نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: كيف ندرِّس أبناءنا؟

إعداد: نبيلة حمزي



لا تنتهي رحلة الدراسة مع عودة طلاب المدرسة إلى منازلهم بعد يوم مدرسي حافل بل تبدأ رحلة من نوع آخر لإتمام الواجبات المنزلية فتهم أيادي الطلاب لتحمل الأقلام والكتب والدفاتر وتهم معها أيادي الأهل و قلوبهم التي تناضل جاهدة لإيصال أبنائهم إلى بر النجاح، رحلة يتخللها مهمة تدريس تختلف طرقها وتتنوع أساليبها، مهمة قد تشوبها الكثير من الأخطاء فتنعكس سلباً على جهد الطالب وتعيق نجاحه وتقدمه. وهذا طبعا ما لا يصبو إليه لا الطالب ولا الأهل . فما هي أكثر هذه الأخطاء شيوعاً؟ وما هو الأسلوب والطريق الأنسب للوصول إلى مهمة متوجة براحة الأهل والطالب و مكلّلة بالبعد عن التعب والعناء لكليهما؟

* أخطاء شائعة
إن التحدث عن الأخطاء لا يعني أن كل الأهالي يخطئون، فهذه الأخطاء نسبية، وقد يظن بعض الأهالي أنهم لا يخطئون بل هم يقومون بما هو صالح لأولادهم أو على العكس، وبعد سؤالنا لمجموعة من الأهالي حول أساليب تدريسهم لأبنائهم وعن الأجواء خلال القيام بالواجبات المنزلية سجلنا بعض الملاحظات لننقلها إلى المختص التربوي الذي سيوضح لنا الصحيح من الخطأ في هذه المسألة.

1.
في أسلوب التدريس :
- إمساك القلم في يد الطفل لمساعدته على الكتابة، أو الكتابة وحل الفروض عنه، وذلك بغية إنهاء التدريس بمدة أقل.
- التوبيخ والإهانة أثناء التسميع، رمي الكتاب بوجههم، ويصل الأمر عند بعض الأهل إلى حد الضرب القاسي لاعتبارهم أن الضرب حل مناسب لتصحيح الأخطاء التي يرتكبها الطلاب .
- ضغط الطالب لدرس المواد واحدة تلو الأخرى لساعات طويلة، دون ترك فترات راحة بينهما وتحديد وقت معين لإنهاء الدروس لأنهم يعتبرون أن هذه الطريقة تضمن إنهاء الواجبات على التوالي من دون أن ينقطع التركيز.
- الجلوس فوق رأس الطالب للاطمئنان على سير عملية الدرس، ومطالبته بالإسراع وعدم تضييع الوقت سدى.
- تركه يدرس وحده دون مراجعته أبداً.
- ترك الطالب ينتقل من مادة إلى أخرى من دون الانتهاء من الأولى، أو الانتقال من فقرة إلى أخرى في نفس المادة قبل إنهاء السابقة.
- تكرار التسميع والمراجعة للتأكد من حفظ الطالب لدروسه.
- الإفراط في تغذية الطالب لزيادة النشاط الجسدي، مما يعيق نشاطه الذهني.

2.
في الجو العام للدَّرس:
- إجبار الطالب على الدرس فور قدومه من المدرسة من دون فترة استراحة أو حتى تناول وجبة الغداء بروية.
- السماح للطالب بالدرس في أماكن تواجد التلفاز والضيوف والمشاركة في الحديث.
- إجبار الطالب على الدرس في مكان محدد طوال فترة التدريس .
- زرع الخوف المبالغ فيه في نفس الطالب من الفشل والسقوط.
- المقارنة بطالب أو بأخ آخر.
- الوعود بحوافز مادية دائماً، على أساس أن هذه الأمور تشكل دافعاً لزيادة الجهد والنشاط.
- الاعتماد الدائم والكامل على الأستاذ الخصوصي وعدم المتابعة معه.

* الرأي التربوي
هذه الملاحظات وضعناها بين يدي الدكتور هاشم عواضة الأستاذ في كلية التربية ليبين السلبي والإيجابي منها، وقد تناول في حديثه معنا العديد من النقاط:

• التوقيت المناسب للدَّرس
يعتمد التوقيت المناسب للدرس على مدى استعداد الطالب لذلك، فلا يمكننا أن نفضّل وقتاً على آخر، رغم أنّ علماء النفس يعتبرون أن الصفاء الذهني يكون أقوى بعد الاستيقاظ من النوم مباشرةً. لكن من المهم أن لا يجبر الطالب على الدرس فور قدومه (وصوله) من المدرسة. خاصةً وأنه في الآونة الأخيرة لاحظنا إلغاء بعض المواد التي تشكّل متنفساً (كالرسم، الرياضة...) لذا، من الأفضل أن يرتاح الطالب ويتناول وجبة الغداء التي تساعده على استعادة الطاقة ثم يبدأ بالدرس. أما أثناء الدرس، فلا يجب أن نعطي الطالب وقت محدداً لأن مقدرة الاستيعاب تختلف من شخص إلى آخر. نجد طالباً يحفظ صفحة واحدة بـ10 دقائق، وآخر لا يستطيع إلا بنصف ساعة، وهذا لا يعني أن الأول هو الأذكى، وفي هذه المسألة أيضاً، لا يجب أن يدرس مادة وراء أخرى بشكل متتابع بدون فترات راحة، فالدرس السريع يمكن أن يكون سبباً مباشراً للنسيان السريع.

• المكان المناسب للدَّرس
كما ذكرنا أنه لا يمكن تقييد الطالب بوقت محدد كذلك لا يمكننا تقييده بمكان محدد، المكان الذي يرتاح فيه ويجده مناسباً للدراسة، بعض الأهل يعترضون على درس أولادهم في غرفة التلفاز أو أماكن تواجدهم والضيوف، هذا الموضوع يعتمد على ماهية المادة فالمواد التي تعتمد على الحل يمكن وبشكل عادي أن تحل في مثل هذه الأمكنة. أما مواد الحفظ، فقد يجد البعض صعوبة في درسها في أماكن الفوضى والضجة. إذاً، هذا الموضوع يعتمد على:
- طبيعة النشاط البيتي.
- طبيعة الشخص الدارس.
- طبيعة المواد المدروسة.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض الطلاب يحبون التنقل من مكان إلى آخر أثناء الدرس لتجنب الملل والبدء بالدرس من جديد. أما بشكل عام، فإن مكان الدرس يجب أن يتمتع بالمواصفات التالية:

• التهوية الجيدة التي تساعد دائماً على الشعور بالانتعاش والنشاط الدائم.
• الترتيب، فالترتيب يساعد على تسهيل عملية الدرس، فلو كان المكان غير مرتب، لضاع وقت من الطالب وهو يبحث عن كتاب أو ورقة ضائعة.
• إضاءة متوسطة خصوصاً في الليل، فكلا الإضاءتين الخفيفة والقوية تؤثر سلباً على النظر.
• المقعد الصحي للجلوس المساعد على استقامة الظهر.
• نظافة دائمة، وجمالية معينة (وجود بعض الأزهار والصور الجميلة) تعطي الطالب شعوراً بالارتياح، فمقدرة على الاستيعاب أكبر.

* الثواب والعقاب
يُقال خير الأمور أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط، إنّ أفضل الطرق لمكافئة الطالب على نجاحه هو التحفيز الداخلي أي التشجيع المعنوي، (كإظهار المحبة) والتشجيع، وهنا لا ننفي الدور المهم للتحفيز المادي لكن ضمن حدود، لأن الإفراط بالتحفيز المادي يؤدي إلى حرف الطالب عن الهدف الرئيسي، فلا يصبح همّ الطالب الدرس فالنجاح، إنما يصبح هدفه الوصول إلى ما وعد به، وهذا يُعرف بالشرطيّة (أفعل شيئاً معيناً مقابل شيء آخر). أما العقاب، كثيرة هي طرق وأساليب العقاب، لكن الأخطر بينها هو الضرب، فالضرب يعلم النفاق. وبتفصيل أكثر، فإنّ الطالب لكي يتجنب عقاب الضرب من أهله يكذب عليهم فلا يفصح عن رسوبه في مسابقة أو مادة معينة، ومن الممكن أيضاً أن يغير العلامة ويضيف إليها رقماً آخر، فيصبح ناجحاً. والضرب يكون ممكناً في حالات قسوة وبشروط حدّدها الدين الإسلامي، ومهما كانت النتائج يجب أن نشجع أولادنا الطلبة على قول الحقيقة، لأن النفاق يؤدي إلى عواقب وخيمة. فالعقاب يجب أن يكون مدروساً، يمكن أن يكون حرماناً من المصروف لمدة محددة، والعقاب القاسي يؤثر سلباً على شخصية الطالب لدرجة إيصاله إلى مرحلة العناد في عدم الدرس. بالمختصر إن في الحرمان من الثواب بطرق مدروسة، يكون العقاب.

* المدرّس الخصوصي: (الأستاذ الخصوصي)
عندما يصل الطالب إلى مرحلة عدم المقدرة على الدراسة لوحده، وعندما يصل الأهل أيضاً إلى مرحلة عدم المقدرة على مساعدة أبنائهم في الدراسة، تصبح الحاجة ماسة إلى مدرس خصوصي. وليس كل شخص قال إنّه مدرس خصوصي يكون فعلاً كذلك، المدرس الخصوصي هو الشخص الذي يكون على دراية كافية بالمواد التي سوف يدرّسها، وبكيفية التعامل مع الطالب، والتنسيق مع المدرسة والأهل، لمعرفة مدى تحسن الطالب وتقدمه. والأهم من كل ذلك محبة الطالب واقتناعه بالشخص الذي سوف يدرسه. وهنا لا تنتهي مهمة الأهل، بل على العكس، فالبعض يقول إنّ المهمة تصبح أصعب، فعليهم متابعة ولدهم مع المدرسة من جهة والمدرّس الخصوصي من جهةٍ أخرى. ففي بعض الأحيان، يعمل الأستاذ الخصوصي على حل الأسئلة للطالب كي يوفر الوقت، وهذه الظاهرة - بالطبع – خطيرة، والمساعدة لا تكون على هذا الشكل.

* الإخوة وتدريس إخوتهم
في هذا الصدد يقول ابن سينا: "الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس"، وهذا القول يؤكد أن الولد يتلقن ممَنْ هو مِنْ عمره بطريقة أسرع، وفي هذا عدة فوائد:
- استيعاب الطالب عن طريقة إخوته بطريقة أسرع.
- تذكّر للأخ المعلِّم ما درسه في الصفوف السابقة.
- تقرّب الأخوة من بعضهم وازدياد الثقة بينهم، وهنا يجب على الأهل في هذا الصدد دفع الإخوة لمساعدة بعضهم، فمن الممكن أن نترك الإخوة يدرسون في غرفة واحدة في حال عدم حدوث فوضى وشجار بينهم، فأخ مجتهد يولّد الدافع عند الآخر في تقليده.

* مهمة الأهل أثناء دراسة أولادهم
الطلاب في سنوات الدراسة الأولى يحتاجون إلى متابعة أكثر من الطلاب في الصفوف الأعلى. وحول مسألة مسك القلم للطفل أو الكتابة عنه فمن الأفضل إرساله بدون كتابة الفرض على أن نفعل ذلك. أما بالنسبة للكبار فإن مهمة الأهل هي الإشراف والمساعدة على تعلم منهجيات الدرس الصحيحة والتأكد من أنّ ولدهم درس، فإن صعبت عليه مسألة رياضيات لا نحلها فوراً بل نعود إلى شرح الدرس ونرى ما مدى فهمه للمضمون العام للدرس، وعند إيجاد أي صعوبات، من الأفضل المتابعة مع الأستاذ لإعادة الشرح من جديد. كما أن لترك الطالب يدرس وحده أهمية في إكسابه شخصية قوية معتمدة على نفسها مستقبلياً. أمّا بالنسبة للمواد التي تحتاج إلى إشراف مباشر كمواد الحفظ والإملاءات والقراءة، نوضح التالي:

- الانتقال من مادة إلى أخرى، الانتقال وفي نفس المادة من فقرة إلى أخرى ليس أمراً سلبياً بل على العكس قد يؤدي إلى مساعدة الطالب إذا ما لم يقدر المتابعة فيما يدرسه وبعد الانتقال والانتهاء من المادة الثانية يعود إلى الأولى.
- تكرار التسميع والمراجعة والذي يراه البعض إيجابياً قد يؤدي إلى نسيان الطالب وتشتيت ذهنه فدرس نصف ساعة مع تركيز أفضل. كذلك أثناء التسميع، إذا رأينا الطالب يكرر الأخطاء، نقوم فوراً بإيقافه عن الدرس وإراحته لوقت محدد ثم يعاود الدرس. لا بد أن نذكر أن الخطأ مطلوب في مرحلة التعلم، وقد يخلق الخطأ دافعاً لدى الطالب في الاجتهاد أكثر.

- أخيراً ، المقارنة بشخص آخر ذكي ليست في كل الأحيان إيجابية، فقد تؤدي إلى الإحباط والغيرة والحسد والتراجع، وخصوصاً مقارنة الإخوة لبعضهم. هنا، يجب تحفيزه وتشجيعه ليصبح بمستوى أصدقائه، فالدراسة ليست سباق سيارات، بل هي مسابقة الطالب مع ذاته للوصول إلى مهمة درس ناجحة.

* الطالب والغذاء أثناء الدرس
أثناء الدرس يحتاج الطالب إلى المواد السكرية التي تولد النشاط والطاقة، لأن عملية التركيز تصرف عدداً كبيراً من هذه المواد، فإن تقديم الفاكهة وبعض السكريات بشكل منظم جيد ومفيد، وقد يلجأ بعض الطلاب إلى المطبخ لأكل شيء، هذا لا يعني هروباً من الدرس، الحقيقة أن الطالب بحاجة فعلاً إلى أطعمة تساعده على تعويض الطاقة. وأخيراً يؤكد الدكتور هاشم عواضة أن على الأهل فهم شخصية أبناءهم الطلاب وعدم إلزامهم بأخلاقياتهم التعليمية الموروثة، فالمناهج الدراسية تتغير وتختلف من جيل إلى آخر، ومن الضروري معرفة أن النتيجة والمحصلة النهائية هي الأساس لا مكان ولا زمان ولا طريقة الدرس. فيا أيها الأهل الأعزاء ما أجمل أن تسطروا بأقلام هذا العام الجديد على صفحات دفاتر أولادكم طرقاً مدروسة وممنهجة للتدريس وتمحوا بالممحاة ما لم تقصدوه من أخطاء. فلتكن كتب أولادكم مسرحاً لحب العلم والاستمرار فيه، لا خزاناً لكلمات الهروب والتراجع. ولتكن حقائبهم مشروع مستقبل مشرقاً لا ثقلاً يسمرهم في مكانهم، ولتكونوا يا أهلنا دافعاً لبناء مجتمع مثقفٍ لا مجال للجهل والأمية فيه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع