أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى 

الحرب الناعمة: الحجاب: أولى طلقاتهم ضدّ المرأة

مركز الحرب الناعمة للدراسات



الانطباع الأوّل الذي قد يستنتجه الباحث في موضوع الحرب الناعمة على الحجاب، عدم وجود رابط بين الحرب الناعمة والحجاب، وأنّ الأدلة غير واضحة، وربّما غير كافية للربط، وأنّ الربط ما هو إلّا من قبيل نظريّات "المؤامرة". لكنّ هذا الانطباع يتبدّل بمجرّد أن يتوغّل الباحث في تاريخ الحرب على الحجاب قبل قرنين من الزمن، مع تتبّع مسار الحرب الغربيّة على الحجاب إلى يومنا هذا. فماذا لدينا من أدلّة للربط بين الحرب الناعمة والحجاب؟ وكيف انتقلت استراتيجيّة الحرب على الحجاب من النموذج الفرنسيّ العلمانيّ المقاتل لقيم ورموز الدين -والحجاب أبرزها- وللإسلام إلى نموذج الحرب الأميركيّة الناعمة التي تقوم على تحويل منظومة القيم الإسلاميّة للمرأة كما يراها الإسلام إلى قيم النموذج الليبراليّ الأميركيّ الغربيّ.

* الحجاب رمزٌ دينيّ وقيمة أخلاقيّة
لا جدال في أنّ الحجاب رمز من رموز الإسلام، وفريضة من الفرائض حسب إجماع علماء الإسلام بكلّ مذاهبهم وتيّاراتهم الفقهيّة والكلاميّة والفكريّة، وهو أيضاً رمز دينيّ تقرّه الأديان السماويّة، وحتّى غير السماويّة، وتجد فيه رمزاً وقيمة أخلاقيّة إنسانيّة تعكس رغبة بشريّة في صَون طهارة المرأة وعفّتها، ورغبة أيضاً في حفظ الرجل من أيّ انفعالٍ يؤدّي إلى سلوك غير شرعيّ تُجاه المرأة. ففي حجاب المرأة عفاف لها وحفظ للرجل وطهارة للقلوب.

* تاريخ الحرب على الحجاب
بدأت الحرب على الحجاب منذ قرنين على الأقلّ، وهي ليست وليدة العقود أو السنوات الأخيرة من الصراع الفكريّ والثقافيّ مع العالم الإسلاميّ. وقد شُنّت الهجمات على الرموز الدينيّة من قِبَل التيّارات المناهضة للدين، أو المناهضة للإسلام على السواء، كالتيارات العلمانيّة والليبراليّة والإلحاديّة والماركسيّة والفوضويّة وتيّارات اللّاأدريّة المناهضة للدين والأيديولوجيا والأخلاق والضوابط على السلوك البشريّ، وكلّها تيّارات غربيّة المنشأ عامّة، تخشى من انتشار الإسلام في الغرب على وجه الخصوص، وتعيش عقدة الإسلاموفوبيا، (ما خلا الحالة الماركسيّة الشيوعيّة، حيث إنّ عداءها للحجاب هو جزءٌ من حربها الشاملة على الدين وكلّ رموزه ومؤسّساته وقيَمه).

أولاً: الحرب الفرنسيّة على الحجاب.
حصلت أولى المواجهات والاحتكاكات الفكريّة في موضوع الحجاب منذ بدأ الصراع الحضاريّ والسياسيّ والعسكريّ، الإسلاميّ – الغربيّ في عهد الخلافة العثمانيّة؛ إذ يرى بعض الباحثين أنّ قصّة الحجاب بدأت مع حملة نابليون على مصر، والاختراق الثقافيّ والسياسيّ الغربيّ، وخاصّة الاستعمار الفرنسيّ للعالم الإسلاميّ. ونشأت العلاقات الثقافيّة بين مصر وفرنسا وأوروبا، مع تأسيس الدولة المصريّة الحديثة في عهد محمد علي باشا، وإرساله للطلّاب من مصر إلى فرنسا لدراسة الحضارة والمدنيّة والتمدّن، وبداية الرحلات والبعثات العلميّة، لا سيّما مع بداية نشر أعمال وكتابات "رفاعة الطهطاوي" صاحب الكتاب الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" الذي أشار إلى قضيّة الحجاب والسفور والاختلاط كمقدّمة للحضارة والمدنيّة(1)، وظهر أيضاً مع الاستعمار الفرنسيّ للجزائر عام 1830م وبداية تطبيق "العلمانيّة الفرنسيّة المقاتلة" في المجال التربويّ والثقافيّ والمدنيّ(2). وتؤكّد الوقائع التاريخيّة أنّ النقاش حول الحجاب بدأ أولى شرارته في مصر مع الكتابات التي ربطت بين نزع الحجاب والدخول في المدنيّة والحضارة في إطار حملات تمدين العالم الإسلاميّ.

استمرّت الحرب الفرنسيّة على الحجاب طيلة القرن العشرين، وبقيت حتّى خروج الاستعمار الفرنسيّ من الجزائر. وكان "خلعُ الحجاب قضيّة استراتيجيّة بالنسبةِ إلى الجيشِ الفرنسيِّ، وقد تمّ تصوير عدد من الجزائريات وهنّ يخلعن الحجاب وسط العاصمة (الجزائر)، وقامت 12 امرأةً جزائريّةً من الموالين لفرنسا بحرق حجابِهنَّ تحت حراسة الجيش والأمن، في حين كان الجزائريّون يتخوَّفون من أن يؤدّي تركُ الحِجاب إلى تمثُّلٍ تدريجيٍّ برؤيَة الغرب، ممّا يؤدّي إلى تدميرِ الهويّةِ الدينيّة والوطنيّة التي تمثِّلُها المرأة الجزائريّة المتخفِّيَة خلفَ حجابها والمنغلِقة في بيتِها"، وَفق تعبير الباحث الفرنسيّ "جان بيار سيريني".

ثانياً: الحرب البريطانيّة على الحجاب.
تذكر المصادر التاريخيّة أنّ أوّل كتاب نشر في هذا المجال للكاتب القبطيّ المصريّ "مرقص فهمي" والمسمّى (المرأة في الشرق) عام 1894م. وكان الكاتب "مرقص" صديقاً وثيق الصلة باللورد "كرومر" المعتمد والمندوب الساميّ البريطانيّ الذي حكم مصر مدّة ربع قرن منذ بداية الاحتلال عام 1882م إلى حين استقالته 1907م، وأحد كبار رجال المستعمرات البريطانيّة، وصاحب نظريّة "التحديث في الإسلام"، التي نشرها في كتابه الأساسيّ الذي يقع في مجلّدين وعنوانه "مصر الحديثة".
وبالرغم من أنّ "كرومر" كان عدوّاً للمرأة وحقوقها في بلاده، إلّا أنّه عندما حكم مصر عمل كثيراً على نشر السفور؛ بدعوى تحرير المرأة مهاجماً الحجاب، وتعدّد الزوجات والطلاق، وكلّ هذه الأشياء "المتخلّفة"، برأيه، فعمد إلى صديقه "مرقص فهمي" القبطيّ الذي نشر كتاب (المرأة في الشرق)، فهاجم فيه الحجاب الإسلاميّ، ودعا إلى خلعه، وحثّ المرأة على الخروج من منزلها، والاختلاط، ولكنّه لم يلقَ رواجاً، فعمل "كرومر" على خطوة مهمّة من خطواته الحداثيّة وهي إنشاء جيل من "الأفنديّة" يدينون بما تدين به الحداثة الغربيّة؛ فيكونوا زرّاعها بهذا المجتمع. قال كرومر: "إنّ هؤلاء هم حلفاء الأوروبيّ المصلح، وسوف يجد محبّو الوطنيّة أحسن مثل في ترقّي أتباع الشيخ "محمد عبده" للحصول على مصر مستقلّة بالتدريج"(3).
لكنّ كتاب "مرقص" لم يُحدث أثراً كالطلقة التي أطلقها "قاسم أمين" في كتابه الشهير المسمّى (تحرير المرأة) عام 1899م، وذلك بعد عودته من إتمام دراسته في فرنسا، وتعليق شيخ الأزهر آنذاك "محمد عبده" حوله، وهو ما أثار تحقيقات أدبيّة وعلميّة وتاريخيّة حول حقيقة من كَتَب وألّف كتاب (تحرير المرأة)، هل هو "قاسم أمين"، أم "شخص آخر"، وما هو موقف مؤسسة الأزهر من دعوة "قاسم أمين" لتحرير المرأة(4).
وقد شرع "كرومر" في إنشاء الجرائد والصحف، كـ(المقطّم) التي تدعم هذه الأفكار، وتقدّم هؤلاء المتحرّرين، وإلقاء الضوء على رموز من هؤلاء المتنوّرين، كرجال أفذاذ ونموذج "نازلي فاضل" المرأة التي خلعت الحجاب واختلطت بالرجال، وغيرها!


1- عودة الحجاب، محمد إسماعيل المقدّم، مجلّد1، 2006، ص 11 -20.
2- معركة الحجاب الإسلامي في فرنسا أصولها وفصولها، سعدي بزيان، عرض مختصر الكتاب سكينة بوشلوح، الجزيرة، 20/9/2005، متوفر على الرابط:
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/books/2005/9/20
3- إسفارُ نساءٍ مُسلِماتٍ في الجزائر، استيهامٌ استِعماري، جان بيار سيريني، نشر المقال بتاريخ 13 أيلول 2016 على موقع:
http://orientxxi.info/lu-vu-entendu
4- اللورد كرومر.. مؤسس مصر الحديثة، أحمد عامر، منشور على موقع ساسة بوست: 2 نيسان 2016م.
https://www.sasapost.com/opinion/lord-cromer/
5- الحرب ضد الحجاب، للكاتب ممدوح إسماعيل، مثال منشور على موقع المعارف: https://www.marefa.org
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع