صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

شهيد الوعد الصادق سمير علي ضيا


نسرين إدريس قازان


 شهيد الوعد الصادق سمير علي ضيا (الحاج أبو إسلام)

بطاقة الهوية
اسم الأم:
زينب سعيد دعبول
محل وتاريخ الولادة:
بافليه 14/12/1958
الوضع العائلي:
متأهل وله 6 أولاد
رقم السجل:
15
محل وتاريخ الاستشهاد:
صريفا 18/7/2006



إنه "تاريخٌ" في تقويم المقاومة. رجل، كانت البندقية بوصلة أيام قضاها متنقلاً من محور إلى آخر، حتى إذا ما احتاجَ إلى عكازٍ بعد بتر قدمه اليمنى، اتكأ على بندقيته وتابع الطريق. كثيراً ما تلاقى الحاج أبو إسلام مع الموت وجهاً لوجه، بل وأكثر الأحيان كان رفيقاً له في مسيرة حياته الشخصية والجهادية، إلى أن امتطى صهوته بعد سنوات طويلة من الانتظار، لازمه فيها ألم الإصابات والشظايا التي سكنت جسده.

* الحرب غيّرت مسيرة حياته
مذ وجد سمير نفسه وهو في السابعة عشرة من عمره مضطراً لأن يُطفئ مصباح منزلهم الكهربائي في برج حمود بحجر يرميه عليه وهو مختبئ مع أهله خوفاً من القصف الأعمى في الحرب الأهلية، وعى أنه يعيش مرحلة تختلفُ كثيراً عن أيام السلم والطمأنينة في طفولته، ولكنه لم يكن ليدرك أن الحرب بأبشع وجوهها ستغيّر مسيرة حياته في العام 1975، بعد وقوع قذيفة وسط المنزل أدت إلى استشهاد أخيه يوسف وإصابته هو وأخته إصابات بالغة، فتمّ إرساله على الفور إلى "هنغاريا" لتلقّي العلاج اللازم، حيث مكث ثلاث سنوات كانت كفيلة بأن يعيد ترتيب أولوياته وهو يقرأ الواقع السياسي والعسكري، ليس في لبنان فحسب، بل في إيران أيضاً، فقد اهتم كثيراً بأخبار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني العظيم قدس سره والتي كانت في بدايات انتصارها. فحمل من نورها قبسات شكلت اللبنة الأولى لشخصيته الجديدة.

* مقاومٌ بالكلمة والسلاح:
أوائل الثمانينات كانت بداية الطريق بعد سفر قصير إلى السعودية عاد منه ليقطن في بيروت مع أهله، الذين نزحوا إليها هرباً من بطش الإحتلال الإسرائيلي، فبقي معهم فترة قصيرة عمل خلالها في منطقة بئر العبد لفترة قصيرة في بيع السكاكر بالقرب من مسجد الإمام الرضا عليه السلام، الذي كان آنذاك عرين الثلة التي اختارت السلة على الذلة وهي محاصرة بين العدو الصهيوني الذي يلاحقها، وبين من اختار الصمت والتخاذل. فكان يترك "بَسْطَتَه الصغيرة" ويتوجه إلى المسجد ليستمع إلى المحاضرات التي جمعت ما بين الدين الأصيل والسياسة، فكان مع أوائل المتحدثين والمؤسسين للعمل الإسلامي والعسكري. وسرعان ما ضاقت عليه بيروت في العام 1982، فحزم حقائبه عائداً إلى قريته في الجنوب، والتحق بالحوزة الدينية، ليصبح مقاوماً بالكلمة وبالسلاح، فهو من أولئك الذين كتبوا حروف المقاومة الأولى قبيل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وبعد الاجتياح واكب عمل الشهيد الشيخ راغب حرب رضي الله عنه، الذي كان في بعض الأحيان يعطيه سيارته الخاصة لييَسّر له التنقل بين القرى.

* جهاد في المعتقل:
على الرغم من السرّية التي عمل بها، فقد ظفرت به عيون الواشين وكانت كفيلة باعتقاله من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في العام 1984 وزجّه في معتقل "أنصار"، قبل أن يتمّ نقله إلى معتقل "عتليت" في فلسطين المحتلة لسنتين ذاق فيهما أبشع أنواع التعذيب، إذ إنه فقد أسنانه كلها جرّاء التعذيب، وعانى من ألم معدته وأذنيه طويلاً، ولكنه أيضاً استثمرها وحولها إلى فرصة لتثبيت الروحية الإيمانية والجهادية في نفسه، فقضى ما فاته من صلاة وصوم وصار يعطي الدروس للمعتقلين معه، حتى قيل عندما أفرج عنه في عملية تبادل للأسرى في العام 1986، إنه تخرّج شيخاً من المعتقل وليس من الحوزة. وقد خرج على أثر تبادل حصل في العام 1986 ليكمل مسيرته الجهادية بقيادة السيد عباس الموسوي قدس سره، بعد استشهاد الشيخ راغب حرب.

* عملية اللويزة:
تزوج سمير بعد خروجه من المعتقل، ولم يفصل بين حياته الشخصية والجهادية قيد أنملة، حتى أنه استغل نزهاته مع زوجته في نقل العتاد العسكري في التواصل مع المجاهدين في القرى الأخرى. وبعد عشر سنوات من العمل العسكري وفي المقاومة الإسلامية، وأثناء قيادته لعملية عسكرية على موقع قرب اللويزة في العام 1991، أدى انفجار لغم وانهيار جدار عليه إلى بتر ساقه اليمنى وإصابته في مختلف أنحاء جسده بشظايا لازمته حتى يومه الأخير. ولكن الحاج أبا إسلام، وهو الاسم الذي عرف به بين المجاهدين لأكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، أدرك بعد بتر قدمه وحرمانه من المشاركة في العمليات الجهادية، أو الوجود في المحاور المتقدمة، أنه لا تزال لديه مهامُّ جسيمة، فكان مسؤولاً عن عدة مهام عسكرية، وقائداً لبعض العمليات الجهادية.

* القائد الأب:
كان الحاج سمير رجلاً هادئاً جداً وصبوراً إلى أقصى درجة، وقد ساعده ذلك كثيراً في عمله في وحدة الهندسة حينما كان مضطلعاً بمهمة زرع العبوات. وقد عانى من مرضٍ مزمن في رئتيه بسبب تنشقه الدائم لموادٍ خطرة أثناء تصنيعه للعبوات، وعُرفَ بين المجاهدين بالقائد الأب الذي يراعيهم ويطمئن إلى أحوالهم، يحرس معهم في الليالي تاركاً وقت راحته، ويهيئ لهم الطعام بيديه، إلى أن غاب عنهم قسراً بعد إصابته البالغة، فترك الحاج أبو إسلام محور جبل صافي، حيث قضى أجمل أيام حياته الجهادية، وهجر قسراً صخرة هناك كان يعشقُ الجلوس عليها فسميت باسمه لشدة تعلقه بها، فإذا ما افتقده أحد المجاهدين وجده جالساً عليها غير عابئ بالوقت، فتمر الساعة والساعتان وقد حفر عليها أرقاماً لم يعرف أحد غيره معناها.

* في مؤسسة الجرحى:
بعد تماثله للشفاء وتركيب طرفٍ اصطناعي له، عمل الحاج أبو إسلام في مؤسسة الجرحى، ليخدم المجاهدين الذين نالوا أوسمة الحرب، وكان بموازاة ذلك يكمل العمل الأساسي الذي بدأه مع الاجتياح الإسرائيلي وهو بناء المجتمع المقاوم، فكان هو الكلمة السواء بين جميع أهل القرية، يستشيرونه في أمورهم، وينصبونه حكماً عند اختلافهم، وهو ملجأ الفقراء بعد الله عز وجل، فيؤمن لهم المساعدات والأدوية، ولا يغلق بابه بوجه أحد. أما على الصعيد الجهادي، فقد أكمل ما بدأه منذ بداية طريق المقاومة، فجمع الفتية في الكشافة، وتابع الشبان في التعبئة العامة، وكما أنه حمل على كتفيه رفاقاً شهداء، خرّج من بين يديه مجاهدين جدداً عقد عزيمتهم على الجهاد بإيمان راسخ لا يتزحزح.

* الالتزام بالتكليف:

في منزل الحاج سمير، تتزين الجدران بالمناسبات الإسلامية. فلا تمر مناسبة دون أن يحتفل بها مع أولاده الستة، فالأب الذي سعى جهده في تربية أولاده تربية إسلامية جهادية صحيحة، اهتم كثيراً بالتفاصيل، إيماناً منه بأنها وحدها هي التي توطد ما في النفوس. احتل الحاج أبو إسلام مكانةً رفيعة في مجتمعه كانت وليدة المحبة الكبيرة التي حظي بها وكانت وفاءً لكثير وجليل ما قدّم ليس لأجل أبناء قريته والقرى المجاورة فحسب، بل للأمة. وقد طلب إليه أهل القرية أن يترشح للمخترة في الانتخابات، وقبل أن يجيبهم ولو بإيماءة صغيرة، قال إن عليه أن يستشير عائلته، فَهم أهل القرية عندها أن القرار بيد عائلته الكبيرة، أي حزب الله، وقد التزم بكل ما طلبه منه الإخوة، وكان ذلك الموقف درساً بليغاً للجميع في الالتزام بالتكليف.

* أخيراً رحل معه:
كان الحاج أبو إسلام يقرأ المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة بوعيٍ تشكّل من خبرته الطويلة في ساحة القتال، فدائماً يذكّر الإخوة من حوله بضرورة التحسب للحرب في أي لحظة، ويحثُّ كل من حوله على ترك الدعة والتراخي والاستئناس بالحاضر من غير أن يحسبوا للحرب الحساب. وعندما بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وقف الحاج أبو إسلام ليدافع عن الوطن إلى جنبِ المقاومين متناسياً آلامه، وغير عابئ بالطرف الاصطناعي الذي يعيق الحركة السريعة التي تحتاجها الحرب. ولكنه هذه المرة أبى إلا أن يرحل مع صاحبه الذي رافقه طوال فترة حياته، فأمسك بيد الموت في شهادةٍ مباركة أثناء تصديه للعدوان الإسرائيلي على قرية صريفا.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع