نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله: قدوة المنتظرين


الشيخ نعيم قاسم


يتميز الإمام المعصوم بصفات خاصة تجعله في الموقع الأول للقيادة، وله دورٌ رئيس في إقامة الدين ونصرته في حياة الناس، وهو منارة الهدى والاستقامة، والمتصل بحبل الله تعالى، فمن أطاعه بامتثال أوامره والانتهاء عن نهيه، نال رضوان الله تعالى. تبرز هذه المعاني في دعاء عرفة لسيد العابدين والساجدين علي بن الحسين عليه السلام، حيث يقول: "اللهم إنك أيَّدت دينك في كل أوانٍ بإمام أقمته علماً لعبادك، ومناراً في بلادك، بعد أن وصلتَ حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذَّرت معصيته، وأمرتَ بامتثال أمره، والانتهاء عند نهيه، وألاَّ يتقدمه متقدِّم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المتمسكين، وبهاء العالمين"(1).

* "المنتظر" القدوة:
وبما أنَّ الإمام موجودٌ في كل زمان، وننتظر إمامنا المهدي عجل الله فرجه في هذا الزمان، فإنَّ اقتداء المنتظرين بقائم آل محمد عجل الله فرجه يحقِّق الثواب والرضوان عند الله تعالى. ومن المهم لنا أن نعرف ما ننتظره عند ظهور الحجة عجل الله فرجه، ليكون أداؤنا في غيبته موافقاً لما يجب أن نكون عليه في حضوره. وقد رسم الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء عرفة نفسه، خطوات الإمام في حضوره، وعلاقة المؤمنين به، بصيغةِ دعاءٍ وطلبٍ من الله تعالى، رجاء توفيقه لتحقيقها.

- قال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه:
"اللَّهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه، وأوزعنا مثله فيه، وآتِه من لدنك سلطاناً نصيراً، وافتح له فتحاً يسيراً، وأعِنهُ بركنك الأعز، واشدُد أزره، وقوِّ عضده، وراعِه بعينك، واحمِه بحفظك، وانصره بملائكتك، وامدده بجندك الأغلب، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله، وأحيِ به ما أماته الظالمون من معالم دينك، وأجْلِ به صدأ الجور عن طريقتك، وأَبِنْ به الضراء من سبيلك، وأزِلْ به الناكبين عن صراطك، وامحق به بغاة قصدك عوجاً، وألِنْ جانبه لأوليائك، وابسط يده على أعدائك، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه، واجعلنا له سامعين مطيعين، وفي رضاه ساعين، وإلى نصرته والمدافعة عنه مكنفين، وإليك وإلى رسولك(ص) بذلك متقربين"(2).

* طريق الإيمان والانتظار:
نستفيد من الدعاء توجيهات عدة أبرزها:

شكر النعم، بما أعطاه الله تعالى للإمام عجل الله فرجه، وبما أعطانا في حياتنا من خيرات، وعلى رأسها نعمة الإيمان والتزام نهج الإسلام، فبالشكر تدوم النعم.

أهمية السلطان، وهذا ما وعدنا الله تعالى به، أن تكون لإمامنا السلطة والقدرة ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، لذا دعا الإمام ربَّه: "وآتِهِ من لدنك سلطاناً، وافتح له فتحاً يسيراً".

النصر، وهو أمل المستضعفين، وشوقهم إلى أن يسدِّدهم الله تعالى، بكل أشكال الدعم، "وانصره بملائكتك، وامدده بجندك الأغلب".

إقامة الدين، وذلك بتحكيم شريعة الله المقدسة في حياة الناس، فالإسلام رسالة الله الكاملة التامة لسعادة البشرية، ولا سعادة بغيرها، ولذا فإنَّ المهمة الكبرى للإمام المهدي عجل الله فرجه هي إقامة هذا الدين، وعلينا أن نسلك طريق الإيمان، لنصل إلى هذا الخط الذي يقوده إمامنا (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).

* إزالة الانحراف:
جلاء الحقيقة، التي أصابها التشويش والتحريف بسبب الضَّالين والمضلِّين، والتي أوصلتنا إلى زمان لا يكتفي فيه الكثيرون بإهمال فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، لا بل أشد من ذلك، يرون المعروف منكراً والمنكر معروفاً. إنَّ المهمة كبيرة وجليلة وصعبة، فإزالة تراكم الانحراف يتطلب جهداً كبيراً ومتواصلاً، لكشف الزيف وفضح الباطل، وإزالة الشوائب التي أحاطت بمعالم الدين، ولكن يتحقَّق الهدف بالاستعانة بالله تعالى، وعند ظهور الإمام ينكشف كل شيء، "وأَجْلِ به صدأ الجور عن طريقتك، وأَبِنْ به الضَّراء من سبيلك". وهي مهمة تعنينا، أن نعمل كي نزيل الالتباس الذي أحاط بهذا الدين من تفسيرات وسلوكيات خاطئة ومنحرفة، فإذا ما استقمنا على هذه الجادة، أدَّينا وظيفتنا، وسلكنا طريق الانقياد لإمامنا المعصوم عجل الله فرجه.

علاقةُ المحبة والرأفة والرحمة، بين الإمام وأنصاره، وهي نتيجة طبيعية للإيمان، فالإمام حنون وعطوف من موقع قيادته، يُعطي من عاطفة القلب ما يعزِّز صلة أنصاره به، وما يؤدي إلى النجاحات المتتالية المليئة بالمشاعر الصادقة والمطمئنة. لسنا أمام سلطةٍ تأمر وتنهى بجفاء، بل أمام قائدٍ يقود بحبٍ وحنان، وهذا من روائع الإسلام المحمدي الأصيل.

"واجعلنا له سامعين مطيعين"، إذ لا يمكن لخيرات وبركات وجوده أن تشملنا إذا لم نكن من أنصاره وأعوانه، فدعاؤنا لله تعالى أن يعيننا على أنفسنا، لنكون من المسارعين إلى نصرته، والمدافعين عنه، والساعين إلى رضاه، وبذلك نكون مع الله ورسوله والأئمة الأطهار، فنحصل على سعادة الدنيا وثواب الآخرة. تُعلِّمُنا هذه الفقرة من دعاء عرفة، أن ننظر بأملٍ ووعي ومسؤولية إلى إمامنا المنتظر عجل الله فرجه، وأنْ نعمل بمضمونها كتكليفٍ ممهِّد للظهور، لأنَّ ما ننتظره من الإمام من شمولية وعدل وكمال، هو ما ينتظره الإمام منَّا وفي المسار نفسه بحسب قدرتنا وطاقتنا، لنلاقيه عند الظهور أنصاراً مؤمنين صادقين.


(1) الصحيفة السجادية، دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في يوم عرفة، الدعاء (47).
(2) م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع