نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: التلميذ والعلاقات المدرسية



د. حسن سلهب


يُنظر إلى العلاقات التي ينشئها التلميذ في المدرسة بشكل عابر، علماً بأنها تشكل أول تجربة له في التواصل مع الآخر في إطار المساحات الواسعة، بعيداً عن روابط القرابة أو النسب. وبالرغم من ضعف الإدراك في الطفولة المبكرة، إلاّ أنّ الكثير من الأطفال، ممن سلكوا طريق المدرسة في صفوف الروضة، يحتفظون بوقائع مميزة، سلبية أو ايجابية، لا تزال محفورة في ذاكرتهم وخيالهم. ويمكن القول إنّ التربية الاجتماعية القائمة على مبدأ العلاقة مع الآخرين، تتصدَّر مناهج رياض الأطفال وأنشطتها، بل إنّ هذه التربية هي المرجَّح الفعلي لوجود رياض الأطفال لدى معظم المدارس التربوية، فضلاً عن الآباء والأمهات.

1- أهمية علاقات التلامذة:
إن التلميذ في المدرسة أمام أنواع ومحاور عديدة من العلاقات تبدأ بالزملاء في الصف، وتنشط مع المعلّم، كما تمر بالناظر وربما المدير، فضلاً عن مسؤولي مرافق المدرسة، ولا تنتهي عند الناطور أو الحارس، الذي قد يحتفظ بمعلومات وعلاقات مع معظم التلامذة لا يعادله فيها أي موظف آخر في المدرسة. والنقطة الرئيسية في هذه المقالة تكمن في كيفية استثمار هذا الجانب الحيوي في نشاط التلميذ. إنّ أول ما يخطر في البال هو وعي هذه العلاقات، والتدقيق في أهميتها، وبالتالي، رفدها بشتى صنوف الدعم والتشجيع، كي تبلغ أقصى ما يمكن من نتائج في مجال تربية الحس الاجتماعي عند التلامذة. فالمطلوب في البداية إذاً تسهيل عمليات نشوء هذه العلاقات واعتبارها واحدة من أكبر عوامل التكوين الاجتماعي للتلميذ، حيث تتشكل صورته كما يراها الآخرون.

2- علاقات الزملاء:
ثُم إنّ هذه العلاقات توفر شروطاً طبيعية لتطبيق أو اكتساب الكثير من المفاهيم اللغوية والعلمية والتربوية التي تسعى إليها المدرسة، فالتلميذ يكتسب من زميله، مهما كان صغيراً، تعابير وحقائق وقيماً يعجز عن تحقيقها لديه الكثير من المعلمين، وإنّ أدنى تدقيق في عمليات التماهي التي تحدث بين التلامذة يظهر قوة التأثير والتأثُّر في هذه المجموعات، البعيدة عن الأنظار، والغارقة في عالم الخيال والأحلام. وبالرغم من تفاوت هذه العمليات، حسب السمات الشخصية والجنس والفرص المتاحة، إلاّ أنها تحتفظ بالكثير من الطاقة والدينامية الذاتية عند الجميع. لذلك، من المجدي تعزيز أواصر العلاقة هذه، وتجنُّب كل ما من شأنه وضع الزملاء في وضعية المنافسة السلبية، أو الرقابة، تحت عناوين التحفيز أو التقدير أو ما شابه ذلك. ومن المفيد أيضاً عدم اقتصار العلاقة، بين التلميذ وزملائه، على ما يحدث في المدرسة، بل داخل البيوت وفي الأماكن العامة، ضمن القواعد والأصول المعتبرة. وإنّ الحاجة لمثل هذا النوع من السلوك الإنساني تكبر مع تقدُّم العمر، وتوافر الخيارات من الزملاء.

أ- التعامل مع الخلافات:
ومن الأدوار المهمة التي يمكن أن تلعبها المدرسة أو الأسرة هو دور تدريب التلامذة على طرق التعامل مع الخلافات الشخصية أو الموضوعية، وبالتالي، إخراج هذا الواقع المحجوب دائماً إلى العلن، باعتباره واحداً من المهارات التي ينبغي على كل تلميذ إتقانها بشكل واقعي، عبر أمثلة حية من حياته العملية. فالتلامذة المميَّزون اليوم هم أولئك الذين يحتفظون بعلاقات مميزة مع جميع معارفهم أو المشتركين معهم في جانب من جوانب الحياة المدرسية أو العامة. والخصومات الثابتة لم تعد، كما كان يتوهم البعض، دليلاً على قوة النفس. لقد مضى الوقت الذي كان يُنظر فيه إلى التلميذ المبادر إلى حل هذه الخصومات أو تجاوزها، بوصفه ضعيف القلب، أو أنّه لا يقوم إلاّ بغيره. وجاء وقت جديد يشار فيه إلى هؤلاء التلامذة، الحريصين على تنقية علاقاتهم من كل شائبة، بوصفهم لائقين بخيرات الاجتماع الإنساني، جديرين بالأدوار الريادية والقيادية فيه، فالخصومات والتجافي بين الزملاء في المدرسة قرارات فارغة، ومواقف معطِّلة، وأخطر ما فيها تكريس تقاليد الأسلاف في إدارة الخلاف، حيث لا نزال، منذ قرون، نعيش في ظلِّ تداعياتها التي سمَّمت العلاقات البينية وجعلتها في مهب الريح عند أدنى تعارض، أو أقل اختلاف.

ب- اعتماد الطرق الإيجابية:
لا نريد في هذه المقالة التغافل عن وجود دوافع نفسية طبيعية تتحكم، إلى حدٍّ بعيد، في حدوث الخصومة أو الجفاء، ولكن من الثابت أيضاً أن هذه الدوافع لا تتحرك إلا بعد حدوث تقييم سلبي لمواقف الآخر. والهامش في اعتماد التقييم السلبي أو الايجابي واسع، يرتبط بخبرة التلميذ ومعارفه وقِيَمه، وليس بدوافعه النفسية فحسب، فامتناع الزميل، على سبيل المثال، عن إعارة أغراضه لزميلٍ آخر، يمكن أنْ يؤدي إلى خصومة حادة، كما يمكن أن يؤدي إلى عتاب ودِّي، أو مكاشفة صافية. وإذا تدرَّب الزملاء واعتادوا على اعتماد الطرق الإيجابية، فإنّهم لا يربحون جولة من جولات الخلاف فحسب، بل يربحون العلاقة بما تزخر به وتحمله من خير أيضاً. والعكس صحيح، فالخسارة لا تكون خسارة جولة، بل خسارة علاقة برمتها.

3- العلاقات مع المعلمين والمسؤولين في المدرسة:
أما العلاقة بالمعلمين، فلها خصوصيتها وآثارها التي قد تحسم، في بعض الأحيان، صورة المستقبل التي سيكون عليها التلميذ. وبالرغم من صعوبة بناء علاقة بين المعلم وتلامذته كافة، فإنّ إمكانية الإفساح للجميع، في الحد الأدنى، واردة ومؤثرة. وعندما نتحدث عن علاقات التلميذ عموماً، فإننا نعني بذلك كل المستويات، العادية منها وغير العادية، لكننا نؤكد على تلك التي يغمرها الود، وينعشها الأنس، وتطفح بالمحبة المتبادلة، حيث يتسنى للتلميذ تفاعل كلي مع المعلم، معرفياً وعاطفياً وروحياً. وفي الاتجاه نفسه، لكن ضمن حدود زمنية متفاوتة، تبدو علاقات التلميذ بناظره أو مديره، فضلاً عن المعنيين بالمكتبة والمختبر والنقل وغيرهم. وكلما تعدَّدت علاقات التلميذ، فإن فرصة تكوين حِسِّه الاجتماعي تتعزَّز وتكبر. وعندما نؤكد على توافر بيئة غنية للطفل، فإننا نعني بذلك في الدرجة الأولى توافر فرص كافية لعلاقاته الإنسانية. من الأمور التي يتعين الالتفات إليها أن معظم هذه العلاقات، باستثناء علاقات الزملاء، تبدو غير متاحة، إلا بقدر الحاجة الفعلية من جهة، ومستوى الإقبال الذي يبديه الآخرون نحو التلامذة من جهة أخرى.

4- اعتماد العلاقات التعاونية:
إن قضية الحاجة للآخر قضية حية في كل مراحل حياة الإنسان، في الماضي وفي الحاضر، كما في المستقبل، وهي أيضاً تضغط باتجاه قبول مبادرات الآخرين، كما تدفع في اتجاه إنشاء العلاقات معهم. والمدارس اليوم، أكثر من أي وقت مضى، معنية بتمكين تلامذتها من إقامة أرقى العلاقات، أفقياً وعمودياً. وبالإمكان القول إنّ المدرسة التي يسعى إليها التربويون في هذا الزمن هي مدرسة تعاونية، تتقدَّم بطاقة الوئام الذي يكتنف علاقات كل المعنيين بها. ومن المدهش فعلاً أنّ الكثير من قواعد العمل المدرسي اليوم، سواء المتعلقة بالنظام العام والقوانين، أو حتى طرائق التعليم، تتجه بشكل ملحوظ نحو اعتماد العلاقات التعاونية كأصل من أصول العمل المدرسي، وكمعيار من معايير الجودة والتمايز للمدرسة عموماً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع