صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

الوجبات السريعة طريق أمراض ومآسٍ

د. حسن يوسف حطيط*



أحدثت الدراسات الأخيرة التي تناولت علاقة الوجبات الغذائية السريعة بسرطان القولون والثدي صدمة كبيرة في الأوساط العلميّة والاجتماعيّة وفتحت الباب على مصراعيه لإجراء الكثير من الأبحاث المركَّزة والدِّراسات الجدية بهدف إحصاء الآثار السلبيَّة لهذه العادة السيِّئة المستجدَّة في عصرنا الحاضر ومواجهتها بسياسات وقائية وتوجيهية.  ولعل مهمّة التنبيه والوقاية من الآثار المأساوية للوجبات الغذائية السريعة هي مهمة صعبة وشاقة ولا أفق لها حالياً في المدى المنظور لأنَّ هذه "الثقافة" السريعة الانتشار هي, بالفعل وبالقول, أداة اقتصادية وسياسية مدعومة من قبل هيئات اقتصادية قوية وشركات عظمى ومنظومات عالمية لا منافس لها على الصعد المالية والصناعية والدعائية. وبفضل الماكينات الإعلامية العالمية الواسعة الانتشار في ظلّ القدرات الاقتصادية الهائلة, صارت مواجهة هذه الآفة مشكلة بحدِّ ذاتها إذ كيف يمكن مواجهة أسلوب حياة عصري أصبح جزءاً لا يتجزّأ من الثقافة العالمية الجديدة ومعلماً من معالم العولمة الحضارية العابرة لحضارات العالم ولكل أطراف المعمورة؟


* مكوّنات الوجبات السريعة
تعتمد الوجبات الغذائية السريعة على ثلاثة مكوِّنات أساسية هي: اللحوم والنشويات كالخبز والبطاطس والمشروبات الغازية, وتتميّز بطهوها السريع عبر استخدام حرارة عالية واحتوائها على الدهون الكثيرة والمتنوِّعة والسكريات والأملاح الضارة (كالصوديوم) وافتقادها للألياف والفيتامينات والمعادن المفيدة (كالكالسيوم والحديد) الموجودة عادة في الخضار والفواكه الطازجة. استهدفت الشركات المصنعة للوجبات السريعة, منذ نشوئها في عصرنا الحديث, فئتي الأطفال والشباب ثمَّ طورت حملاتها الدعائية والإعلانية لتغطي أكبر مساحة ممكنة من الفئات العمرية فحازت على "شراكة استراتيجية" مع الموظفين والطلاب ومتوسطي الدخل وغيرهم من المجموعات النشطة اجتماعياً واستهلاكياً.  تحتوي الوجبات الغذائية السريعة, بالإضافة إلى الدهون والسكريات والأملاح الضارة, على نسب عالية من المواد الكيميائية المتداولة في الصناعات الغذائية كالمواد الحافظة والمواد الملوّنة والمواد المُحَلّية وغيرها من المواد الّتي ثبت أنّها مرتبطة بشكل أو بآخر بالأورام السرطانية, كما تحتوي على نسب عالية من مادة "الأكريلامايد" المسرطنة والتي تنشأ بسبب تعرض البطاطس "المقلية" للحرارة العالية.

* مآسٍ وأمراض
تتنامى أنواع وأعداد "المآسي" التي تنجم عن اتِّخاذ "الوجبات الغذائية السريعة" نمطاً حياتياً ثابتاً وتتراوح ما بين الأعراض "المقبولة" نسبياً كأعراض الجهاز الهضمي والتنفسي والأمراض المستعصية كتصلب الشرايين والسرطان. وما برحت تنضم, من وقت لآخر, أنواع جديدة من الأضرار والمساوئ إلى جداول الأعراض والأمراض والآفات المرتبطة بالوجبات الغذائية السريعة حتَّى صارت جزءأً لا يتجزأ من منظومة المشاكل الطارئة والداهمة التي تواجه بأخطارها المحدقة السياسات والاستراتجيات الصحية والاجتماعية. ومن أهم الأعراض والأمراض "المعروفة" و"المثبتة" حالياً بشكل موثق وأكيد في آثار الوجبات الغذائية السريعة, نجد الأمور التالية:

- تراكم الدهون والسكريات في أنسجة الجسم وخلاياه.
- ارتفاع نسبة الكولسترول والدهون في الدم.
- زيادة الوزن والسمنة.
- عسر الهضم.
- صعوبة أو ضيق التنفس.
- ارتفاع ضغط الدم.
- ارتفاع نسبة السكر في الدم.
- خطر الإصابة بالتسمم الغذائي, خاصة في فصل الصيف.
- خطر الإصابة بداء السكري.
- خطر الإصابة بداء النقرس.
- خطر الإصابة بداء المفاصل.
- خطر الإصابة بترقق العظام.
- خطر الإصابة بتصلب الشرايين.
- خطر الإصابة بالجلطات.
- خطر الإصابة بالذبحة الصدرية.
- خطر الإصابة بالسرطان (القولون, الثدي, البروستات,...).

* الواجبات السريعة والسرطان
يتركّز الكثير من الأبحاث والدراسات, حالياً, حول دور الوجبات الغذائية السريعة في ظهور السرطان المرتبط بسوء الغذاء والمتمثل بسرطان القولون وسرطان الثدي وسرطان البروستات, إذ ثبت أنَّ أهمِّ العوامل المساعدة على نشوء السرطان هو اعتماد أساليب غذائية خاطئة مرتكزة على نسبٍ عالية من الدهون والسكريات والبروتينات ونسب منخفضة من الألياف والفيتامينات والمعادن المفيدة. وقد اكتشف بعض الدِّراسات الإحصائية المقارنة أنَّ نسبة سرطان الثدي كانت منخفضة جدًا في النساء في بعض الدول الغربية خلال الحرب العالمية الثانية وذلك لاعتمادهنَّ في طعامهنَّ اليومي على كميَّات قليلة من الوجبات ذات السعرات الحرارية المنخفضة (كميّات قليلة من اللحوم والسكريات) مع نسب عالية من الفيتامينات والمعادن الجيدة (زيت السمك وعصير البرتقال). كما أثبت بعض الدراسات الأخرى أن متابعة السير الذاتية لمريضات سرطان الثدي أظهرت وجود علاقة مباشرة ما بين نشوء السرطان وخلل ما في نمطهن الغذائي حيث كنّ مصابات بالسمنة أو معتمدات على وجبات غذائية غنية بالدهون وفقيرة بالألياف. وهكذا بدأت في بعض الدول المتقدمة حملات إرشادية منظمة لتغيير السلوك الغذائي للبنات في المدارس عبر إضافة عصير الفاكهة الطبيعي والخضار والفاكهة المقطعة على وجباتهن المدرسية وتكثيف الجهود لزيادة وعيهن ومعرفتهن بأخطار الأنماط الغذائية السيئة.

* آفة العصر الحديث
دخلت "الوجبات الغذائية السريعة" بسرعة فائقة, لائحة آفات عصرنا الحديث, وانضمت إلى أخواتها وزميلاتها, في اللائحة المشؤومة الطويلة, من تدمير البيئة وإزالة الغابات والتلوث الصناعي والاحتباس الحراري إلى التدخين وإدمان الكحول والمخدرات, وفرضت نفسها على المجتمعات والدول وسيطرت على النفوس والإرادات, وتصدت لكل ما واجهها من اعتراضات وحملات مضادة, معتمدةً على قدراتها التسويقية والتنافسية والدعائية الضخمة، ولم تفلح, إلى الآن, المحاولات التوجيهية والتربوية والصحية في كسر هيمنتها العالمية على النفوس والبطون!.  ما برح الإنسان المعاصر "يتذاكى" و"يبرع" في إيذاء نفسه ومحيطه وعالمه ويحاول بشتى الوسائل أن يسلك كل المسارب السريعة وكل المسالك القصيرة لأجل "التفنن" في تدمير بيئته وصحته ونظامه الحياتي, كما راح يصول ويجول في نهضته الصناعية وثورته الإلكترونية وعولمته الحضارية "متسلحاً" بإبداعاته النظرية والتطبيقية والتجريبية في الإسراف الاقتصادي والإفراط السلوكي والترف الاستهلاكي ومتذرعاً بوجوب التغيير والتحديث والتنويع في الأنماط والأعراف!.

ولما لم يكتشف الإنسان الحديث, إلى الآن, مدى وهول الأخطار التي يجنيها على نفسه وأقرانه وذرّيته وما يسببه من أذى ودمار لحياته ومحيطه, بات من الصعب استدراك ما يُستشعر من كوارث قادمة ومنع استفحال ما وقع منها وصار من المحتّم, عاجلاً لا آجلاً, أن يُرفع الصوت عالياً وأن يُحسم الأمر.....سريعاً!.


(*) إستشاري في أمراض الأنسجة والخلايا ورئيس شعبة في هيئة الصحة, حكومة دبي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع