نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: آيات أهل العلم




ورد في الحديث الشريف عن الكافي بسنده إلى أبي بصير قال: "سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام (أَبا جَعْفَرٍ) يَقُولُ: كانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: يا طالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ لِلْعِلْمِ فَضَائِلَ كَثِيرةً. فَرَأْسُهُ التَّواضُعُ، وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ وأُذُنُهُ الْفَهْمُ، وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ، وحِفْظُهُ الْفَحْصُ، وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ، وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الأَشْيَاءِ وَالأُمُورِ، وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ، وَرِجْلُهُ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ، وَهِمَّتُهُ السَّلاَمَةُ، وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ، وَمُسْتَقَرُّهُ النَّجَاةُ، وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ، وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ، وَسِلاَحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ، وَسَيْفُهُ الرِّضَا، وَقَوْسُهُ الْمُدَارَاةُ، وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ، وَمَالُهُ الأَدَبُ، وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ، وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ، وَمَاؤُهُ المُوادَعَةُ، وَدَلِيلُهُ الْهُدى، وَرَفِيقُهُ مَحَبَّةُ الأَخْيَارِ"(1).

ما استعرضه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو من علامات العلماء، وآثار العلوم، فمن حصل على العلوم السائدة وكان خالياً من هذه الآيات، فليعلم بأنه لا حظّ له من العلم، بل هو من أصحاب الجهل والضلال، وتوجب له في عالم الآخرة هذه المفاهيم والكلمات المتبادلة بينه وبين العلماء الآخرين لدى التحقيق والبحث، الحجب الظلمانية، وتكون حسرته يوم القيامة أعظم الحسرات. فالمقياس في العلم أن يكون آية وعلامة، وآيته أن لا يغدو باعثاً على النخوة والأنانية والتظاهر والترفّع.

ثم عبّر الإمام عليه السلام عن العلم بـ(الحكمة) لأجل أن العلم الصحيح لنورانيته وضيائه في القلب، يوجب الاطمئنان، ويدحض الريب والشك، ومن الممكن أن الإنسان طيلة حياته يخوض في البراهين ومقدماتها، ويستدل لكل واحد من المعارف الإلهية ببراهين عديدة وأدلة كثيرة، ويتفوّق على أقرانه في مقام البحث والمنافسة، ولكن تلك العلوم لا تؤثر في قلبه شيئاً، ولا تبعث لديه الاطمئنان، بل تزيده شكاً وتحيّراً والتباساً، فجمع المفاهيم والإكثار من المصطلحات، لا يجدي نفعاً، وإنما يُشغل القلب بغير الحق سبحانه، ويثنيه عن الذات المقدس، فيغفل عنه. أيها العزيز، إن العلاج كل العلاج فيما إذا أراد الإنسان أن يكون علمه إلهياً، عليه عندما يدرس أي علم شاء، أن يبادر إلى مجاهدة النفس، ويسعى بواسطة الرياضة الروحانية، في سبيل تخليص نيته. فإن المنقذ الأساسي، ومصدر الفيض، تخليص النية، والنية الخالصة "مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً جَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلى لِسَانِهِ"(2) فهذه فوائد وآثار الإخلاص في أربعين يوماً.

فأنت عندما بذلت الجهد أربعين عاماً أو أكثر في سبيل تجميع المصطلحات والمفاهيم العلمية، واعتبرت نفسك علاّمة ومن جنود الله، ولكن لم تجد أثراً للحكمة في قلبك، ولا طعماً لها على لسانك، فاعلم أن دراستك وتعبك لم يقترنا بالإخلاص بل إنما اجتهدت للشيطان والرغبات النفسية. فإذا رأيت أن هذه العلوم لم تثمر ولم تنجع فانصرف ولو لأجل الاختبار نحو إخلاص النية وتصفية القلب من الرذائل والكدر. وإذا لمست أثراً حاول أن تستمر في ذلك أكثر. وإن كانت التصفية لأجل الاختبار كانت هذه النية متنافية مع الإخلاص، ولكن من المحتمل أن بصيصاً من نورها يهديك. وعلى أي حال أيها العزيز أنت محتاج في جميع العوالم: عالم البرزخ وعالم القبر وعالم القيامة ودرجاتها إلى المعارف الإلهيّة الحقة، والعلوم الحقيقية والخُلق الحسن والأعمال الصالحة، فاجتهد أينما كنت من هذه الدرجات والمراتب، وأكثر من إخلاصك وأزل عن قلبك أوهام النفس ووساوس الشيطان حتى تظهر لك النتائج، وتجد سبيلاً إلى الحقيقة، وينفتح لك طريق الهداية، ويكون الله سبحانه في عونك. يعلم الله سبحانه بأننا إذا انتقلنا مع هذه العلوم التافهة الباطلة وهذه الأوهام الفاسدة والقلب الكدر والخلق الذميم إلى عالم الآخرة، كيف تكون مصائبنا ومحنتنا، وكيف يكون مصيرنا، وأيّ ظلام ووحشة وعذاب قد توفّر لنا هذه العلوم وهذه الأخلاق.


(1) أصول الكافي، المجلد الأول، كتاب فضل العلم، باب النوادر، ح2.
(2) بحار الأنوار، ج67، كتاب الإيمان والكفر، باب الإخلاص، ح10.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع