار قبتي المرقدين الذهبيتين.
وقد بدأت عملية إعادة إعمار المرقدين في شباط 2008. وانتهى العمل من إعمار القبة والمنارتين في التاسع من نيسان عام 2009.
ـ مشهد صاحب الزمان، وقبّة سرداب الغيبة، وقبر السيدة نرجس زوج الإمام الحسن العسكري عليه السلام. (ت سنة 260 هـ).
ـ قبر السيدة حليمة بنت الإمام الجواد عليه السلام. (ت سنة 260 هـ).
ـ مرقد السيد محمّد بن الإمام عليّ الهادي عليه السلام. (ت سنة 252 هـ).
قبر الإمام محمّد الدرّي الذي ينتهي نسبُه إلى الإمام الكاظم عليه السلام. (ت سنة 300 هـ).
ـ مرقد بنات الكاظم عليه السلام، في ناحية الدجيل.
ـ مرقد بنات الحسن عليه السلام، في منطقة الجلام.
ـ مرقد آمنة بنت الإمام الحسن عليه السلام.
ـ مرقد إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي رضي الله عنه.
وبالرغم من أنّ مدينة سامرّاء قد دُمِّرت على يد المغول، ثمّ طالتها الأيدي الآثمة بالتفجير والترويع... إلا أنّها صمدت في وجه عوادي الزمن ببركة العتبات المقدّسة فيها، وبفضل زوار هذه العتبات التي كرَّمها الله، ووجود المرجعية الشيعية فيها لفترة من الزمن، إضافةً إلى انتقال عدد من البيوتات الشيعية من بغداد وسواها من المدن لتسكن سامرّاء، مُجاورة لمرقدَي الإمامين العسكريَّيْن عليهما السلام، ممَّا أعاد ما تهدَّم منها، ووسَّع رقعة السكن فيها، وأوجد حركة تجارية وثقافية وسياحيّة مرموقة. ﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلاَ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(التوبة: 32).


(1) سامرّاء: نجـدهـا في الكتب السالفة وتاريــخ الأمّـــم الماضية أنّها مدينة سام بن نوح عليه السلام لأنّه ترك الديانة المسيحيّة وارتدَّ إلى الوثنيّة.
(2) مروج الذهب، المسعودي، ج 2، ص 266 268.
(3) الرقيق: العبيد.
(4) تقرَّى البلادَ: تتبّعها وطاف فيها.
(5) نسبةً إلى محلّة عسكر، إحدى محلّات سامرّاء.
(6) انظر: شبكة العصر الثقافية: نظرة تاريخية حول مرقد العسكريَّيْن عليهما السلام، بقلم د. سعيد البياتي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع