نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تجليات الـهـمّـة المضاعفة في شخصية الإمام الخميني

د.علي الحاج حسن



لا يخفى ما للهمّة والعمل من أهميّة على مستوى الأفراد والجماعات إذ يتعلق هذان المفهومان وقبل كل شيء بالداخل الإنساني أي النفس والعقل، قبل أن يتعلقا بالحركات البدنيّة والجسديّة. ويعود الكلام عن الهمة والعمل المضاعف بعد أن أطلق الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله عنوان "الهمة والعمل المضاعف" على العام الجديد، وحدّد في خطابه الشهير(1) أبرز المنطلقات والأهداف التي تدعونا كبشر لمضاعفة العمل والنشاط، فاعتبر أن تطبيق هذا الشعار يحمل في طياته العديد من العناوين والمفاهيم الهامة للبشرية، ومن جملة ذلك:

أ- التقدم نحو الأفضل،
ب- الوصول إلى العدالة،
ج- الإحساس والشعور بالمسؤولية،
د- إدراك المتطلبات الحقيقية للإنسانية والعمل على تحقيقها... وهي أمور من شأنها أن ترتقي بالبشرية من المستويات الدنيا إلى أعلى المراتب على مستوى القيم والأخلاق والعمل والإنتاج؛ فتتحقَّق بذلك سعادة الدنيا والآخرة. مَن منا لا يبحث عن العدالة التي هي هدف الرسالات السماوية؟ ومن لا يصبو للوصول إلى الأفضل وإدراك المتطلبات الحقيقية؟ ومن يرفض أن يشعر الإنسان بالمسؤوليّة اتجاه نفسه أو الآخرين؟ من جهة أخرى حملت البشرية نماذج متعددة من الشخصيات التي تجلَّت بالهمة والعمل والمثابرة في كافة أنحاء حياتهم العملية السلوكية أو النظرية الفكرية، ومن أبرز هؤلاء الأشخاص الإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره. فالإمام شخصية فريدة في العصر الراهن، فهو الإنسان الفقيه المجتهد والعارف الفيلسوف... وهو الإنسان الذي تجسدت في سلوكياته الروح الحقيقية للإنسان الكامل حيث كان نموذجاً يُحتذى به على مستوى السلوك والتعامل مع المحيطين به. من هنا سنحاول الإطلالة على مسألة الهمة والعمل المضاعف من خلال شخصية الإمام قدس سره لنعرف تجليات هذه المفاهيم في هذه الشخصية العظيمة.

*شخصية الإمام الخميني قدس سره
ليس بالمقدور معرفة حالات الهمة والعمل والمثابرة والصبر... التي كان يتحلى بها الإمام قدس سره من دون الوقوف بدقّة عند شخصيّته والتّعرف إلى المبادئ والمنطلقات والأفكار والعقائد التي شكّلت حقيقة هذه الشخصية العظيمة. فالإمام قدس سره صاحب شخصية تمتلك أبعاداً علميّة وعمليّة واضحة بالإضافة إلى أنّ آثاره وانجازاته والنتائج التي تجلَّت في حياته لا تترك مجالاً للشك بأنّ من يمتلك هذه الشخصيّة والانجازات لا بدَّ وأن يتحلَّى بهمة عالية وعمل مضاعف. وهو الذي كان يردد باستمرار: "إنني أقدّم عمري المتواضع... على طبق الإخلاص من أجل خدمة الإسلام والشعب الشريف"(2). ومن هذه الروحية انطلق الإمام قدس سره وبهمة عالية وعمل دؤوب ليحقق أكبر الإنجازات على مستوى تاريخ المسلمين.

*أهمية الهمة والعمل المضاعف في كلمات الإمام قدس سره
يتناول الإمام قدس سره في العديد من كلماته الهمة والعمل المضاعف معتبراً ذلك مقدِّمة للاستقلال والاكتفاء الذاتي. وقد أكّد أن بذل الجهد وامتلاك روحية الخدمة يؤدي إلى تذليل العقبات ومساعدة الأفراد والمجموعات في الثقة بأنفسهم والعمل على خدمة البلد والوصول به إلى مستوى الاكتفاء الذاتي وبالتالي الاستغناء عن الآخرين والأجانب. يقول الإمام قدس سره: "أنتم بحمد الله مقتدرون، فلا تقللوا من قدرتكم على العمل ولا تخلدوا إلى البطالة، اعملوا لبلدكم التي عادت إليكم، ونجت من شر الأجانب ولا تسمحوا بقلة العمل، فنعجز وتعجزوا عن أن تديروا بلادكم فيقولوا بعدئذٍ: هؤلاء يحتاجون إلى قيّم عليهم، يحتاجون إلى من يأتي ويدير بلادهم..."(3).

وقد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى مجموعة من الأمور التي تترتب على وجود الهمة والعمل المضاعف:
1- يؤكد الإمام قدس سره على أن الهمة والعمل المضاعف يساعدان في تنمية الروح المعنوية لدى الأفراد(4). وهذا يساهم بدوره في بروز مفاهيم تتناسب والمجتمع المسلم كالصدق والإخلاص والتوجه نحو الخالق والنظر إلى العالم المحيط نظرة متعالية.

2- زيادة البناء والإنتاج(5)، فالهمة والعمل يساهمان في الابتعاد عن الكسل ويترتب على ذلك زيادة واضحة في الإنتاج والنهوض بما يخدم البلد.

3- الانتصار على الأعداء والقوى الشيطانية(6)، على اعتبار أن الهمة والعمل الدؤوب يمنحان الشخص الوعي والإدراك والمثابرة. وهذا يعني إدراك كل ما يحاك ويخطط له من قبل الأعداء ومن ثم مواجهة هذه المؤامرات والخطط.

4- اليقظة والوعي وتحرر الإرادات(7)، يعتبر الإمام قدس سره أن الهمة تساعد الأفراد في وعيهم والارتقاء بإدراكهم إلى مستوى تتضح لهم فيه الخطوات المفيدة في المستقبل فيحصلون على الاستقلال الذي به تتحقق سعادة الأمة.

5- التقليل من الخسائر(8). وقد شدد الإمام على أن الهمة والعمل يعنيان النهوض والتحرك نحو الأفضل. وإذا كانت الأخطاء تقع من البشر إلا أن أخطاءهم أثناء العمل أقل بكثير من التقاعس والكسل.

6- اختيار الصالحين والأمناء والصادقين(9). عند العمل يكتسب المرء القدرة على فهم حقائق الأمور وإدراك التفاصيل ومواطن القوة والضعف وبالتالي اختيار من هم الأفضل والأجدر لسدّ الثغرات والإشكالات.

*الهمة والعمل المضاعف في حياة الإمام قدس سره
تمثل حياة الإمام قدس سره وسلوكياته مع المحيطين به أهم وأبرز محطة تجلّت فيها عمليّة الهمّة والمثابرة. فالإمام قدس سره كان دائم العمل لا يتعب ولا يترك الأمور أو يكلها إلى الآخرين وكان يبادر بنفسه إلى قضاء حوائجه وأعماله ويُعَلّم الآخرين إتقان العمل ويحثهم عليه، لا بل كان الشخص الذي لا يدعو إلى شيء إلا ويكون قد سبق الناس إليه.

- يقال إن الإمام قدس سره كان ملتزماً يومياً بتلاوة عدة صفحات من القرآن الكريم ولم يترك تلاوة القرآن ونافلة الليل حتى في أيام حياته الأخيرة، لا بل لم يترك ذلك في الليلة التي أجريت له فيها العملية الجراحية الأخيرة(10).

- ويُروى أن الناس كانت تتقاطر إلى زيارة الإمام بداية انتصار الثورة، فكان لا بد له من صعود الأدراج للقاء الناس أكثر من سبع مرات يومياً ولم يظهر التعب عليه مطلقاً(11).

- ويقول المقربون من الإمام إنّه كان ينهض بنفسه لإعداد الشاي ويأتي إلى غرفته الخاصة ليتناوله من دون أنّ يطلب من الآخرين القيام بذلك(12)... إلى ما هنالك من الأمور التي تروى عن حياة الإمام قدس سره حيث كان مثابراً في غاية النشاط، لا يتكل على الآخرين في قضاء حوائجه ولا يؤجل ما يجب فعله، والأخبار هنا كثيرة وكثيرة جداً.

*كلمة أخيرة
شكّل الإمام قدس سره مدرسة خاصة للأجيال والأمم فمنه نتعلم الإيمان والتقوى ومن فكره ننهل العلم والمعارف الحقيقية ومن حياته المتواضعة نطل على فهم حقيقي للمفاهيم والاعتباريات الدنيوية ومن همته ندرك أن الأمجاد لا تتحقق إلا بجهد واجتهاد وعمل ومثابرة... فلنقتدِ حقيقةً بهذه الشخصية العظيمة لما في ذلك من خير لدنيانا وآخرتنا.


1- الخطاب الذي ألقاه الإمام الخامنئي بتاريخ 20/3/2010 بمناسبة بدأ السنة الإيرانية الجديدة.
2- خلاصة أحاديث الإمام الخميني قدس سره، ج1، ص704.
3- صحيفة نور، ج8، ص 228.
4- صحيفة نور، ج 13، ص 264.
5- صحيفة نور، ج 12، ص 345.
6- صحيفة نور، ج13، ص 263.
7- صحيفة نور، ج13، ص 418.
8- صحيفة نور، ج17، ص 254.
9- صحيفة نور، ج 6، ص 385.
10- قبسات من سيرة الإمام الخميني، الحالات العبادية والمعنوية، إعداد غلام علي رجائي ص16.
11- قبسات من سيرة الإمام الخميني، الحياة الاجتماعية، ص 161-162.
12- المصدر نفسه، ص67.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع