نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مشاركات القراء: القلم

رامي بليبل



القلم هبة إلهية، أداة الكتابة، وأقرب الأدوات جميعاً إلى قلب الإنسان، ويطلق أحياناً على سورة (ن) في القرآن الكريم سورة القلم تكريماً له كما جاء في أولى السور التي نزلت على النبي العظيم (الذي علّم بالقلم)، ومع صغر حجمه بالنسبة للفأس والسيف والمدفع وكبشة الطبيخ إلا أنه هو القادر على إضاءة المسافة بين الأرض والسماء وفي المقابل يمكنه أن يطفئ المصابيح أيضاً، شرس قوي حزين ومراوغ، يختصر قدرة العقل وطاقة القلب في سنّه المدبب ليصنع الأعاجيب، وكلّما تغذى جيداً وتشذّب جيداً،

وشُحن جيداً زادت رهافته وبصيرته وخطورته، وعندما تتقلّب به الأمور يصيبه الاضطراب والوجل، ولذا فإن القلم يظل طوال حياته ينظر بنصف عين إلى السلطة: يداورها وتداوره حتى يغضّ أحدهما البصر عن الآخر وهي ـ إلا فيما ندر ـ أكبر أعدائه بعد الجهل. والسلطة الذكية لا تقع في مأزق مع القلم.
الأنواع الرديئة من الورق، واليد التي استغرقها عدّ النقود والحقد والأصابع التي أجادت فتل حبال المشانق والجوع الشديد، والكتابة دون اقتناع، والرائحة النتنة، والتدنيس والتزوير، وجفاف العقل، وقصائد الشعر السّاذج، ولغرام السلطات به، استعارته عنواناً لأخطر إدارتها:

قلم المباحث، وقلم الشكاوى، وقلم الاستخبارات ثم هناك ولا يزال قلم المحضرين الذين يتولون إبلاغ وتنفيذ الأحكام، لكن الذي يحطّ من شأن القلم إدمانه كتابة التقارير، والشكاوى الكيدية ونصوص الأدب فاقدة التألق والتأشيرات الرقابية، وإنصاته أكثر مما يجب لما يحدث في الفراش ونكوصه عن قول الحق وسكوته عن مواجهة الباطل وكتابة التمائم والأحجية، والصكوك تحت الإذعان ورسم حواجب الطفلة ورموشها.
والقلم هو الأداة الوحيدة التي تعيش عمرها محاطة بهالة من الإشارات الخفية المنذرة، ليست من السلطة بأنواعها فقط بل ومن الأخلاق، والموبقات الاجتماعية والتناقضات الوطنية وأكل العيش والأصدقاء والعلاقات الخاصة والتاريخ المستقر والتصادم مع الأقلام الأخرى. وكثيراً ما يفقد القلم قدرته على استقبال هذه الإشارات المنذرة فيداهمه الصراخ والنحيب والانفعال والافتعال تمهيداً لأن يصبح شهيداً.

والقلم يفوق المحراث في عمق الخطوط والصاروخ في اختراق الأجواء العليا والدرر في الاستيلاء على قلوب من لهن قلوب واللسان في النفاق ومبضع الجراح في التمزيق والورد في أريجه. كما إن ضجيجه أعلى من أصوات الآلات الموسيقية في الألحان المعاصرة وأكثر صخباً من أفراح الرعاع، لكن أكثر الأقلام المعاصرة صفاءً وحزناً إنشائياً غامراً وجسارة تتجاوز الحمق وسخرية واضحة هي تلك الأقلام الغامضة.
وهناك أشياء تحول بيني وبين منحهم بعض الحق في المنافسة أو الصداقة أو سوء الفهم وهي الأمور التي تحاصر قلمي وتشله عن عمله في بعض الأحيان وتجعل إيقاعه بطيئاً كإيقاع أقلام الوشم على الجلد.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع