نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مناسبة: مكة في رسالة التوحيد


الشيخ تامر حمزة


تقع حركة النبي صلى الله عليه وآله في مكة المكرّمة (أم القرى) ضمن المراحل التالية:

* المرحلة الأولى: الولادة والنشأة
في يوم الجمعة، السابع عشر من شهر ربيع الأول عام 570 والمعروف بعام الفيل, وبعد طلوع الفجر، إنطفأت نار فارس، والتي قد مضى على إضرامها ألف عام، وتساقطت الأصنام المنصوبة في الكعبة على وجوهها، وضرب زلزال أدى إلى تهديم الكنائس والبيَع، وتصدّع إيوان كسرى، وطلعت نجوم لم تُرَ من قبل هذا حتى عميت على السحرة والكهان أمورهم، وكل ذلك لإشراقة الدنيا بنور مولود جديد في مكة اسمه محمد صلى الله عليه وآله وهو يقول (الله أكبر والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً)(1). ومن أجل أن ينشأ المولود الجديد في بيئة نقية وبعيداً عن الفساد الذي ضرب كل أسرة في عقائدها وسلوكها وأخلاقها، قرر جدُّه عبد المطلب أنْ يُخرجه من مكة إلى البادية كما هي عادة أشرافها، وكان الشرف الكبير الذي حظيت به قبيلة بني سعد، إذ حلّ فيها مرضَعاً، حيث لم يقبل إلا ثدي حليمة السعدية(2). وبعد فطامه، أعادته إلى أهله مرغمة، لما لمسته من بركات وخير لحظة دخوله إلى مرابعهم. وقد جرى القضاء بما ينسجم مع رغبة المرضِعة، فأرجعته معها بناءاً لطلب أمه آمنة، خوفاً عليه من الأمراض في مكة، إلى أنْ تمّ له ثلاث سنين جديدة، ثم عاد إلى حضن أمه بعد أنْ خشيت عليه حليمة من أيادي السوء حينما شاهدت جماعة من الحبشة القادمين إلى الحجاز قد أصروا على أخذه معهم، لأنهم وجدوا فيه علائم النبي الموعود(3).

* المرحلة الثانية: رسول الله:
بعد أن ترك محمد صلى الله عليه وآله التجارة إلى الشام وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات، كان يغدو كل يوم إلى غار حِراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله... فيعتبر بها... ويعبد الله حق عبادته... إلى أنْ استكمل أربعين سنة ونظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه، فوجده أفضل القلوب وأجلّها وأطوعها وأخشعها وأخضعها. فأَذِنَ لأبواب السماء ففُتحت ومحمد ينظر إليها... وإلى جبرائيل الأمين المطوَّقِ بالنور، وقد هبط إليه وأخذه بضبعيه، وهزّه وقال: يا محمد، إقرأ(4)، قال: وما أقرأ؟  قال يا محمد:﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق:1-5). وبعد ذلك، أخذت الآيات بالنزول تدريجياً لمدة ثلاث وعشرين سنة، وفي ظروف اجتماعية مكية معقدة جداً، وصفها أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: "أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتَلَظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد درست منار الهدى وظهرت أعلام الردى، فهي متجهِّمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها السيف"(5).

* إعلان الدعوة:
- الخطوة الأولى: تشكيل نواة الدعوة

وأول من بدأ بدعوتهم هم أهل بيته، فبادر مستجيباً مَنْ كان منهم نقي القلب من الشرك وممَّنْ عرف صدق محمد وسمو أخلاقه، فكان أول من صدّقه علي بن أبي طالب عليه السلام وخديجة رضي الله عنها، ثم التحق بهما زيد بن حارثة، فكانوا النواة الأولى التي أثمرت شجرة ً تدلت أغصانها في كل مكان من الأرض. سعى النبي صلى الله عليه وآله لبناء كتلة إيمانية لتشكل نقطة إشعاع لهداية الناس، وكان سعيه محفوفاً بالمخاطر، واستمر هكذا ثلاث سنين حتى استجاب له ثلة من الفقراء والمستضعفين ومن وفقه الله للهداية. ويروى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه كانوا يتفرقون في الشعاب لإقامة الصلاة فرادى ومثنى(6)، حتى انكشف أمرهم، ما دفع النبي إلى العمل بطريقة سرية في دار الأرقم.

- الخطوة الثانية: إنذار الأقربين.
عندما بلغت الفئة المؤمنة مرحلة يُطمأن إلى ثباتها ومؤهلاتها لخوض الصراع، انتقل النبي إلى دعوة الأقربين، التزاماً بقوله تعالى ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء:214)، وهنا، طلب رسول الله صلى الله عليه وآله من علي عليه السلام أنْ يدعو إلى وليمة ، فاجتمع عليها أربعون رجلاً، وبعد الانتهاء، عرض عليهم النبي صلى الله عليه وآله الرسالة على أن يكون وصيّه وخليفته من يؤازره في هذا الأمر، فلم يجبه إلا علي عليه السلام.

الخطوة الثالثة: الإعلان العام عن الدعوة.
لقد انتقل النبي صلى الله عليه وآله إلى الإعلان العام عن الدعوة، التزاماً بقوله تعالى ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الحجر:94)، متحدياً كل قوى الشرك، متغاضياً عن الاستهزاء والافتراء، حتى وقف بكل ثقة على الصفا ونادى قريشاً، فأتوه من كل مكان ثم أقروه على أنه الصادق فيهم. ولما عرض عليهم الإسلام، ووجِه بالتكذيب، إلا مِنْ بعض الأفراد الذين أنار الله أفئدتهم بكلام النبي صلى الله عليه وآله. وبعد اتضاح أمر الدين الجديد، أدرك صناديد قريش أنّ هناك حركة تغييرية على مستوى البشرية، ستقضي على مشاريعهم الذاتية ومصالحهم الشخصية، فتحركوا للمواجهة، مستعملين جميع الأساليب، من الحرب الإعلامية كالتكذيب والاستهزاء والاتهام بالسحر والكهانة، مروراً بأسلوب تعذيب المسلمين على رمال مكة وقتل بعضهم لترويع الآخرين، إلى الحصار والمقاطعة الشاملة، وإنتهاءاً بالقرار الجدي بقتل النبي صلى الله عليه وآله على فراشه، وذلك لثنيه عن حركته، ولم يفلحوا في شيء منها.

* المرحلة الثالثة: الهجرة من مكة
بعد مرور سنتين على إعلان الدعوة والتحاق عدد يسير بهذه القافلة النورانية، بدأت تواجه تحديات صعبة في مكة، لدرجة أنه لم يبق مجال لحماية المسلمين، فكان القرار بالهجرة من مكة إلى الحبشة بأمر من النبي صلى الله عليه وآله، فخرج إليها ثمانون مسلماً عدا الأطفال وأمّر عليهم جعفر بن أبي طالب(7). وأما من بقي في مكة، فقد دخل ضمن إطار الحصار في شعب أبي طالب والمقاطعة التامة لمدة ثلاث سنوات. وأخذت الأمور تشتد على النبي صلى الله عليه وآله بفقدانه كفيله و مانعه أبي طالب والمُجاهدة الأولى خديجة رضي الله عنها. وبالرغم من كل هذا الضيق والضنك، لم تضعف الإرادة أبداً ولم تتزلزل المواقف، مما دفع بالمشركين إلى اتخاذ القرار النهائي باغتيال النبي صلى الله عليه وآله. وحينها، قرّر النبي صلى الله عليه وآله الاستمرار في المواجهة من موقع جغرافي آخر، فكانت الهجرة إلى المدينة.

* المرحلة الرابعة: عودٌ على بدء
خرج النبي من مكة إلى المدينة وخرج معه أصحابه مثنى وفرادى خائفين، ولم يبلغ مجموع المسلمين بضع مئات، إلى أن مضى على هجرته المباركة ست سنوات، حتى عاد إلى مكة بالآلاف دفعة واحدة في رحلة عبادية لتأدية العمرة. وشكّل هذا القرار حرجاً كبيراً لقريش، وسيجعلهم أمام خيارين أقلهما هو أشد مرارة من الحنظل، وكانت الخاتمة هي الإعلان عن صلح الحديبية، وقد تضمن سبعة شروط، أتاحت للنبي صلى الله عليه وآله أن يتفرّغ للدعوة في مناطق أخرى، ومهّدت له للدخول إلى مكة في العام القادم، لتحطيم قلعة الصنمية والوثنية، وهذا الذي تحقق بالفعل. فما أن انتهت فترة الهدنة حتى نادى المنادي أن يتجهز المسلمون لأداء عمرة القضاء، فخرج النبي وخرج معه ألفان من دون سلاح عدا مجموعة واحدة لتشكل الحماية للمعتمرين، ولما وصل النبي إلى ذي الحليفة، أحرم هو وأصحابه، وقبيل دخول مكة، خرج زعماؤها إلى رؤوس الجبال والتلال المجاورة ينظرون إلى هيبة محمد صلى الله عليه وآله. لقد نقضت قريش البند السابع من معاهدة الصلح، حيث أعانت الآخرين على أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فكان السبب لدخول مكة بالقوة، وقد أعلن النفير العام فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل، ثم تحرك نحو مكة في العاشر من شهر رمضان، ولما وصل إلى مر الظهران (اسم منطقة)، أمر المسلمين بالتفرق في الصحراء، وإشعال النيران حتى أضاء الليل حول مكة مما أدخل الرعب في قلوبهم، ولم يكن إمام زعيمهم أبي سفيان إلا أن يصطحب العباس عم النبي صلى الله عليه وآله لأخذ الأمان من رسول الله، وهكذا دخلت مكة في رسالة التوحيد، وأيضاً عاد محمد صلى الله عليه وآله إلى حيث أنسه بجوار بيت الله سبحانه.

* المرحلة الخامسة: الاستمرار عبر نهج الإمامة
بعد أن وصلت الدعوة إلى أصقاع الأرض واستقرت الجزيرة العربية وما حولها على شاطئ نداء التوحيد، جاءت المرحلة الثانية، ألا وهي انتقال المهمة من النبوة إلى الإمامة، من خلال النداء لجميع المسلمين بالتوجه إلى مكة في السنة العاشرة من الهجرة، لقضاء مناسك الحج، والاستماع إلى الخطاب الإلهي على أصدق لسان (إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم. فمن كنت مولاه، فعلي مولاه يقولها ثلاثاً)(8). وقبل أن يتفرّق الحجيج نزل قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (المائدة:3).


(1) بتصرف من كتاب تاريخ اليعقوبي ،ج2،ص8،السيرة الحلبية ،ج1، ص92.
(2) بحار الأنوار ج15،ص324.
(3) السيرة النبوية، ج1، ص167، بحار الأنوار ج15، ص401، والسيرة الحلبية ج1، ص155.
(4) بحار الأنوار ج18- ص17- من كلام للإمام علي الهادي عليه السلام.
(5) نهج البلاغة الخطبة 89.
(6) أنساب الأشراف ج1، ص117، والسيرة الحلبية ج1، ص456.
(7) السيرة النبوية ج1، ص321، تاريخ اليعقوبي ج2، ص29، بحار الأنوار ج18، ص412.
(8) تاريخ اليعقوبي ج3، ص112، مسند أحمد ج4، ص281، البداية والنهاية ج5 ص213.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع