نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أدب الشهداء خلود آداب الحياة

ولاء إبراهيم حمود



بين يدي نصوصٌ أنهيت رفع ستائرها. فأصحابها أحياءٌ عند ربهم يرزقون، ونصوصهم نوابض أفكارهم، إرثٌ يستحق أن يُقرأ، فيها وضعوا آمالهم وغرسوا أحلامهم، فكان حصاد الخير الوفير، نضار الشهادة الأبهى، وهي بصدقها وقيمتها الفنية تجيب على سؤال قديم... نعم... إن الشهيد مثقفٌ متعلم، لا يقل علماً عن الأستاذ في صفه... والشاعر في قصائد دواوينه. إن قوّة السَّبك وتسلسل الأفكار وعمقها ووضوح هدف الكتابة ونبله ملامح أدب يؤكد علو منسوب الثقافة لدى شهدائنا، وأن شهادتهم العظيمة جسرٌ يصل دنيانا بآخرتهم، بعد أن يفتتحها مدرسةً لا "تعطيل" فيها لأعلى القيم وأعزّ المبادئ. تطرح هذه النصوص أيضاً علامة استفهام واسعة، عن مواضيعها، التي تتمحور حول شخصية الشهيد وبنائه النفسي وأولوياته من أمور دنياه، ماذا في التفاصيل التي ستعرضها هذه الوريقات؟

* الشهيد رضا والأرض:
تبدو الأرض هاجساً رئيسياً يستوطن كيان الشهيد رضا حريري وبطلاً يعانق بطل قصته القصيرة، "الطائرات... والأرض والتبغ". التي تروي خلجة رجل يغادر أرضه، بعد أن أمضى فيها عمره ودفن معه زوجته وأطفاله الثلاثة. وفي اللحظة الأخيرة، قبل المغادرة، يقرر العودة إليها، ليعانق، عبر ثراها وجوه أحبته، بعد أن ضمَّته فوقها شهيداً، بنبض التجربة الحيَّة كتب الشهيد رضا حريري هذه القصة، كأنه يكتب عن قريب له، شخص يعرفه بدقة، يدرك انفعالاته، تعلقه بشتلة التبغ، حواره مع ذاته، تأنيبه لها، عندما دفعته إلى الهروب، الخلاصة التي وصل إليها وهي شجاعة الاستشهاد مع أهل قريته وفوق ثراها، كل هذا يدفعني إلى القول بثقة عالية: "لا يدرك الشهيد إلا الشهيد".

* في قلوب أمهاتهم أطفال:
ترتبط الأم عند الشهيد "محمد حجاب" بالربيع، فدمعها أحمر كصفحة ورود الدار، وحزن عينيها نورٌ يضيء ظلام قبره. وفي نصِّه الثاني "راحل" يكتب الشهيد مشاعره الحقيقية بحبر الصادق الإنساني الزاكي، الرحيل بذكره بلحده وجراح الأحبة، فراقٌ للروح التي لا تعود إلا بلقياهم. وفي النص الثالث للشهيد عينه، يطلب من أمه ثانيةً. أن لا تحزن وأن تبارك خطاه على دروب الأبطال والبطولة؛ ويستحلفها بحق حبِّها له أن لا تمنعه من جهاده، الذي سيعيد إليهما حلم الانتصار الإسلامي الكبير. ويناجيها في نصه الرابع بمنتهى الرقة بلغة عامية بسيطة، تعيد إلى الذاكرة لغة الرجال في ميادين القتال، لكنهم في قلوب أمهاتهم أطفالٌ يهبون الشهادة معنى السعادة والحياة معنى الخلود والاستمرار.

* إسلامي.. لأجله وجودي:
يختصر الشهيد "حسن محمود الأمين" كلَّ آماله وطموحاته بخمسة أسطر توضح جمال لغته وتتضمن سمو هدفه وهاك لغته: "ذاكرتي مخبأ الزمن الغابر... أيامي تراتيل رصاص في ذلك الزمن الغابر... ثورتي عنوانٌ لأهازيج حريتي... مقاومتي نبعٌ لثورة إسلامي... إسلامي ما كان لأجله وجودي. ينشد الشهيد "حسين موسى مهنا" إيمانه بالله وقرآنه والرسل ويناجيه برقة بالغة الاحساس، كأن الكون ينشد معه مرتلاً:

الله تعالى نعبده
خلق الأكوان وصوّرها
مولاي أتيتك منكسراً
أن تغفر لي وتسامحني
قد أنزل ربي قرآناً
للرسل جميعاً خاتمةٌ
نقدسُه ونمجده

والويلُ لعبد يجحده
ورجائي إليك أردده
وسبحانك رباً نعبده
وأتى بالحق محمَّده
وإمام الخلقِ وسيده


* مقاومة ورثاء:

وبعد أن يرثي الشهيد "حسام حسين الحسيني" من مضى قبله من الشهداء تحت عنوان "رثاء الأحبة"، رابطاً بين ساحات المقاومة الباسلة وبين صحراء كربلاء الخالدة، وجامعاً بجذور النجيع بين شهداء كلا الزمنين، راسماً بينهما لوحة شعرية متوهجة الألوان، ينشد الشهيد "ربيع حبيب عطوي" على إيقاع القصيدة العمودية وأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي أهازيج مقاومة منتصرة وأناشيد التزامها الوثيق بدين الله:

يا مجدها تلك المقاومة التي
ملأت شغاف قلوبنا بتفاخر
وَلَكَمْ مضينا في هجومٍ واسع
عبواتها وشحناتها قد فجرت
رابين قد قال غلبنا أسفاً
أبطالها زأروا زئير مجلجل

وتعاطف بعطائها المتسلسل
بنداء يا (زهرائنا) أو يا (علي)
خط الأئمة والنبي المرسل
حمماً بكل مجوقل ومؤلَّل
حزب المهيمن غالباً لم يقتل

* وهبوا الحياة معنى الخلود:
وفي إشارة رائعة إلى ثقافة الحياة التي تدفع شهداءنا إلى ضفاف الجنان ينشد شهيد الوعد الصادق "رياض قصير" هازجاً، متهللاً: "بالمولد الميمون... وحي البشرى جاء وانزاح ستر الليل من ذاك الضياء فتلألأ الصبح وتبسمت الثغور... وملائك الرحمن هلَّت في السماء، يا رسول الله... يا رسول الله. ومع شهيد الوعد الصادق "وسيم شريف" الذي كان اختصاصه علمياً بحتاً لا علاقة له بالشعر، نختم بمقاطع من قصيدته عن الحجاب، فتقرأ عنه ثنائيات تذكر بموشحات ابن زهر الأندلسي، وهذا كله يشير إلى اتساع مجالات الثقافة وآفاقها لشهدائنا الذين مضوا على بصيرة وهدى ويقين، بعد أن أحبوا الحياة وأنشدوها ووهبوها معنى الخلود:

"بيقين من كل هوى أكبر
وتغلب من وادي طوىً أطهر
وبعفةِ روح ليست حيرى
وخطى واثقةٍ تنضح صبرا
امضي أختاه
فدمائي بحجابك أغلى
وبه صوتي يصبح أعلى


من دونه لا ليست حرة
أمتنا هي أمة أسرى
فامضي بلواه
ما أجمل روحك إذ ترقى
ما أقبحها تسفر تشقى
الله يريد لكِ اليسرى
والغرب يهددك الفقرا
فثقي بالله


* أَقدِمْ مولاي المهدي عجل الله فرجه:
وفي وجدان الشهيد "وسيم شريف" علاقة حميمة بين المهدي المنتظر والمسجد الأقصى والقدس المسبية، فنقرأه ينشد لكلتيهما:

"أذّنْ يا أقصى
لصلاة العدل المنسية
بدماء أقسى
من عزم القدس المسبية
نادِ المنتظر بوادي طوى
قد عظمت يا مهدي البلوى

كفكفْ بيديك دموعاً حرّى
أقدم مولاي... أذّنْ لصلاة الحرية
اسمع يا مولاي... آهات الأم المفجوعة
أدركْ مولاي... أنات الأسرى الممنوعة

هذا غيضٌ من فيض مما قرأته من آثار الشهداء الأدبية، وهي متنوعة الشكل بين القصة القصيرة والخاطرة والشعر المنثور والمقفى، كما تتنوع مضامينها بين الأم والأرض والربيع، وأحاديث الذات والإيمان بالله، وأهازيج المقاومة، وثنايا الحجاب، والقدس منتظِرةً مهديّها. بين كل هذا وذاك، تتجلى مواضيع الحياة حيةً نابضةً، قد خطتها أنامل شهداء الله، لتحلو الحياة وتخلد لأبنائها وهم كواكبها، بل زُهر نجومها... أدباً يرتفع وتسمو به.. إلى حيث يرضون ويرضى الله وهم الخالدون فيها... مدرسةَ قيم وقصيدة جمال وديوان خلود.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع